{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 1 صوت - 5 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
سرد إصدارات رابطة العقلانيين العرب
يجعله عامر غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #40
سرد إصدارات رابطة العقلانيين العرب

[صورة: dscn5792.jpg]

قراءة في كتاب "إسلام المتكلمين" لمحمد أبو هلال

بقلم خالد غزال
تاريخ النشر: 2008-08-31





مثّل علم الكلام في التاريخ العربيّ الإسلاميّ منذ إرهاصاته الأولى في العهد الإسلاميّ الأوّل فترة النبوّة والخلفاء الراشدين، وصولا إلى ذروة ازدهاره في العصر العباّسيّ، مرحلة مهمّة في الحضارة العربية الإسلامية، لا ينقص من أهميته ما أصابه لاحقا من ضمور وغياب. لاقى هذا العلم اضطهادا وقهرا من المدارس الفقهية التي استطاعت أن تحسم الجدل في قضايا الدين لصالحها منذ نكبة المعتزلة على يد الخليفة المتوكل، بعد أن شهد صعودا في الموقعين الدينيّ والسياسيّ. وإذا كان علم الكلام لا يزال اليوم موضع شبهة بل رفض قاطع من المؤسسات الدينية الرسمية وتلامذتها في التيارات الأصولية والسلفية، إلا أن أحدا لا يستطيع إلغاء وجوده في التاريخ والتأشير على قضايا في الدين والفقه والسياسة خالفت السائد من التقليد و"المحافظة" اللذين كانا سائدين وظلا مهيمنين على الأمور الدينية. لم تنقطع الدراسات حول علم الكلام وما قدمه للساحة الفكرية، سلبا أو إيجابا، من هذه الدراسات الجادة والموضوعية في قراءته، كتاب "إسلام المتكلمين" لمحمد أبو هلال، الصادر ضمن سلسلة "الإسلام واحدا ومتعددا" التي يشرف عليها الدكتور عبد المجيد الشرفي. أصدر الكتاب "رابطة العقلانيين العرب" و"دار الطليعة" في بيروت.

يعرف ابن خلدون علم الكلام بأنه "يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة". لا يختلف التاريخ الإسلامي في إنتاج علم الكلام وفرقه عن الأديان التوحيدية، اليهودية والمسيحية، بالنظر إلى ما تحمله الأديان من أساطير وغيبيات بعيدة عن العقل والمنطق. يأتي علم الكلام أو علوم اللاهوت في إطار إيجاد حلول للتناقضات التي يحملها النص الدينيّ من لا عقلانية، عبر إدخال العلوم العقلية في قراءة هذا النص وما يتفرع عنه من أحاديث ونظريات فقهية.

لكن علم الكلام الإسلاميّ تميز منذ نشأته الأولى بأنه كان جزءا من الحراك السياسي الاجتماعي والصراع على السلطة منذ وفاة الرسول. لذا اتخذ هذا العلم حجما أكبر مما اتخذه في الدينين الآخرين. شكل هذا العلم فريقا في الصراع بين المذاهب الإسلامية خصوصا بين السنة والشيعة، واستخدم كل فريق أطروحاته في تعزيز موقعه السياسي و"الأيديولوجي" لتأمين غلبة ما في التناحر الدائر بينهما. تطرق هذا العلم منذ بداياته إلى قضايا جوهرية تخص الإنسان في علاقته بربه، والإنسان في علاقته بمجتمعه وبالسلطة والحكم. لا تزال أفكار الخوارج حول رفض أن يكون الخليفة مقتصرا على قريش، وعلى تمتعه بقداسة وحصانة تمنع محاسبته من الشعب، تمثل مسائل أساسية في الحكم حتى اليوم. ومثلها ما قالت به "المرجئة" حول مساواة جميع المسلمين في الحقوق والواجبات، وهو أمر يرفض تمييز العرب المسلمين عن الأعراق الأخرى التي عانت من نزعة عربية في التفوق والتمييز عنها، إضافة إلى تأكيد هذه الفرقة على الإيمان الموجود في القلب أكثر منه في الشكليات والمظاهر التي يجري تسييدها على المؤمن، لا تزال هذه القضايا تحتل راهنية في عصرنا الحديث. أما ما قالت به القدرية حول مسؤولية الإنسان عن أفعاله وإرادته في اتخاذ القرار، فهي من الأمور التي يدور عليها جدل راهن بين التيارات الدينية السلفية منها أو ذات الاتجاهات العقلية نسبيا.

يولي محمد أبو هلال الفرقة المعتزلية أهمية خاصة تنبع من الموقع الهام الذي مثلته في تاريخ علم الكلام الإسلامي العربي. فهذه الفرقة لعبت دورا مهما في استحضار قضايا غاصت في عمق النص الديني ورفضت التسليم بظاهر المعنى. واتسع نفوذها عندما تبناها الخليفة المأمون وفرض طروحاتها على الدولة، وتعاطى سلبا وإيجابا مع العلماء والفقهاء وفق موقفهم من أفكار المعتزلة. لم يكن استخدام السلطة العباسية للفرق الكلامية واحتضانها أو اضطهادها معزولا عن الأهداف السياسية لهذه الدولة، وخصوصا حاجتها لإعطاء المشروعية لسلطتها وإسباغ الشرعية على قراراتها، مما يعني أننا كنا أمام استخدام السلطة السياسية للدين في السياسة وليس أمام نقاش كلاميّ مجرد حول هذه القضية أو تلك. هذا يعني أنّ "الفرق الكلامية" كانت تمارس ازدواجا في عملها يتراوح بين النشاط الفقهي ويمتد إلى المجال السياسي، وهو ما يفسر صعود أو انحسار هذه الفرقة أو تلك استنادا إلى طبيعة علاقتها بالحكم السائد.

تميز "المتكلمون" بالاطلاع الواسع على الفلسفات اليونانية والفارسية والهندية وما يتصل أيضا بالأديان التوحيدية، مما جعل معارفهم تضرب في جميع الحقول. امتاز متكلمو المعتزلة بالمعرفة الواسعة في شؤون الفلسفة والدين، لذا لم يكن غريبا أن يقدموا منظومة "أيديولوجية" متكاملة تقريبا عجزت أيّ من الفرق الأخرى عن مجاراتهم في تقديم ما يماثلها. اعتمدوا في محاجاتهم على ما حصلوه من "علوم الأوائل"، وعلى استخدام النص القرآنيّ في تبرير حججهم وإعطائها مصداقية وشرعية في الآن نفسه. قالوا بمبادئ خمسة شملت جميع مناحي الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وهي مبادئ ما تزال تكتسب حيوية في السجال الفقهيّ الدائر راهنا في سياق تجديد الفكر الديني وتخليصه من التراث الخرافيّ والأسطوريّ.

فالتوحيد، المبدأ الأوّل عندهم، كان عنوانا لمعركة المعتزلة ضد الجماعات والفرق الدينية التي تقول بتعدد الآلهة سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، والعدل الذي يمثل المبدأ الثاني يؤشر إلى مسؤولية الإنسان عن أفعاله ومحاسبته على ما يقوم به خيرا كان أم شرا. أما الوعد والوعيد، وهو المبدأ الثالث، فهو"ربط للفعل بالنتيجة والدنيا بالآخرة والإنسان بالله وتأسيسا للحرية على قاعدة المسؤولية"، فيما يشكل المبدأ الرابع أي المنزلة بين المنزلتين موقفا سياسيا-دينيا قالت به المعتزلة رفضا لتصنيف الناس وتكفيرهم استنادا إلى أفعالهم أو أقوالهم أو معتقداتهم. وأخيرا يمثل المبدأ الخامس القائل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقفا من النظام القائم يحوي سعيا إلى إصلاح السلطة بما يجعلها أكثر فائدة للجمهور.

عندما يُقرأ علم الكلام بمنظار الحاضر ومدى الإفادة منه، يمكن القول إنّ الكثير من القضايا السجالية التي أثيرت في زمان ازدهار هذا العلم يُصنّف في باب الأحداث التاريخية المعبرة عن معضلات زمنها. لكن القديم – الجديد الذي أتى به علم الكلام وما زال يكتسب كل حيويته وأهميته إنما هو اعتماد العقل حكما في قراءة الأمور وتغليبه على ما يناقضه. أتى اعتماد العقل بداية جوابا عن تناقض يحمله النص الديني في أمور معينة حيث ترد الآيات ونقيضها في الآن نفسه، وهو أمر وضع علماء الدين أمام مأزق تفسير هذا التناقض انطلاقا من رفض كون الله يوحي بالشيء ونقيضه مما يمس بالسيادة الإلهية. كان استخدام العقل وسيلة لتنزيه الله من هذا التناقض ولحل مشكلة الآيات ذات المعاني المختلفة. وبذلك كان المتكلمون يحاولون الجواب عن إشكالات مجتمعية لم يأت النص القرآنيّ على معالجتها بشكل واف، فيما باتت هما مجتمعيا يتطلب أجوبة محددة.

إضافة إلى ذلك كان اللجوء إلى العقل جوابا أيضا على ما يحمله النص من أمور تقع في باب الأساطير واللامعقول، مما استوجب بناء منظومات عقديّة تتمتع بحدّ أدنى من "الانسجام والمنطقية والتجريد تتجاوز عفوية نصوص الوحي". واكتسبت هذه القضية أهمية أكبر بعد تفشّي النزعات الأسطورية لدى بعض الفرق والمذاهب والتي ذهبت بعيدا في "تأليه البشر"وإسباغ قدسية على الخوارق. أما العامل الثالث فيتصل بالجدل الذي دار حول مسائل فلسفية خصوصا من جانب غير المسلمين واستوجب تصويب ما يقولون به بما يؤمّن توافقا بين العقل والشريعة ويحمي الإسلام من "الهرطقات".

بعد مرور أكثر من ألف عام على الجدل الكلاميّ والقضايا التي أثارها، وبعد تقلصه إلى الحد الأقصى لصالح الفقه والفقهاء الذين باتوا منتشرين داخل المجتمعات العربية والإسلامية، مغرقينها بفتاوى كثيرا ما تبتعد عن جوهر الدين، بل تصبّ في تجهيل المجتمع وإعادته إلى زمن الأساطير والخرافات، في هذا الزمن الرديء يجري استحضار ما قدمه علم الكلام من أجوبة عقلية ومن سجال اتسم غالبا بحرية إبداء الرأي من دون الاتهام بالتكفير والزندقة للمخالف، ليصفع الموجة الصاعدة في العالم العربي والإسلاميّ والمتجهة حثيثا لتكميم أفواه من لا يجاري الفقهاء في فتاويهم وطروحاتهم. إن استحضار الجانب العقلي لعلم الكلام هو استحضار يصب في قلب المعركة التي تحتاجها المجتمعات العربية والإسلامية في الإصلاح الدينيّ وتجديد الفكر الدينيّ بما يجعله متوافقا مع العقل ومع مقتضيات الزمن الراهن، وهو أمر تحتاجه هذه المجتمعات من أجل الانتساب إلى العصر الحديث والخروج من أسر القرون الوسطى وموروثاتها المتخلفة.
09-13-2008, 09:38 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
سرد إصدارات رابطة العقلانيين العرب - بواسطة يجعله عامر - 09-13-2008, 09:38 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  مما أعجبني: نقض أصول العقلانيين :: iAyOuB 0 1,474 04-24-2011, 01:16 PM
آخر رد: iAyOuB
  الإنسان والمقدس _ روجيه كايوا .. أحدث إصدارات المنظمة العربية للترجمة ali alik 3 3,171 03-18-2011, 05:18 PM
آخر رد: yasser_x
  العدالة كإنصاف - جون رولز .. من إصدارات المنظمة العربية للترجمة ali alik 0 2,825 08-13-2010, 02:20 AM
آخر رد: ali alik
  روبرت هيلند في كتابه «تاريخ العرب في جزيرة العرب» بسام الخوري 0 1,551 07-03-2010, 12:16 PM
آخر رد: بسام الخوري
  إصدارات مكتبة الإسكندرية الحوت الأبيض 0 1,935 06-11-2010, 02:34 AM
آخر رد: الحوت الأبيض

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS