{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
صوت النفير و صوت البعير
فخري الليبي غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 123
الانضمام: Jan 2008
مشاركة: #1
صوت النفير و صوت البعير

صوت النفير وصوت البعير

تكريما للدكتور سيد القمني

{ إن جاوبنا صوت النفير بصوت البعير، فلن يقـَيُمـُنا العالم كأمة من البشر، بل كومة من البعر*}


على يمين الداخل من المدخل الرئيسي لحديقة حيوانات مدينة نيويورك يوجد القفص رقم واحد الذي يحتوي الجمل.
تقول لوحة المعلومات المعلقة على القفص، أن هذا الحيوان الذي يشع مظهره بالكبرياء مفتخرا بهرم يعلو ظهره، هو حيوان يكثر في البلاد المتخلفة، لا يؤكل لحمه وليس له صوت. ولقد ضننت أن ذلك القول مجرد نكتة سخيفة ، فأبلغت حارس القفص المتباهي بزيه الذي تعلوه قبعة رعاة البقر، أبلغته أن هذه النكتة ليست مضحكة إطلاقا، بل هي استخفاف بعقول الزوار كافة . لكن الحارس الساذج أقسم لي برحمة والدته بأن الأمر خال من النكت وأن هذا الحيوان لا يؤكل لحمه ولا يملك صوتا، ولم يسمع منه طوال عدة سنوات قضاها في حراسته أي صوت، سوي صوت مضغه للأعشاب الطازجة، وأنه حيوان هادئ الطباع خانع، أما كون مظهره يوحي بغطرسة رغم اعوجاج رقبته الفظيع، أو لا يوحي بغطرسة، فهذه أمور نسبية لا يناقشها الزوار ولا تهمهم، ربما نال هذه الصفة لرفضه قطع الحلوى التي يقدمها له بعض الأطفال.

قلت له أن هذا الحيوان ، له صوتا قويا عندما يثار لأمر ما ، وأن سوائل رغوية كريهة الرائحة تنبثق من فكيه وتتناثر في عشوائية مقززة ، وأنه شديد المكر يكتم نواياه إلى أن يجد الفرصة المناسبة ليقضم ذراعك في قسوة تشطرها إلى نصفين متساويين. مع أنه من آكلي العشب ولا يأكل اللحم بل لحمه هو الذي يؤكل، ويشهد بذلك مدير حديقتكم هذه و أطبائها البيطريين و أمين خزينتها أيضا . عند هذا الحد ،نجحت في شد انتباه الحارس بشكل جيد ، اتكأ الحارس على القفص و نقر قبعته بسبابته ليدفعها للخلف قليلا فيتمكن من التمعن في ملامحي ، نظر إلى بعمق وقال ، إنك تكذب على أي حال، ثم بصق على الأرض وقال إنك لم ترى جملا واحدا في حياتك.

- ماذا ؟؟؟؟
-
- إنك لم ترى جملا واحدا في حياتك ، هذا ما أقوله، ذلك واضح في ملامحك .

- وضعت يدي على صدري وأقسمت له برحمة والدتي أنا أيضا، بأنه يكاد يغتالني ضحكا من الأشياء الفظيعة التي يراها
في ملامحي. وأن الجمل ابن العاهرة يصدر أصواتا قبيحة، ولا يتردد في قضم الأذرع انتقاما ، بل ويجسر على سحق عدوه جيدا بالبروك فوق قفصه الصدري تماما في غل متمهل ، عند الحاجة.

هز الحارس رأسه عدة مرات بعكس اتجاه فكه السفلي وهو يمضغ علكته الفاخرة في تأني مفكرا ، ثم هز رأسه عدة مرات سريعة معبرا عن رفضه الحاد ، وأعلن بثقة مزيفة أن ذلك أيضا محض كذب. يا إلهي ماذا يستطيع العناد أن يفعل بحارس ساذج يعتقد حقا أني لم أرى جملا واحدا طوال حياتي..يا إلهي أنا رأيت من الجمال والحمير والبغال أكثر مما رآه هذا الحارس من النجوم.

- استطرد الحارس ..أنا أعرف أنه حيوان صامت، و مادمت واثقا مما تدعيه، إذا دعني أربح بعض من نقودك على سبيل التسلية . فهل تراهني بمائة دولار على أن تجعل هذا الحيوان الطيب يفعل ما تدعيه، أنا أعرف جيدا أني سأكسب الرهان.

- قلت له: إن ذلك سيكون أمرا متسما بالخداع، وأنا لا أريد أن أسرق نقودك معتمدا على جهلك بما يدور في ودياننا.

- لكنه أعاد قبعته لوضعها السابق في ثقة المنتصر الذي لا يرغب في المزيد من النقاش، وقال أنا أرغب في كسب نقودك من وراء هذا الجمل بالذات، لأني أعرف أن الله لم يصيب الجمل بشيء يدعوه إلى الصراخ ، إنه يمضغ علفه الطري فحسب.فهل تراهنني ، أم تتركني لعملي؟

لم أجد بد من قبول الرهان: نظرت إلى الجمل البارك في وسط القفص تماما، يجتر ما في معدته المتخمة في رفاهية ، تنسجم حركة فكه مع حركة حارسه يمضغ علكته الفاخرة، و بدأت أتحدث إليه معتمدا على ذاكرته الشهيرة التي سأحث أعماقها القذرة بأن أجعله يعود بذكرياته إلى حياة أسلافه في قفارنا القاحلة، ليتذكر ماضيه التعيس. تحدثت إليه بالعربية و ببعض المفردات المحلية المختلفة والمحكية في كافة أقطارنا، قلت له أن أسلافه كانوا يـُتركون في الصحراء القاحلة يهيمون على وجوههم خلف رائحة الماء و بعض الأعشاب الجافة، وأن مالكيهم يجمعونهم بعد موسم التوالد مباشرة ليحصوا غنائمهم الربانية، وأحيانا يتكرمون عليهم بدهنهم ببعض القطران الحار لمكافحة الجرب، وأن البعض مازالوا يستعملونهم في جر المحراث البدائي ويصلـَون ظهورهم بالسياط اللاسعة تحت الشمس. أخذ الجمل التعيس يحدق إلي بعينيه القبيحتين في قلق، ويكف عن المضغ من حين لآخر في تركيز أكد لي مقدرتي على شد انتباهه و ضمان مائة دولار تكلفة السهرة التالية.

استطردت مسرعا : وأن رعاة أسلافك من الإبل كانوا يشتمونهم.. أمشي يا كافر... أبـْرك يا يهودي وهم يحمِّـلونهم الأثقال لمسافات طويلة . عندها وقف الجمل في قفزة مفاجئة واقترب من حافة القفص يمد عنقه إلى حيث أقف، متفحصا في ريبة .

- صاح الحارس ..احترس إنك تؤذيه بتمتمتك السحرية، يا إلهي أين تعلمت هذه الأصوات الشنيعة ؟؟

أقسمت له برحمة والدتي للمرة الثانية، بأني لا أعرف أي تمتمة سحرية، وأني أتحدث للجمل بلغة يعرفها جيدا، وأنه عليه أن يكف عن مقاطعتي إن كان راغبا في اتمام الرهان بعدالة.

وقلت متشجعا جذلا: وكان الرعاة يأتون بالإناث من النوق البيض متناسقة الأوراك ويجبرون الذكور على معاشرتها عدة مرات، ليضمنوا غنائم الموسم التالي. أصدر الجمل همهمة ناعمة ثم أخذ يزبد قليلا ثم بشدة، وتناثرت عدة قطرات على قبعة الحارس الذي تقزز ثم بصق علكته إذ اشتم رائحة خسارة الرهان الكريهة وأخذ يتحرك في جميع الجهات الستة في تردد و ارتباك، يرمق الجمل بنظرات خاطفة ثم يميل برأسه في مواجهة وجهي ليتفحص ملامحي بدقة، واضعا ما توفر له من علامات الاستفهام و التعجب فوق حاجبيه في سطر مستقيم واحد.

ثم أتممت بسرعة محدثا الجمل: كما أن أصحاب تلك الجمال كانوا ينتقون صغار الإبل من أحضان أمهاتهم ، لحرمانهم من ألبانها ، التي يتخذونها سلعة مربحة، وينحرون الصغار عند أسفل الرقبة في قسوة بالغة تقطع الشريان الرئيسي للدم ، فتنفجر الدماء لتصبغ الساحة باللون الأحمر. ثم يسلخون جلودهم بمهارة، و يفصلون الرأس والأرجل على حدة، ويقطعون أبدانهم لقطع صغيرة مبتدئين بتقسيم كل جثة إلى أربعة أجزاء متساوية أولا، ويتم ذلك أمام أعين أمهاتهم من النوق و بعض الأباء أحيانا.

عندها صاح الجمل..نعر و جعر بصوت كالجعجعة ،أخذ ينخر و يكرر الصياح المتوالي بشدة، يهز جمجمته القبيحة في كل الاتجاهات و يتقافز في نفس الوقت، ناثرا زبده في أعين الحارس المنذهل المرتبك وبعض المارة أيضا، انهارت جدران القفص، وبرطع الجمل فارا بين دهاليز الحديقة، يلاحقه أمين خزينتها ومعاونه عامل شباك التذاكر، وانتحر الضبع في القفص المجاور من الرعب، توقف الزوار وعمال الحديقة والمارة في الشوارع الخلفية، وتشققت بعض البيوت المجاورة و انهارت عمارتان شاهقتان انهيارا تاما ، أما الحارس فقد انطلق مذعورا إلى الباب الرئيسي دون أن يتذكر أنه مدين لي بثمن السهرة.
........
لقد خدعتني لوحة معلقة على قفص محكم فاندفعت لأدخل رهانا خاسرا منذ البداية ، كما شاءوا لي بالضبط .
........
" سادتي الفلاسفة، إن حتمية قيام التنوير تصبح قائمة عندما نشعر بالحاجة إليه، بينما نحن نعتقد بحاجة العالم غير المسلم كله إلينا، لننقله مما هو فيه من ظلمات إلى نورنا. إن البداية تكون عندما نقتنع أن ما بأيدينا ليس شيئا ذا بال، بل هو شيء بالت عليه كل القرون اللواحق..سيد القمني"
........



الفكرة مقتبسة بتصرف شديد ، أما القفص وموقعه والحيوان وتصرفه ، فغير مقتبسان.
.........
* البعر مخلفات الإبل.
09-19-2008, 12:38 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
صوت النفير و صوت البعير - بواسطة فخري الليبي - 09-19-2008, 12:38 AM
صوت النفير و صوت البعير - بواسطة coco - 09-20-2008, 08:54 AM,
صوت النفير و صوت البعير - بواسطة coco - 09-21-2008, 02:02 AM,
صوت النفير و صوت البعير - بواسطة coco - 10-02-2008, 12:56 PM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS