خالد عويس

اتسم رد الفعل السوري على جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري بقدر من الجمود وقصر النظر السياسي علاوة على البطء فيما يتعلق بادارة الأزمات. ويبدو واضحا أن أزمة اغتيال الحريري في ظل الملابسات اللبنانية الراهنة، والضغوط الدولية الرهيبة على سوريا ولبنان، تمثل منعطفا خطيرا بالنسبة لدمشق ولعلاقتها المتشعبة ببيروت.

لكن السوريين لم يولوا الأمر عنايتهم الكافية، ولم ينظروا لتبعات الحادث واستحقاقاته الضخمة بشكل جدي. وغابت الدينامية السياسية التي كان مطلوبا توفرها في مثل هذه الظروف لجهة أن تؤكد سوريا حضورها إلى جانب حليفتها غير العادية لبنان، وتشرع في امتصاص الاحتقان الداخلي الذي أفضى لتهيئة الظروف لهذا الحادث الرهيب.

وكان لزاما على سوريا أن تأخذ بالاعتبار المياه الغزيرة التي تمر تحت الجسور اللبنانية السورية في هذه الفترة. وكان عليها أن تحسب حساب التأزم على الصعيد الدولي والحبل الذي تلفه بعض القوى الدولية تدريجيا حول عنقها.

فبخلاف الزيارة التي قام بها نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام إلى بيروت، وتصريحات مقتضبة للغاية من قبل الرئيس بشار الأسد نقلت عن طريق وكالة الأنباء السورية، وأخرى من وزير الخارجية فاروق الشرع، لم تكترث دوائر صناعة القرار، ولا المعنيون بالاعلام السوري بتأكيد مواكبة سوريا هذا الزلزال الكبير الذي هز المنطقة.

سوريا لم تعلن الحداد الرسمي على الحريري، الصديق والحليف الذي مهد طريق التسوية اللبنانية في الطائف بشراكة سورية، كما أن التلفزيون السوري لم يعن بتغطية مراسم التشييع، ولم يأبه كثيرا لتغطية الحدث بحد ذاته، الأمر الذي يشكل طعنة في صميم المشاعر اللبنانية المتأججة.

ولم تتوجه قيادات سياسية وشعبية سورية إلى بيروت لتقديم التعازي لأسرة الحريري، وكان أليق بالسوريين أكثر من سواهم تشكيل حضور لافت في بيروت هذه الأيام، كما أن المحللين لاحظوا قدرا من "البرود" السوري تجاه الحدث بأكمله لدرجة أن اسم الحريري لم يجر على لسان وزير الخارجية السوري حين سأله الصحفيون عن اغتيال الرجل.

كان على السوريين أن يكونوا أكثر حضورا من غيرهم على مسرح الأحداث في بيروت، وكان عليهم كذلك أن يقبلوا بنوع من الشراكة الدولية لكشف ملابسات الحادثة.وليس بالضرورة أن تتبنى دمشق وجهتي النظر الفرنسية والأمريكية حيال لجنة تحقيق دولية، لكن كان بمقدورها الدفع باتجاه قبول بيروت باكرا بالاستعانة بخبراء دوليين.

ويبدو أن المسؤولين السوريين لم ينتبهوا أيضا إلى اعلان السلطات اللبنانية ملاحقتها لستة أصوليين هربوا إلى أستراليا، فهذا الاعلان يشي بأن السوريين وافقوا على توجيه الاتهام للأصولية الإسلامية بحسبان الارتباط الواضح بين دمشق وبيروت، وهو ما سيكلف غاليا أيضا لأنه يخرج إسرائيل بالضرورة من دائرة الاتهام ليبقي فيها طرفا واحدا على الأرجح هو سوريا ذاتها!! فدمشق - بنظر أقطاب الأسرة الدولية- راعية لعدد من الجماعات التي ينظر إليها الأمريكيون وبعض الأوربيين كجماعات أصولية متطرفة في فلسطين ولبنان والعراق.

وتبقى الأسئلة المطروحة حاليا من قبيل نقد الذهنية السياسية التي كانت وراء "الجمود" السوري في إبداء القدر المعقول من ردة الفعل على اغتيال الحريري، و"الفتور" الذي اعترى حراك دمشق حيال الموضوع برمته.

لن يسارع محلل يتحلى بأقل قدر من الموضوعية باتهام سوريا أو غيرها من الأطراف إلى أن تظهر نتائج التحقيق، لكن أي محلل بمقدوره تلمس الأخطاء السورية الواضحة حيال التحرك الذي كان مطلوبا بعد اغتيال الحريري.

ودلت المظاهر الشعبية التي رافقت تشييع الحريري، والسقوف العالية التي باتت تظلل مطالب المعارضة اللبنانية علاوة على حوادث الاعتداء المتفرقة التي تعرض لها سوريون في لبنان على نقمة غالبية اللبنانيين على سوريا.

وكل هذه المظاهر ليست مستغربة في ظل استنكاف القيادة السورية واعلامها عن التفاعل سياسيا و"عاطفيا" مع الحدث بالقدر المطلوب. ويقيني أن القوات السورية لو قدر لها أن تلملم أطرافها وتخرج من لبنان، فإن اللبنانيين سيشيعونها باللعنات جراء أخطاء القيادة السورية بحق لبنان خصوصا هذه الأيام.

ولو تعاملت سوريا بحس سياسي واعلامي مختلف لكفت نفسها مؤونة الأثمان الباهظة التي تدفعها حاليا، والتي تدل على أن تأزم علاقاتها مع بعض القوى الدولية مرشح لأن يدخل مرحلة جديدة هذا إن لم يكن قد حدث بالفعل