{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
11 دقيقة " رائعة باولو أكويليو "
اميريشو غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,269
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #11
11 دقيقة " رائعة باولو أكويليو "
بعدما فرغت ماريا من كتابة هذه الكلمات بوقت قصير , توجهت الى الحانة . وفيما كانت تتهيأ لقضاء سهرة جديدة تؤدى فيها دور " الأم الحنون " أو " الفتاة الصغيرة الساذجة " فَتح باب " كوباكابانا " ودخل تيرنس .

بدأ ميلان خلف البار مرتاحآ , لم تخيبه الفتاة فى المرة السابقة اذن . حين رأت ماريا تيرنس تذكرت حالا هذه الكلمات التى تعنى الكثير والتى بقى معناها بالنسبة اليها غامضاً , " الألم " العذاب والكثير من اللذة .

- اتيت من لندن خصيصاً لرؤيتك . فكرت فيك كثيرآ .

ابتسمت محاولة ألا تكون ابتسامتها مشجعة . هذه المرة أيضا , لم يكن وفيآ للطقوس , ولم يدغها لتناول كأس ولا للرقص , بل جلس بكل بساطة .

- عندما يحث الأستاذ تلميذه على اكتشاف أمر ما , يجد أنه يشارك التلميذ آيضا فى هذا الأكتشاف .

أجابت ماريا :

- أعرف ماذا تقصد .

كانت ماريا تفكر فى رالف وتشعر أن التفكير فيه يغيظها , فيما هى تواجه أحد الزبائن , وينبغى لها أحترامه وفعل كل ما بوسعها لأرضائه .

- هل تريدين الذهاب أبعد من المرة السابقة ؟

فكرت ماريا , ألف فرنك , عالم مستتر يدعوها لأكتشافه , صاحب الحانة ينظر اليها , تستطيع التوقف فى عملها ساعة تشاء , التاريخ المحدد للعودة الى البرازيل , رجل فى حياتها ولا يعلن عن مبادرة نحوها ...

سالت ماريا :

- هل أنت على عجلة من أمرك ؟

أجاب نفسا . لكن ماذا تريد هذه الفتاة ؟
- اريد أن أشرب كوب العصير , وأنهى رقصتى, وأبدى احتراما لطقوس مهنتى . بدا مترددا قليلا . لكن أن يهيمن الأنسان أو أن يهيمن عليه , الا يشكلان كلاهما جزءا من التمثيلية ؟ سدد تيرنس الحساب , رقصا ثم نادى سائق تاكسى . أنقذها الألف فرنك , وهما يجتازان المدينة . نزلا فى الفندق نفسه كما فى المرة السابقة , وحيا تيرنس الحارس الأيطالى , كما فى ذلك حين تعارفا , ثم دخلا الغرفة نفسها التى تطل على النهر .

أشعل تيرنس عود ثقاب ,وعندئذ لاحظت ماريا أن شموعا لا تحصى تملأ الغرفة .

قال تيرنس , وهو يضئ الشموع :

- ماذا تريدين أن تعرفى ؟ لماذا أنا هكذا ؟ لماذا , أن لم أكن مخطئا , أعجبتك السهرة التى قضيناها معآ حتى الجنون ؟ هل تريدين أن تعرفى لماذا أنت أيضا هكذا ؟

- هناك عادة شائعة فى البرازيل تقول بأنه لا ينبغى أضاءة أكثر من ثلاث شمعات بعود الثقاب نفسه . أنت لا تعمل بحسب هذه العادة .

تجاهل تيرنس الملاحظة .

- أنت مثلى . لا تأتين الى هنا من أجل الألف فرنك بل لأن لديك شعورا بالذنب مثلى وبالتبعية وفقدان الثقة بالنفس , ولأن لديك عقدآ كثيرة . وهذا ليس سيئا ولا جيدآ , هذه هى الطبيعة البشرية .

أمسك بيده ألة التحكم عن بعد , وأدار جهاز التلفزيون وبذل بضع محطات ثم توقف عند محطة تبث نشرة أخبار وتعرض صورآ لبعض اللأجئين الهاربين .

- هل ترين هذه الصور ؟ هل سبق لك أن رأيت البرامج التى يعرض فيها الناس مشكلاتهم الشخصية أمام الجميع ؟ هل ذهبت مرة الى كشك الصحف وقرأت العناوين الكبرى ؟ الجميع يغتبطون لمشاهد الألم والعذاب . ننظر اليها بروح السادية . نحن مازوشيوس فقط عندما نستنتج أننا لا نحتاج الى معرفة كل هذا الألم لتكون سعداء . ومع ذلك , نشاهد مأساة غيرنا بتلذذ , واحيانا نتعذب أثر ذلك .


سكب كأسين من الشمبانيا . أطفا جهاز التلفزيون , واستأنف اضاءة الشموع دون أن يحفل بالمعتقد الذى حدثته عنه ماريا .

- أعود وأكرر , انه الشرط الأنسانى , مد أن طردنا من الجنة , تتآلم أو نجعل الأخرين يتألمون . نراقب عذاب الأخرين ولا نستطيع أن نفعل شيئا .

سمعا الرعود تقصف . يبدو أن هناك عاصفة هوجاء تقترب .

قالت ماريا :

- لا أقوى على أحتمال ذلك . يبدو لى مضحكآ ان أفكر أنك سيدى وأننى عبدتك . لا نحتاج لأى مسرج لنعرف معنى العذاب . فالحياة نفسها تمنحنا فرصا لا تحصى للتعرف اليه .

أضيئت جميع الشموع . أخذ تيرنس شمعة ووضعها فى وسط الطاولة . سكب من جديد الشمبانيا وقدمها مع الكافيار . احتست ماريا كأسها , وهى تفكر فى الألف فرنك فى محفظة يدها , فى المجهول الذى ينتظرها , وهو يسحرها ويخفيها فى الوقت نفسه . لن تسنح لها فرصة أفضل للتغلب على مخاوفها . لن تكون السهرة مع هذا الرجل شبيهة بسابقاتها , ولن تتمكن من أخضاعه .

- اجلسى .
قالها بنبرة امتزجت فيها عذوبة الكلام بقسوته . اذعنت ماريا لطلبه . وعندئذ , سرت فى أوصالها موجة من الحرارة . كانت تألف هذا الأمر , وأحست انها أكثر أطمئنانا "أنه المسرح , يجب أن أدخل فى اللعبة " .

كانت تشعر بالأرتياح عندما يتوجه اليه بصيغة الأمر . يجب الاتفكر , أن تطيع فقط . طلبت المزيد من الشمبانيا , لكنه أحضر زجاجة فودكا , والفودكا يسرى مفعولها بسرعة أكبر , وتحرر بسهولة ما هو مكبوت وتتلاءم اكثر مع الكافيار .

فض خاتم الزجاجة . شرب ماريا وحدها فى الحقيقة . كان الرعد يقصف باستمرار , وكل شئ يساهم فى تهيئة الجو الملائم وكأن السموات والأرض أبتا الا أن تضفيا على جو اللقاء طابع العنف الذى نختزه فى حناياها .

أخرج تيرنس من الخزانة صندوقآ صغيرى ووضعه على السرير .

- لا تتحركى !

أطاعت ماريا . فتح الصندوق , واخرج منه زوجين من الأصفاد المعدنية الملبسة بالكروم .

- اجلسى منفرجة الساقين .

أطاعت وهى متلذذة بعجزها , خاضعة لأنه يشتهيها , رأته ينظر بين ساقيها : يستطيع أن يرى سروالها الاسود وجواربهاه وفخذيها , ويراقب شعيرات عانتها وعضوها .

- قفى !
قفزت عن الكرسى فوجدت صعوبة فى الأبقاء على توازن جسدها , وعرفت أنها كانت ثملة أكثر مما تصورت .
- لا تنظر الى . أبقى رأسك منخفضا احتراما لسيدك .

قبل أن تنفذ الأوامر , لمحت سوطآ رفيعآ يخرج من الصندوق ويهتز فى الهواء مطلقآ , كأن روحآ تسكن فى داخله .

تجرعت كأسا وكأسين وثلاثة من الفودكا . لم يعد هذا مسرحآ بل وقاعآ ماثلا أمامها , وهذا فوق طاقتها . أحسنت أنها مجرد شئ أداة بسيطة , وأن هذا الخضوع منحها الشعور بالحرية الكاملة , أنه أمر لا يصدق . لم تعد العشيقة , لم تعد المرأة التى تعلم وتؤاسى وتستمع الى الأعترافات وتثير الشهوة . لم تكن الا فتاة برازيلية من الريف أمام السلطة المطلقة للرجل .

- اخلعى ملابسك .

كان هذا أمرآ جافا لا رغبة فيه , ومع ذلك هو ايروتيكى الى أبعد حد . أبقت رأسها منخفضآ بأستمرار كعلامة على الأحترام والخضوع اللامتناهى . خلعت فستانها فانزلق حتى لامس الأرض .

- أرايت أنك تتصرفين بشكل سيئ ؟

ومن جديد اهتز السوط مصفقآ .

- عليك أن تعاقبى . كيف تجرؤ فتاة فى مثل سنك على معارضتى عليك أن تركعى أمامى !

تهيأت للركوع , لكن السوط منعها من ذلك وأخذت الضربات تنهال على جسدها وعلى مؤخرتها , تشعرها بالحريق لكنها تترك أثرآ على جسدها .

- لم أقل لك أن تركعى ...هل قلت ذلك ؟
- لا !

وانهال السوط من جديد على مؤخرتها .

- قولى لا سيدى .

ومن جديد الضربات . ومن جديد الحريق . لثانية أو اقل . فكرت أنها قادرة على أنهاء كل شئ حالا , وقادرة أيضآ كل شئ حالا , وقادرة على أيضآ على الذهاب حتى النهاية , ليس من أجل المال , بل بسبب ما قاله تيرنس فى المرة السابقة , لا يعرف الكائن البشرى نفسه حقآ الا حين يبلغ حدوده القصوى .

نت هذه ما تسمى " المغامرة " . فى هذه اللحظة , لم تعد ماريا الفتاة الشابة التى تصبو التى تحقيق أهدافها فى الحياة , التى تكسب المال من جسدها , التى تعرفت الى رجل يحكى لها قصصآ مثيرة أمام مدفأة . كانت لا أحد , وهذا أقصى ما حلمت به , أن تكون لا أحد .

- اخلعى ملابسك , وامشى امامى لأستطيع أن أراك مليآ .

أطاعت منخفضة الرأس دون أن تنبس بكلمة . كان الرجل يتفحصها باعصاب باردة , وهو لا يزال مرتديآ نيابه . لم يعد الكائن الذى التقته فى الحانة الليلية . كان أوليس( * ) لأنى من لندن , أو تيزيوس ( * ) النازل من السماء , الخطاف الذى يجتاح المدينة الأكثر أمانآ فى العالم , والقلب الأكثر قسوة وتوحشآ على وجه الأرض , خلعت " كيلوتها وسوتيانها " . وأحست أنها محمية وان كانت لا تمتلك وسيلة للدفاع عن نفسها . كان السوط يصفق فى الهواء دون أن يبلغ جسدها .

- أحتفظى برأسك منخفضآ ! انت هنا لكى تذلى وتخضعى لكل رغباتى , مفهوم ؟

- أجل سيدى .

أمسك معصميها وغلهما بالأصفاد .
- سترين العقاب الذى سأنزله بك ! الى أن تعرف كيف تتصرفين بطريقة لائقة .
وبيده المبسوطة صفعها على مؤخرتها .
هذه المرة صارخت ماريا , لأنها شعرت فعلا بالألم .
- تعترضين , أليس كذلك ؟ حسنآ , سترين ما سأفعله بك .

وقبل أن تأتى بحركة , جاء بكمامة جلدية وأطبق على فمها . لم يمنعها من الكلام تمامآ . كان لا يزال بأمكانها أن تقول " أصفر " , " أحمر " . لكن هذه الكمامة تسمح لهذا الرجل بأن يفعل بها ما يشاء , ولم تكن هناك وسيلة للهروب . كانت عارية , مكممة , مغلولة اليدين , والفودكا تسرى فى شرايينها ممزوجة بدمائها .

ضربة جديدة على المؤخرة .

- اذرعى الغرفة من جهة الى جهة !

أخذت ماريا تمشى وهى تطيع الأوامر التى يوجهها لها " توقفى " , " أستديرى يمنيآ " , " أجلسى " , " افرجى ساقيك " . من وقت لأخر , ومن دون سبب , كانت تتلقى ضربة , وتشعر بالألم , وبأنها فى عالم اخر حيث أختفى كل شئ من حولها . كان هذا شعورآ شبه دينى , الأنحناء المطلق , الطاعة , فقدان الأحساس بالأنا والرغبة والأرادة . كان العرق يتصبب من جسدها , وكانت تشعر أنها مهتاجة من جديد , ولا تفهم ماذا يدور حولها ...

- اركعى من جديد .
بما أنها ظلت منخفضة الرأس دليلا على الطاعة والتواضع , لم تكن ماريا قادرة على رؤية ما يحدث بالضبط . كل ما استطاعت معرفته انها كانت فى عالم أخر وفى كوكب أخر , وأن هذا الرجل يلهث وراءها تعبا من الضرب بالسوط ووضربها على المؤخرة , فيما كانت تشعر انها تزداد قوة , وأنها مفعمة بالطاقة والحيوية . الان , لم تعد تشعر بالعار ولا بالانزعاج , من أن تظهر أن اللعبة أعجبتها . أخذت تتأؤه وتطلب اليه أن يلمس عضوها , لكن الرجل بدل أن يستجيب لطبها , أمسكها ورما ها على السرير .

رماها بعنف , لكن ليس ذلك العنف الذى يسبب ألمآ , وأبعد ساقيها وأوثقهما الى جهتى السرير . كانت يداها مغلولتين بالأصفاد وموضوعتين وراء ظهرها وساقاها مبعدتين موثقتين , والكمامة فوق فمها . متى سيلجها ؟ ألا يرى أنها مستعدة وانها تريد أن تطيعه ,’ ان تكون عبدة له , كلبآ او شيئأ يمتلكه , وانها ستفعل ما يريد , كل ما يريد .

- هل ترغبين فى أن أجعلك تتمتعين ؟

وضع مقبض السوط على عضوها ومرره من أسفل الى أعلى . وفى اللحظة التى لامس فيها بظرها , فقدت كل سيطرة . لم تعد تعرف كم من الوقت فضيا هنا , ولا كم من المرات ضربها . وفجأة كانت هذه هى النشوة , النشوة التى لم يستطع عشرات , لا بل مئات الرجال أيقاظها طوال هذه الأشهر . كان هناك ضوء ينفجر فى داخلها , وشعرت ماريا انها تلج فجوة سوداء فى أعمق أعماق روحها , حيث الألم والخوف يمتزجان باللذة المطلقة , ويحملانها بعيدآ أبعد من كل الحدود التى عرفتها . كانت تتأوه وتطلف صرخة مخنوقة بسبب الكمامة وتنتفض فوق السرير وتشعر أن الأصفاد تدمى معصميها , وأن السير المقدود من جلد يجرح قدميها . كانت تنتفض وتتحرك كما لم تتحرك من قبل , بالضبط لأن لديها كمامة على فمها , ولأن أحدآ لا يستطيع سماعها . كان هذا هو الألم واللذة معى , ومقبض السوط يضغط على بظرها باطراد .
وتدفقت النشوة من كل كيانها , من فمها وعضوها وعينيها وجميع مسام جلدها ....

دخلت حالة من الرعدة . عندما خرجت منها تدريجيآ , كان السوط أختفى من بين ساقيها وشعرها مبللا , والعرق يتصبب من مسامها . انتزعت يدان ناعمتان الأصفاد , وحررت قدميها من السير الجلدى .

بقيت هناك ممددة , مشوسة الذهن , غير قادرة على النظر الى الرجل لأنها كانت تخجل من نفسها , من صرخاتها ومن نشوتها , داعب شعرها وكان يلهث هو أيضاً , لكن اللذة كانت حصرآ من أجلها . لم يشعر هو بأى نشوة .

كان جسدها العارى يلتصق بهذا الرجل الذى لا يزال فى كامل ثيابه , المرهق لفرط ما أصدر من الأوامر واطلق من الصرخات , وجهد نفسه للسيطرة على الوضع الأن . لم تعد تعرف ما ينبغى لها أن تقوله أو تفعله , لكنها شعرت أنها فى أمان , دعاها الرجل لكى يساعدها على بلوغ جانب خفى لم تعرفه فيها . كان حاميها وسيدها .

أخذت تبكى , وانتظر بصبر وأناة الى ان هدأت .

وقالت وهى تذرف دموعها , ماذا فعلت بى ؟

- ما أردت أن افعله .

نظرت اليه وشعرت أنها محتاجة اليه حتى حدود اليأس .

- لم أرغمك على شئ , ولم أجبرك ولم أسمعك تقولين " اصفر " . كانت القدرة التى تحركنى نابعة من القدرة التى منحتنى أياها انت . لم يكن هناك ضغط ولا ابتزاز , انها استجابة لرغبتك . حتى لو كنت العبدة وكنت أنا السيد , كنت أدفعك لتبلغى حريتك أنت بالذات .

رات الأصفاد والقدر الجلدية التى وضعت فى القدمين . لا , كانت الاهانة اقوى وأكثر حدة من الألم . ومع ذلك , كان تيرنس على حق لانها تشعر انها حرة تمامآ , وأنها مفعمة بالطاقة والحيوية . لكنها فؤجئت حين رأت أن الرجل قربها كان منهكآ .

- هل تمتعت ؟
- لا . السيد هنا ليرغم العبد ويخضعه . لذة العبد فرحة السيد .

لم يعد لكل ذلك معنى . كان هذا عالمآ من الفانتا سمات التى لم تكن موجودة فى الكتب ولا علاقة لها بالحياة الواقعية . كانت ماريا مفعمة بالضوء فيما بدا الرجل ضعيفآ مفرغاً .

-بامكانك الرحيل ساعة ما تشائين .
- لا اريد الرحيل . اريد أن افهم .

نهضت بكامل عريها البهى , وسكبت كأسين من النبيذ . ثم أشعلت سيجارتين , أعطته واحدة واحتفظت لنفسها بالأخرى . كان الأدوار مقلوبة : السيدة تخدم العبد , وتكافئه على اللذة التى منحها أياه .

- سأرتدى ثيابى ثم أرحل . لكن قبل أن أفعل ذلك أريد أن نتكلم قليلا .
- ليس هناك ما يقال . هذه كانت رغبتك وكنت رائعة . أنا متعب وعلى الذهاب غدآ الى لندن .

تمدد وأغمض عينيه . لم تكن ماريا تعرف اذا كان يتظاهر بالنوم أم لا , لكن لا بأس فى ذلك . دخنت سيجارتها بلذة , وأحتست ببطء كأس النبيذ أمام النافذة ووجهها ملتصق بالزجاج , تراقب البحيرة وترغب فى أن يراها أحد هكذا , عارية , مفعمة , مشبعة , واثقة بنفسها .

ارتدت ثيابها , وخرجت دون أن تودعه , ودون ان تدعوه ليفتح الباب بنفسه . لم تعد لهذه العادة أهمية , وهى ليس أكيدة انها ترغب فى العودة .

سمع تيرنس الباب يغلق . انتظر لبضع دقائق ليرى ما اذا كانت ماريا يترجع مختلقة ذريعة ما , ثم نهض وأشعل سيجارة .

أخذ يفكر بأن هذه الفتاة تملك أسلوبآ خاصآ بها . تحملت السوط وهو اسلوب التعذيب الأكثر شيوعآ والأقدم والاقل ايلامآ . تذكر حين قام لأول مرة بأختبار هذه العلاقة الغامضة بين كائنين يرغبان فى الاقتراب أحدهما من الأخر , لكنهما لا يتوصلان الى ذلك الا اذا أخضعنا أحدهما للأخر للتعذيب بالتناوب .

فى الخارج , كان هناك الملايين من البشر الذين يمارسون كل يوم , وعلى غير علم منهم , فن المازوشية السادية , يتلذذون بتعذيب أنفسه وتعذيب الأخرين . يذهبون الى العمل ويعودون الى بيوتهم متذمرين من كل شئ . الرجل يعتدى على المرأة , والمرأة تعتدى على الرجل . ويشعر الجميع بأنهم تعساء , لكنههم يتلذذون بتعاستهم , يلتصقون بها بطريق لا تنفصم عرها , لكنهم لا يدركون أنه يكفى أن يقوموا بحركة أو عبارة ليتحرزوا من الأضطهاد . عرف تيرنس ذلك مع زوجته , وهى مغنية أنكليزية شهيرة . عرف عذاب الغيرى التى أزقته . كان يتشاجر مع زوجته طوال الوقت , ويقضى نهاراته تحت تأثير المهدئات , وليالية ثملا يعاقر الخمرة . كانت زوجته تحبه ولا تفهم تصرفاته . وكان يحبها ولا يفهم معنى تصرف بالذات . لكن بدا الامر وكأن الألام التى ينزلها أحدهما بالأخر ضرورية لأستمرار علاقتهما , وجوهرية فى حياتهما معآ .

ذات يوم , نسى أحد المؤلفين الموسيقيين , وهو رجل كان يبدو لتيرنس طبيعيآ للغاية أكثر مما يمكن أن يكونه فنان , نسى كتابا فى الأستوديو " فينوس المرتدية الفرو " وكاتبه يدعى ليوبولد فون ساخر – مازوخ . تصفح تيرنس الكتاب , وكلما تقدم فى قراءته , فهم ذاته بشكل أفضل .

" خلعت المرأة الجميلة ملابسها , وأمسكت سوطآ طويلا له مقبض صغير ولفته حول معصمها , قالت لعشيقها " طلبت الى أن أجلدك , وهذا ما سأفعله " . فهمس عشيقها قائلا " أجلدينى , أتوسل اليك " .

كانت زوجة تيرنس فى الجهة الأخرى من الحاجز الزجاجى فى الأستوديو , منصرفة تمامآ للتمرن على الغناء من أجل الحفلة المقبلة .
طلبت من التقنيين أن يقطعوا الميرفون الذى يسمح بسماع كل شئ , ونفذات أوامرها . اعتقد بيرنس أنها فعلت ذلك لتضرب موعدا مع عازف البيانو دون ا، يسمعها احد . ثم انتبه لتصرفه وشكوكه المريرة بسبب الغيرة المجنونة التى تثيرها فيه زوجته , لكنه كان قد اعتاد العذاب , ولم يعد يستطيع العيش من دونه .

تذكر كلام المرأة فى الرواية التى كانت بي يديه , عندما خلعت ملابسها وقالت " سأجلدك " . فأجابها العشيق " أجلدينى , أتوسل اليك " .

كان تيرنس رجلا جميلا ويتمتع بنفوذ كبير فى مؤسسة اسطواناته , فما حاجته اذن ليعيش حياة كهذه ؟

لكنه يحب العذاب , ويستحقه , لأن الحياة كريمة معه , ولم يكن جدير آ بكل هذه النغم , من مال واحرتام وشهرة . وقد وصل فى مهنته الى مستوى رفيع , ويشعر أن كل شئ متوقف على أحراز النجاح المتواصل . وهذا ما كان يقلقه أيضا , لا،ه سبق له أن رأى ناسآ كثيرين فى قمة الشهرة يسقطون من عليائهم .

قرأ الكتاب حتى أخر جملة , ثم أخذ يتوسع فى أبحاثه ويقرأ كل ما يتصل بالعلاقة الغامضة التى تربط الألم باللذة . عثرت زوجته على أفلام الفيديو التى أستأجرها , والكتب التى خبأها , وسألته ما معنى هذا كل , وهل كان مريضاً . أكد تيرنس لها أنها أبحاث تقوم بها وتساعده فى انجاز عمل جديد . واقترح عليها دون أن يبدو عليه أدنى أهتمام " لن نخسر شيئا اذا حاولنا " .

حاولا , بخجل كبير فى البداية , ملتجئين فقط الى الكتب الوجيزة الموجودة فى متجر الخلاعيات . ثم أخذا يطوران تقنياتهما شيئا فشيئى , وتوصلا الى بلوغ حدود خطرة فى المسألة , لكنهما كانا يشعران ان زواجهما يزداد متأنة , وانهما شريكان فى سر محزن وملعون .

توسعا فى تجربتهما لتشمل فنونآ أخرى , أطلقآ موضة جديدة , ملابس جلدية مكبسة بالمسامير الحديدية . كانت زوجته ترتدى جزمة جلدية وتحمل رباط الجوارب . وتدخل حلبة المسرح وفى يدها السوط فتفتن الجمهور حتى الهذيان . احتلت اسطوانتها الجديدة المرتبة الأولى فى " الهيت – باراد , بانكلترا " وأحرزت نجاحآ منقطع النظير فى جميع انحاء أوروبا . فوجئ تيرنس بردود فعل الشباب , واكتشف انهم يتقبلون بسهولة غير متوقعة شطحاته الشخصية .

بد له أن العنف الذى يكبتونه فى داخلهم كان يعبر عن نفسه بهذه الطريقة , بحدة , ولكن لا تصل الى الى حدود الأذى والخطورة .

اصبح السوط رمز الفريق . وطبع على الأقمصة , وجرى استخدامه فى الوشوم والملصقات الصغيرة وبطاقات البريد . كان تيرنس يمتاز بنشأة ثقافية وفكرية مختلفة , مما دفعه الى التعمق فى هذه المسألة بأطراد , وذلك بهدف أن يفهم نفسه أكثر .

وبخلاف ما قاله للعاهرة , لم يكن لذلك علاقة بالنادمين على خطاياهم , طالبى المغفرة الذى أرادوا التضحية وتعذيب أنفسهم فى سبيل أبعاد الطاعون الأسود . منذ أول الازمنة والأنسان يعرف أن ترويض الألم هو جواز المرور الى الحرية .

كان هناك أعتقاد سائد فى مصر وروما وبلاد فارس , فحواه أن الأنسان يجب أن يضحى بنفسه من أجل انقاذ بلاده ولعالم . وكان أمبراطور الصين , ما ان تحدث كارثة طبيعية , حتى يعاقب لأن يمثل الألوهية على الأرض . وكان المحاربون الأشداء والأكثر بسالة فى أسبارطة واليونان القديمة يجلدون مرة فى السنة , من الصباح حتى المساء , أكراما للالهة أرتيميس , فيما كانت الحشود المجمعة تشجعهم بهتافاتها وصرخاتها على تحمل الألم بكرامة , لأن هذا الألم يعدهم بشكل أفضل لمواجهة الحروب الأتية . وعند أنتهاء النهار , كان الكهنة يتفحصون الأثار التى تركتها الجراح على ظهورهم , ويقرأون فى خطوطها مستقبل المدينة .

كان " آباء الصحراء " وهم ينتمون الى رهبنة قديمة فى القرن الرابع عشر يقع ديرها فى منطقة قريبة من الأسكندرية , يلجأون الى جلد أنفسهم , لكى يدحروا الشياطين , أو يبرهنوا تفوق الروح على الجسد فى السعى الروحى . كما ان تاريخ القديسين حافل بالأمثلة على ذلك . كانت القديسة روز تركض فى حقل من الشوك والقديس دومينيك لوريكاتوس يجلد نفسه كل مساء قبل النوم . وكان الشهداء يستسلمون طوعآ للموت البطئ على خشبة الصليب أو للحيوانات المفترسة كى تلتهمهم . كانوا جميعآ على يقين بأن تجاوز الألم يقودهم الى حالة الأنخطاف والنشوة الروحية .

ثمة دراسات راهنة غير مثبتة علميآ , تؤكد أن نوعا من الفطر , ذى المزايا المسببة للهلوسة ينمو على الجراح , ويثير بالتالى الرؤى .
وكانت اللذة التى يتركها تعذيب النفس عارمة لدرجة أن هذه الممارسة لم تقتصر فقط على الأديرة , بل تعدتها لتنتشر فى العالم أجمع .

فى العالم 1718 , صدر كتاب عنوانه " مبحث فى جلد الذات " , وهو يتحدث عن كيفية اكتشاف اللذة عبر الألم , دون باذى جسدى . وفى نهاية القرن الثامن عشر , كانت هناك أمكنة كثيرة . فى جميع أنحاء أوروبا يتردد اليها الناس , سعيآ وراء اكتشاف المتعة عبر الألم . ووفقآ لأرشيفات , فقد ظهرت لدى بعض الملوك والملكات عادة تقضى بجعل خدامهم يصربونهم . ثم اكتشفوا انه يمكن أن نشعر باللذة ليس فقط من خلال تلقى الألم بل من خلال ممارسته على الأخريين , مع ان تلك الممارسة كانت اكثر ارهاقا واقل توفيرآ للمتعة .

كانت تيرنس يدخن سيجارته وهو يشعر برضى لدى تفكيره ان الجزء الأكبر من البشرية كان عاجزى عن فهم أفكاره . وهذا أفضل , لانه بذلك يستطيع أن يكون فخورآ بانتمائه الى ناد مغلق لا يمكن الا للنخبة وحدها دخوله . تذكر كيف أن عذابه فى الزواج تحول الى انبهاء دائم . كانت زوجته تعرف الهدف من زياراته الى جنيف , ولم تكن منزعجة , بل على العكس كانت سعيدة
بأن يحصل زوجها , فى هذا العالم المريض , على المكأفاة المرجؤة بعد أسبوع من العمل المضنى .

فكر ان الفتاة التى خرجت لتوها من غرفته قد فهمت كل شئ , وان ورحيهما متقاربان . شعر بحضورها الطاغى , رغم أنه ليس مستعدى للوقوع فى الحب لأنه مغرم بزوجته . لكن راق له التفكير أن يمارس حريته على أكمل وجه وأن يحلم بعلاقة جديدة .

بقيت التجربة الأصعب , أن يجعل " فينوس ذات الفرو " ملكة , سيدة قادرة على أذلاله ومعاقبته دون رحمة . واذا نجحت فى الاختبار , فسيكون جاهزآ ليفتح لها قلبه , ويسمح لها بالدخول اليه .



* * * * *






هذا ما دونته ماريا فى يومياتها وهى لا تزال تحت تأثير الفودكا واللذة :

" عندما لم يعد لدى ما أفقده , نلت كل شئ , عندما توقفت عن أن أكون ما كنته , وجدت نفسى . عندما عرفت الذل والخضوع التام , صرت حرة . لا أعرف أن كنت مريضة , ان كان كل هذا لحمآ أو شيئآ يحدث مرة واحدة . أعرف أننى أستطيع العيش من دونه , لكن أحب أن ألتقيه ثانية , وأعيد التجربة وأمضى ابعد وأبعد فيها .


كنت خائفة قليلا من الألم , الا انه كان أقل قوة من المذلة , لم يكن الا ذريعة . عندما بلغت رعشتى الجنسية الأولى منذ أشهر , وبعد كل هؤلاء الرجال الذين عاشرتهم وكل ما فعلوه بجسدى , أحسست – ويا للعجبا – أننى أقرب الى نفسى . تذكرت ما قاله بخصوص الطاعون الأسود , عندما كان جلادو أنفسهم يمنحون عذاباتهم من أجل خلاص البشرية , ويجدون فيها لذة . لم أكن أريد انقاذ البشرية , ولا هو , ولا نفسى . كنت حاضرو فقط أمام ذاتى وبقوة .

الجنس هو فن السيطرة على فقدان السيطرة .


* * * * *



ليس الأمر مسرحية , كانت ماريا ورالف فى المحطة فعلا بناء على طلب من ماريا التى أرادت الذهاب الى هناك . سمحت لنفسها بهذه النزوة , لا ضير فى ذلك لتناول صنف من بيتزا ! أستعذبت مذاقه . ليت رالف وصل قبل يوم فقط , عندما كانت تشعر أنها أمرأة تسعى الى الحب والرغبة ونار المدفأة والنبيذ ! لكن الحياة قزرت بشكل مختلف وأتخذت مسارا اخر . لم تعد اليوم بحاجة لأن تركز اهتمامها على الأصوات وعلى اللحظة الحاضرة لتنسى العذاب الذى يتسببه الحنين الى رالف . والسبب أن رالف لم يخطر على بالها للحظة واحدة لأكتشافها أشياء أخرى تثير اهتمامها أكثر .

ما العمل اذن مع هذا الرجل الجالس قربها يلتهم البيتزا ؟ لعله لا يحبها وينتظر بفارغ الصبر أن يذهب بها الى بيته ؟ عندما دخل الى " كوباكابانا " ودعاها لتناول كأس , فكرت أن تقول له أن الأمر قد انتهى , وانه يستطيع أن يبحث عن فتاة أخرى . لكنها شعرت برغبة عارمة للتحدث مع أحدهم عن سهرتها السابقة .

حاولت أن تتحدث عن الموضوع مع بعض العاهرات اللواتى كن يعاشرن زبائن غير عاديين , لكن جميعهن غيرن الموضوع . ومن بين كل الرجال الذين تعرفهم , كان رالف هارت الوحيد الذى بامكانه أن يفهمها , لا سيما وأن ميلان كان يصنفه من الزبائن غير العاديين . نظر اليها رالف بعينين تلتمعان شوقآ , وهذا صعب , الامور عليها , ورأت أن من الأفضل عدم التحدث فى ذلك .

- ماذا تعرف عن " الألم والعذاب والكثير من اللذة ؟ .

مرة أخرى , لم تستطع السيطرة على نفسها , وتفوهت بما كانت تريد أن تكلمه قبل قليل .

توقف رالف عن تناول الطعام .

- أعرف كل شئ , وهذا لا يثير اهتمامى .

كان الجواب خاطفآ وكانت ماريا مصدومة . الجميع يعرفون كل شئ عن الموضوع , ما عداها , يا الهى اى عالم هذا الذى أعيش فيه ؟

تابع رالف كلامه :

- صارت شياطينى وظلماتى وذهبت حتى النهاية . اختبرت كل شئ , وليس فقط فى هذا الميدان , بل فى ميادين اخرى كثيرة . ومع ذلك , حين تواجهنا فى المرة السابقة , وجدت حدودى غير اللذة , وليس عبر الألم .

غصت فى أعماق نفسى , وأدركت أننى لا أزال أصبو للحصول على اكبر قدر ممكن من الأشياء الحلوة فى الحياة , وهى كثيرة .

كان رابغآ فى أن يقول لها " وانت أحد هذه الأشياء الجميلة التى أصبو اليها . لذا . أتوسل اليك ألا تسيرى فى هذه الطريق , لكنه لم يملك الشجاعة على قول ذلك . عندما وصلا الى الساحة , نادى سائق تاكسى , وطلب اليه أن يقلهما الى ضفة البحيرة . حيث مشيئا سوية يوم تعارفا للمرة الأولى , وبدا لماريا أن أبدية تفصلها عن ذلك اللقاء .

فؤجئت ماريا بشعورها لكنها حافظت على هدوئها . كانت غريزتها تقول لها ان لا يزال أمامها الكثير لتخسره , رغم ان روحها ما برحت منتشية بما حدث البارحة .

لم تخرج من ذهولها الا عندما وصلا الى ضفة البحيرة . كان الوقت لا يزال صيفآ , لكن الطقس يميل الى البرودة فور حلول الظلام .

سألته عندما نزل من السيارة :

- ماذا نفعل هنا ؟ الهواء بارد , سأصاب بالزكام .
- فكرت بكلماتك كثيرآ , العذاب واللذة , أخلعى حذاءك .

تذكرت أن أجد زبائنها طلب اليها الشئ نفسه , وانه كان مستثارآ فقط لمجرد النظر الى قدميها . ألن تدعها " المغامرة " فى سلام اذن ؟

- سأصاب بالبرد .

اصر رالف على قوله :

- أفعلى ما أقوله لك . لن تصابى بالبرد اذا بقيت وقتآ قصيرآ هنا . ثقى بى كما انا اثق بك .
أدركت ماريا أنه كان يريد مساعدتها . لعل تجربته فى الحياة أوسع بكثير مما عرفته . لعله شرب كثيرآ من مياه بالغة المرارة , وأراد تجنيبها الخطر الذى تعرض له من قبل . لكنها لم تكن ترغب فى أن يساعدها أحد . كانت راضية بعالمها الجديد , حيث العذاب لم يعد مشكلة . ومع ذلك , فكرت فى البرازيل وتخلت عن حلمها فى لقاء شريك تواجه معه عالمآ بهذا الأختلاف . وبما أن البرازيل صارت أهم شئ فى حياتها , فقد خلعت حذاءها . مشت على الأرض المغطاة بحجارة صغيرة فتمزقت جواربها . لا أهمية لذلك , تستطيع أ، تشترى بدلا منها .

- اخلعى سترتك .

بامكانها ان ترفض , لكنها منذ البارحة اعتادت ان تقول بفرح " نعم لكل شئ " . خلعت سترتها , لم يتأثر جسدها بالبرد فى الحال , ولكن تدريجيآ أخذ البرد يزعجها .

- فلنمش ولنتحدث .
- هنا مستحيل , الأرض مكسوة بالحجارة .
- لكن هذا ما أردته بالضبط , أن تتحسسى هذه الحجارة , وأن تسبب لك الألم , وأن تدمى قدميك . جزيت دون شك العذاب المقرون باللذة , كما جربته أنا , واريد أن أنتزع هذا الشعور من روحك .

رغبت ماريا فى أن تقول له , غير مجد ما تفعله لأن الامر لتحبنى . لكنها أخذت تمشى ببطء بسبب البرد والحجارة الحادة الزوايا التى كانت تجرح راحتى قدميها .

- ذهبت الى اليابان لأعرض لوحاتى , حين كنت متورطاً بكليتى فى ما تسميه العذاب , الأهانة والكثير من اللذة . كنت أعتقد أن هذه الطريق لا رجوع منها , وأننى اتوغل فيها أكثر فأكثر , وانه لم يتبق لى من رغبة أخرى فى هذه الحياة سوى أن أعاقب , وأنا أعاقب .

كلنا بشر , وجميعنا يرافقنا الأحساس بالذنب منذ ولادتنا , وتخاف عندما نشعر أن السعادة باتت فى متناول أيدينا . ويداهمنا الموت ونحن لا نزال نرغب فى أن نعاقب الأخرين , لاننا نشعر أننا عاجزون باستمرار , مظلومون , تعساء . أليس تكفير المرء عن خطاياه . وقدرته على معاقبة الخطأة . امرآ لذيذآ ؟ أجل , هذا رائع .

كانت ماريا تمشى , وكان الألم والبرد يفوتان عليها فرصة الأنتباه الذى توليه لكلمات رالف , رغم كل جهودها فى تخطى هذ العذاب .

- اليوم , لاحظت الأثار على معصميك .

يقصد اثار الأصفاد . مع أنها ارتدت عدى أساور لكى تخفيها عن الأنظار . لكن عينى رالف المنتبهتين دوما لا يخفى عليها شئ .

- وأقول لك أخيرآ , انك اذا كنت مقتنعة بأن ما اختبرته مؤخرآ يدفعك للذهاب فى هذه الطريق , فأنا لا أمنعك . لكن أعلمى أن لا علاقة لهذا بالحياة الواقعية ....

- قلت هذه الطريق ؟
- أقصد طريق الألم واللذة . السادية والمازوشسة . سمى ذلك ما شئت . اذا كنت مقتنعة أن هذه هى طريقك , فلن أمنعك , لكنى سأتعذب حين أتذكر أشتهاءك , ولقائى بك , والنزهة على طريق مار يعقوب , و " الضوء " المنبعق منك . سأحتفظ بالقلم الذى اهديتنى اياه فى مكان خاص , وسأذكرك كلما أشعلت النار فى المدفأة . لكنى لن أعود الى رؤيتك ثانية .

أحست ماريا بالخوف , حان الوقت لتتراجع , لتقول الحقيقة وتتوقف عن التظاهر بأنها ملقة أكثر منه فى هذا الموضوع .

- التجربة التى قمت بها مؤخرا – البارحة لكى أكون صريحة معك تماما – لم أقم بها من قبل ..ما يخيفينى أن أجد نفسى على شفير الفساد والأنحلال .

صار الكلام صعباً . كانت أسنانها تصطك وقدماها ترتجفان .

واصل رالف كلامه , وكأنه لا يصغى الى ما تقوله :

- أقمت معرضى فى منطقة تدعى " كومانا " ذات يوم جاء حطاب لزيارة المعرض , لم تعجبه لوحاتى , لكنه أستطاع أن يدرك عبر الرسوم ما كنت أعيشه وأحسه . فى اليوم التالى , جاء لزيارتى فى الفندق , وسالنى اذا كنت سعيدآ . قال لى اذا كنت سعيدآ فعلى أن اواصل السعى بحثى عما أحبه . واذا كنت تعيساً فعلى مرافقته وقضاء بضعة أيام معه . ارغمنى على المشى فوق الحجارة , كما أفعل الان معك , وجعلنى أدرك روعة الألم . لكن الألم الذى احسسته كانت الطبيعة تمارسه على الأنسان ولا يمارسه أنسان على أخر . كان هذا الطقس يدعى " شوغان دو " وهى ممارسة ترقى الى آلاف السنين .

قال لى اننى كنت رجلا لا يهاب الألم وهذا شئ جيد . ذلك أن ترويض الروح يمر عبر ترويض الجسد . لكن المشكلة , فى رأيه , اننى أستخدم الألم بطريقة خاطئة , وهذا سيئ جدا .
كان ذلك الحطاب الامى يعتقد أنه يعرفنى أفضل مما أعرف نفسى . وهذا ما أثار غيظى . الا اننى شعرت بالفخر , لأن لوحاتى تستطيع ان تعبر عما احسه , ويفهمها كل الناس .

شعرت ماريا ان حجراً أكثر حدة من الحجارة الاخرى جرح قدميها . لكن البرد كان أقوى من كل شئ. كادت عروقها تتجمد من شدة الصقيع , وشق عليها الأستماع الى أقوال رالف , لماذا لا يهتم الرجال فى هذا العالم اللعين الا بالكلام على الألم معها , الألم المقدس , الألم المقترن باللذة , الألم مع ايضاحات أو من دونها , لكن دائمى الألم , ولا شئ الاه ....

أدمى حجر أخر قدمها الجريحة . كتمت ألامها على مضض , وواصلت تقدمها . فى البداية , حاولت الحفاظ على رباطة جأشها , وعلى تماسكها المطلق , وعلى الضوء المنبعث منها . ها هى الان تمشى فيما معدتها تضطرب , وأفكارها تدور مكانها , شعرت انها ستتقيأ , قررت التوقف . كل ما تفعله غير مجد , وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف .

لم تتوقف احتراما لكبريائها . كانت قادرة على مواصلة هذه الرحلة حافية القدمين , مستغرقة ما تتطلبه من وقت , لانها سرعان ما تبغ نهاياتها , لانها لن تدوم طوال الحياة . وفجأة , فطرت لها فكرة أخرى : ماذا لو لم تستطع الذهاب غدا الى " كوباكابانا " بسبب الندوب الخطيرة , أو الحمى القوية التى قد يسببها الزكام المحتم ؟ أخذت تفكر بالزبائن الذين ينتظرونها , بميلان الذى يثق بها كثيرآ , بالمال الذى لن تكسبه , بمزرعتها المقبلة , بأهله الفخورين بها . لكن الألم سرعان ما ابعد كل هذه الخواطر , وأخذت تمشى متعثرة الخطوات , تنتظر بفارغ الصبر أن يعترف رالف هارت بأنها بذلك قصاراها , ويقول لها ان هذا يكفى , وانها تستطيع ارتداء حذائها من جديد .

بيد أن رالف بدا بعيدى غير مكترث . كانت تلك طريقته الوحيدة لتحريرها من هذه الأشياء التى تجهلها وتسحرها فى أن , لكنها ستترك فى النفس دمارآ وجراحا أعمق من الكدوم التى أحدثتها الأصفاد . كانت تعرف انه يحاول مساعدتها , وتبذل جهودآ مضنية لاثبات قوة أرادتها . لكن الألم قطع عليها كل الأفكار التى راودتها , دنست كانت أم نبيلة . وحده الألم يحتل فضاء كيانها اذن يرعبها , يرغمها على الأعتراف بأن هناك حدودآ لا يمكن تجاوزها ...
لكنها قامت بخطوة .
ثم بأخرى .
وبدا الألم , وكأنه يجتاح نفسها ويضعفها روحياً . فالقيام بمسرحية صغيرة فى فندق من خمس نجوم , وهى عارية أمام كأس الفودكا وطبق من الكافيار شئ , والمشى فى البرد وقدماها حافيتان تجزهما على الحجارة الناتئة شئ اخر . شعرت أنها مضطربة الذهن , ولا تقوى على التفوه بكلمة واحدة أمام هارت . كان عالمها مقتصرا فقط على الحجارة الصغيرة الحاذة التى ترسم دربها بين الأشجار .

وفيما كانت على أهبة الأستسلام , أجتاحها شعور غريب , شعور بانها تجاوزت الحد , وباتت تطفو على مساحة فارغة , وبدا لها أنها عائمة فوق نفسها غافلة عما تحس به . أيكون هذا الشعور هو ما أحمل به طالبو المغفرة الذين حدثها عنهم تيرنس . أكتشفت فى الجهة الأخرى من الألم بابا يقضى الى طبقة اخرى من الوعى , حيث لا مكان للطبيعية التى لا ترحم ولا تقهر .

أصبح كل شئ من حولها ضبابيا وكأنها فى حلم : المنتزه المضاء بشكل سيئ , البحيرة القاتمة , الرجل الصامت , المتنزهون الذين لا يلاحظوا انها كانت حافية القدمين وتتعثر فى مشيتها ...

هل كان هذا بفعل البرد أم الألم ؟ وفجأة , فقدت حاسة الشعور , وانتقلت الى حالة انتقى فيها كل احساس بالرغبة أو الخوف اعتراها احساس غامض لا تدرى ماذا تسقيه ؟ انه " سلام غامض . لم يكن الحد الذى بلغه الألم هو الحد الأقصى , وباستطاعتها ان تذهب أبعد من ذلك .

فكرت بكل الكائنات البشرية التى تتعذب بصمت دون أن تفتعل الألم كما هى تفتعله الأن . هذا أيضا لا يهمها . المهم أنها تخطت حدود جسدها , ولم يتبق من الان فصاعدا الا الروح " الضوء " . انه مجرد فراغ , دعاه أحدهم الجنة ذات يوم . ثمة آلام لا تنسى الا اذا كانت لدينا القدرة على تجاوز أثارها .

المشهد الثانى الذى تذكرته هو حين أخذها رالف بين ذراعيه . خلع سترته ووضعها على كتفيها . تداعت أرضا بسبب البرد . قلما بهم . كانت سعيدة ولم تكن خائفة . عليها أن تنتصر , ولن تذل نفسها أمام هذا الرجل .




* * * * *








أصبحت الدقائق ساعات . لابد أنها غفت بين ذراعيه . حين أستفاقت وجدت نفسها , وكان الوقت لا يزال ليلا , فى غرفة تحوى فى أحدى زواياها , جهاز تلفزيون , ولا شى اخر , غرفة بيضاء , فارغة .

ظهر رالف يحمل كوبا من الشيكولاتة الساخنة .

قال :
- حسنا , وصلت بك حيث أردت الوصول .
-لا أريد شوكولاته , أريد نبيذا . اريد أن اذهب الى غرفتنا , وارى المدفأة والكتب المبعثرة أرضاً .

قالت " غرفتنا " تفؤهت بهذه الكلمة سهوا .

نظرت الى قدميها . وما عدا الجرح الصغير , لم يكن هناك الا ندوب حمراء سرعان ما تختفى فى وقت قصير . نزلت الدرج على شئ من الشقة . وذهبت لتجلس فى أحدى الزوايا على السجادة قرب المدفأة . كان هذا المكان يريحها , وكأنه خصص لها فى هذا البيت .

- قال لى هذا الحطاب انه عندما نقوم بتمرين جسدى ونسعى الى انتزاع كل الطاقة من جسدنا , تكتسب الروح عندئذ قوة غريبة تشبه " الضوء " الذى رأيته فيك , أخبرينى ماذا شعرت ؟

- أن الألم صديق المرأة .
- هذا خطر .
- وأن الألم له حدود .
- هذا هو الخلاص . لا تنسى ذلك .

كانت أفكار ماريا لا تزال مشوشة . أحست بهذا . " السلام " عندها ذهبت ابعد مما تحتمل . أكتشفت شكلا جديدآ من العذاب . وهذا منحها لذة غريبة .

تناول رالف كرتونآ للرسم , وبسطه أمامها قائلا :

- هذه هى قصة الدعارة . طلبت الى أن استعلم عن الوضوح يوم تعارفنا .
أجل , تذكرت أنها طلبت اليه ذلك بهدف التسلية وتزجية الوقت , أو ليكون الأمر مدخلا
لأستعراض ذكائها . أما الأن , فلم يعد لذلك أى أهمية .
- فى الأيام الأخيرة , شعرت طوال الوقت أننى اسبح فى مياه مجهولة . لم أكن أعتقد أن
هناك تاريخيآ لهذه الظاهرة . كل ما أعرفه أنها أقدم مهنة فى التاريخ . لكن تاريخيها
موجود , وهناك قصتان .
- وهذه الرسوم ؟
شعر بقليل من الخيبة , لأنها لم تفهم كلامه . ثم أضاف .
- رسمت على الورق الأشياء التى استلهمتها , كنت أقرا وأقوم بالأبحاث وأتعلم .
- نتكلم عن هذا فى يوم أخر . أما اليوم , فلا أريد أن اغير الموضوع . اريد أن افهم الألم .
عانيت الألم البارحة , واكتشفت انه يقودك الى اللذة . وعانيته اليوم وشعرت أنك وجدت السلام . لذا أقول لك , لا تتعوديه , انه مخدر خطير ندمته . انه يواكبنا فى حياتنا اليومية وفى عذابنا الخفى , فى استسلامنا وفى انهيار أحلامنا , لكننا تحمل الحب مسؤللية الأمدا على الدوام . الألم مخيف عندما يكشف عن وجهه الحقيقى , لكنه ساحر عندما يكون تعبيرآ عن التضحية او التخلى عن الذات أو الجبن . يستطيع الكائن البشرى أن يتجنب الألم , كما يستطيع أن يجعله ملاذة الأمين , ويسعى لأن يجعله جزءا من حياته .

- لااعتقد ذلك , لا أحد يرغب فى العذاب ...
- اذا استطعت ان تفهمى أنك قادرة على العيش دون عذاب , فهذا يعنى أنك قمت بخطوة كبيرة الى الأمام . لكن لا تظنى أن الأخرين سيحذون حذواك . لا أحد يرغب فى العذاب . ومع ذلك , فان الجميع أو الغالبية العظمى , يبحثون عن الألم والتضحية فى عيون أولادهم وأزواجهم والله . فنتخل عن التفكير بذلك الان . أعلمى فقط أن ما يحرك الكون ليس السعى وراء اللذة , بل التخلى عن كل ما هو جوهرى . ألا يذهب الجندى الى الحري ليقتل العدو ؟

لا , يذهب ليموت فناء بلاده . ألا تحب المرأة أن تعبر لزوجها عن الحد الذى تشعر معه بالرضى والاكتفاء ؟ لا , تريد أن يرى الى أى حد تتفانى ونتعذب لكى يكون سعيدآ . الا يذهب الزوج الى العمل وهو يسعى لأن يحقق تألقه الشخصى ؟ لا , يبذل عرقه ودموعه من أجل عائلته , وهكذا دواليك . يتخلى الأولاد عن أحلامهم لكى يدخلوا السرور الى قلوب أهاليهم . ويتخلى الأهل عن الحياة ليدخلوا السرور الى قلوب اولادهم . ويصبح الألم والعذاب الدليل على ذلك الشئ . الذى يفترض به الا يؤذى الا الى الفرح , وهو الحب .

- توقف .

توقف رالف , حان الوقت لتغيير الموضوع من جديد . أخرج الرسوم التى أنجزها الواحد تلو الأخر . بدا كل شئ مشوشا أول الامر . كانت هناك شخصيات مرسومة , ولكن أيضا خربشات وألوان وخطوط متوترة أو هندسية . ثم بدأت ماريا تفهم تدريجيا ما كان يقوله , لانه كان يرافق كل كلمة بحركة من يده , وكل جميله تعيدها الى العالم الذى تنكرت له , مع انها نتتمى اليه , متذرعة أن ذلك العالم لا يشكل الا مرحلة مؤقتة من حياتها , ووسيلة لكسب المال , ليس ألا .

- أكتشفت أن هناك قصتين للدعارة لا قصة واحدة . الأولى تعرفينها لأنها تشبه قصتك تماما : تكتشفت فتاة جميلة , ولأسباب عديدة أختارتها او فرضت عليها , أن الطريقة الوحيدة لتكسب رزقها هى فى أن يشبع جسدها . وتوصلت بعض العاهرات , من خلال هذه الوسيلة , للسيطرة على أمم فى التاريخ , هناك ميسالين فى روما , وأخريات تحولن الى أسطورة مثل مدام دوبارى , أو ارغتهن المغامرة , لكنهن كن سيئات الحظ مثل الجاسوسة ماتاهارى . ألا أن معظمهن لم يعرفن لحظة مجد واحدة , ولا واجهن تحديات كبيرة .

بل بقين الى الأبد الفتيات اللواتى كن يسعين وراء الشهرة والزوج والمغامرة , ثم اصطدمت بواقع مختلف , قال بهن الأم الى الأستسلام للواقع , والتآلف معه , فانههارت أحلامهن بالسيطرة عليه , ولم يتوصلن لأنه يفعلن شيئا اخر . منذ أكثر من ثلاثة ألاف سنة , والفنانون يتفننون فى صنع المنحوتات والرسوم واللوحات والكتب , والعاهرات يقمن بعملهن منذ الأزل , وكأن شيئا لم يتغير . هل تريدين أن أحدثك عن تفاصيل أخرى ؟

وافقت ماريا بأشارة من رأسها . لكن لا يزال همها أن تفهم الألم , وأن يتسنى لها الوقت لذلك , شعرت أن شيئا مؤذيا شريرا خرج من جسدها , فيما كان تمشى فى المتنزه .

- هناك دومآ اشارة الى العاهرات فى النصوص القديمة , فى الرسوم الهيروغليفية المصرى وفى الكتابات السومرية وفى العهدين القديم والجديد . لكن المهنة لم تنتظم الا فى القرن السادس قبل المسيح , عندما أنشا المشترع سولون المواخير التى تشرف عليها الدولة , وقام بفرض ضريبة على الأتجار بالجسد . لقى هذا الأجراء ارتياحاً فى صفوف رجال الأعمال فى اثينا , لأن هذه التجارة التى كانت محرمة , صارت شرعية . أما العاهرات فكن يصنفن وفقآ للضرائب التى يدفعنها . هناك العاهرة الأقل ثمنآ وتدعى ( Pone ) . وهى عبدة يملكها أصحاب المواخير . ثم تأتى العاهرة التى تجد زبائنها فى الشارع وتدعى Perirpatetike) ) . وأخيرى العاهرة التى تأتى فى الصدراة من حيث النوعية , والمبلغ الذى يدفع لها وتدعى ( ( Hetnifa..أى الأنثى الرقيقة .

وهى ترافق رجال الأعمال فى أسفارهم وتتردد الى المطاعم الفخمة , وتتمتع بالسيادة المطلقة على أموالها , وتسدى النصائح , وتتدخل فى حياة المدينة السياسية . كما رأيت , ما كان موجودا بالأمس لا يزال مستمرآ حتى اليوم . فى القرون الوسطى وبسبب الأمراض الجنسية المعدية ...

ساد الصمت , النار فى المدفأة تدفئ جسد ماريا وروحها . لم تكن ماريا تريد الأستماع الى هذه القصة التى تشعرها أن العالم توقف عن الدوران , وان كل شئ يتكرر دون أن يتوصل الأنسان ابدى لان يبؤى ( الجنس ) المكانة التى يستحقها .

-لا يبدو أن الموضوع يثيرأهتمامك .

قالت ماريا , وهى تريد أن تكون صريحة لا سيما وانها قررت أن تبوح لهذا الرجل بكل مكنونات قلبها ( مع أنها لم تعد الأن أكيدة من شئ ) .

- لست مهتمة بما مر معى من قبل , لأنه يبعث أحزانى الدفينة . قلت لى ان هناك قصة أخرى .
- القصة الأخرى مخالفة كليا لأولى , وهى الدعارة المقدسة .

وفجأة خرجت ماريا من حالة الحذر التى استسلمت لها , واستجمعت قواها لتصغى بانتباه , ماذا يقول ؟ الدعارة المقدسة ؟ كيف بالأمكان كسب المال عن طريق الجنس , والأقتراب من الله , فى الوقت نفسه ؟

- كتب المؤرخ هيروديتس فى معرض حديثه عن بابل العبارات التالية :

" كان هناك عادة غريبة فى سومر , كانت كل أمراة مرغمة أن تذهب مرة على الأقل فى حياتها الى معبد الألهة عشتار وتسلم جسدها لمجهول يزور الميدنة , كعلامة على حسن الضيافة , مقابل مبلغ رمزى تتقاضاه .

فكرت ماريا فى ان تعرف أكثر عن هذه الألهة . لعل هذا يساعدها هى أيضا , على استعادة شئ فقدته ولم تعد تذكره .

- انتقل تأثير عشتار الى انحاء الشرق الأوسط كلها , وبلغ حدود سردينيا وصقلية فيما بعد . لكن , فى ظل الأمبراطورية الرومانية . كانت هناك الهة أخرى تدعى فسنا , وهى تفرض اما العذرية التامة , واما العطاء التام .

كانت النسوة فى معبدها مسؤولات عن حراسة شعلة النار المقدسة . ولأجل ذلك يؤكل اليهن تلقين الشباب والملوك أصول الجنس , وينشدن الأناشيد الأيروتيكية , وتصيبهن الرعدة . ويقدمن نشوتهن الى الكون , باعتبارها شكلا من أشكال الأتصال بالألوهية .

عرض رالف على ماريا نسخة تحوى كتابة قديمة ومقرونة بالترجمة الألمانية فى اسفل الصفحة .

حين جلست عند باب الحانة .
أناء الألهة عشتار
انا العاهرة الأم
رغم أنك تسقوننى بالموت .
انا ما تبحثون عنه
انا ما وجدتموه
وما نشرتموه
والان تجمعون أشلائى المبعثرة

غضت ماريا بريقها , وأخذ رالف يضحك . رجعت الى حيويتها المعهودة . وبدا الضوء يلتمع فى عينيها من جديد . من الأفضل أن يكمل رال فالقصة ويظهر لها الرسوم , ويستمر فى ان يشعرها بأنه محور أهتمامه .

- لا أحد يعرف السبب الذى ادى الى اختفاء الدعارة المقدسة , بعد أن انتشرت مدة الفى سنة على الأقل . قد يكون السبب الأمراض أو المجتمع الذى عمل على تغيير قوانينه مع تغير الأديان . اختفت الدعارة المقدسة الى الأبد . فى أيامنا هذه , الرجال يحكمون العالم , وكلمة " عاهرة " تستخدم للنيل من كل امراة لا تتبع الطريق القويم .

- هل بامكانك المجئ الى " كوباكابانا " غدا ؟

لم يفهم رال ما يرمى اليه السول , لكنه وافق فى الحال .




* * * * *













وهذا ما دونته ماريا فى يومياتها ذلك المساء , حين مشت حافية القدمين فى الحديقة الأنكليزية بجنيف :

" قل
09-25-2008, 09:35 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
11 دقيقة " رائعة باولو أكويليو " - بواسطة اميريشو - 09-25-2008, 09:35 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  أربعة مقالات رائعة لعالم الدين السني الشيخ حسن فرحان المالكي: السيد مهدي الحسيني 0 956 09-19-2012, 06:38 PM
آخر رد: السيد مهدي الحسيني
  ألف - روية باولو كويلو الجديدة للتحميل . ali alik 4 3,422 01-17-2012, 05:02 AM
آخر رد: ali alik
  رائعة ميخائيل بولغاكوف - المعلم ومارغريتا الحوت الأبيض 7 3,677 07-04-2011, 07:23 AM
آخر رد: الحوت الأبيض
  مكتبة رائعة فى جميع المجالات تستحق المشاهدة ..اطلب التثبيت dflp 2 15,859 05-11-2011, 12:39 AM
آخر رد: Dr.xXxXx
  إذا كنت قد قرأت كتاباً "دسماً" في الأنثروبولوجي..من فضلك ضعه هنا Narina 10 4,980 12-27-2010, 04:45 PM
آخر رد: Narina

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS