قراءة في لوحة لم يكن الوقت للنمر

دعوني أكرر ما سبق قوله من أن اللوحة الأدبية كلوحة الرسم السريالية، لكل أن يرى فيها رؤية من زاويته ، فلوحة الرسم السريالية ، يضع فيها الفنان بقعة معينة أكثر بريقا، أو خطا حادا بلون مختلف يشد بأي منهما ليقوده إلى أرجاء اللوحة، وكذلك يحدث في اللوحة الأدبية، أقصوصة كانت، أو مقال أو خلافهما، يكون في العادة في أول جملة ، خط يشد القاري و يحثه على المتابعة و اعمال الفكر ، أما البقعة الضوئية التي تشكل مفتاحا يقود القارئ نحو ما يبطنه الكاتب، قد تكون جملة داخل السياق ذاته، رغم أن هذا لا يمنع القاري من أن يسبح في الموضوع من زاوية أخرى مساقا برؤيته الخاصة النابعة من قدراته.
....
في لوحة لم يكن وقت للنمر هذه، وجدت - كما اعتقد - المفتاح في هذه المقتطفة: ..( عندما قام من مكانه واتجه إلي القفص وأخذ يشير بإصبعه إلي أعضاء النمر وكأنه يشرح لها أفكارا ما..) التي ساقتني إلا المزيد من المفاتيح: لعدة دقائق ظلت علي برودها وفجأة قامت واتجهت إلى القفص وجثت حيث كان يجثو أمام القفص.....وظلت تنظر إلى النمر طويلا والرجل يتحدث في سرعة وعيناها تبدآن في الاتساع واللمعان، ثم تواجها برأسيهما ووجهاهما يتقلصان معا وشفتاهما السفليتان تتهدلان، والزبد ينزل من فمه فتتجه إليه برأسها كالمنومة، وكنت أستطيع من مكاني أن أري ارتعاش أيديهما وهي تتشابك في تصلب، ثم يقفان في آلية غريبة ويتجهان في خطي متعثرة وقد فارق المرأة وقارها الأول، وفارقه حياؤه إلى باب الحديقة، وظللت أرقبهما يمضيان في المنتزه البعيد هناك حتى الآجام التي في نهايته ويختفيان فيها.... ولكنني رأيته يمضي في تؤدة لا يخاف بنادق الحراس.. والناس لا تأبه لمروره بينهم.. النساء النائمات في دروب الحديقة يرمقنه في تفحص حين يصل إليهن و يتشمم منهن السيقان العارية والصدور
.....
أنه الجنس، النمر الذي يكاد ينقرض لاستخدام بعض أعضائه في مقويات للقدرة الجنسية، و ما ترويه تلك المقتطفات يؤكد الاسقاط المستنبط ...من زاويتي.
......
ورأيته مرة أخري يطارد الجميع في الحديقة ولكنه لا يؤذي أحدا .. من يدركه يوقفه ويفتح فكيه عن آخرهما ويريه أنيابه الطويلة ثم يتركه،
....
وفجأة يعود أولئك الرجال الذين كانوا قد اختبئوا من أنيابه وينقضون علي الحراس الذين يحاولون التصويب عليه مرة أخري ويلتحمون معهم في صراع شديد لأنهم يحسون أن النمر في خطر>
......
إن الجنس دافع يحث على التوالد و السعي في الحياة الدنيا ..( ... رائحة لا تأتيه صافية ربما كانت مختلطة بالروائح المنبعثة من الكافتيريا " المقصف " وأصباغ النساء .. ) ( .. يطارد الجميع..) و يدفع الكثيرين إلى محاربة الكبت المستند على أعراف اجتماعية حادة، أو تابوهات عقائدية قد يتلبسها الكثير من اللبس..(وينقضون علي الحراس الذين يحاولون التصويب عليه " مرة أخري"..)
......
ذلك أن قفص النمر لا توجد أمامه شجرة واحدة أو ظلة صغيرة يمكن أن تستر من وهج الشمس في هذا الوقت. ...وخيل إلى وكأنهما يتبادلان حديثا خفيا، ثم وفي هدوء غريب، تراجعا إلى الوراء قليلا، وفي سرعة رهيبة قفز الرجل إلى القفص حتى أنني لم أتمكن من رؤية كيف؟ لأن القفص لـه حديد قاس وجعله يمر منه كالدخان .. لماذا لا يهبط بمخالبه الثقيلة علي هذا الحديد الذي يغلف تلك المساحة الباردة التي يقطع جانبا واحدا منها ؟ لماذا لا يتوقف؟.. يتوقف فقط وينظر ألي.
.....
ذلك لأن الجنس مسألة عامة ، واضحة كوضوح الشمس لا يمكن اخفائه أو الاستغناء عنه ورغم حدة الأعراف الداعمة و الداعية للكبت ، إلا أن قوة الرغبة ([size=6] الشبق ) قد تدفع المرء لاختراق كل الحواجز رغم قسوتها. يتساءل المرء بما أن الجنس أمر ضروري و غريزة طبيعية ، لماذا نستحي من البوح بمشاق كبته ، و لماذا نستحي من الحديث عنه ببساطة .. (يتوقف فقط وينظر ألي)
....
ورأيت النمر في قفزة واحدة معتمدا علي قائمتيه الخلفيتين يصير في طول الرجل ويخفيه عن ناظري ثم يتهاوى به ورقبته بين فكيه.
.....
فرغم كل الكبت الاجتماعي ، فإن الإنسان لا يملك إرادة أو قوة تقاوم دوافع الغريزة الجنسية التي تنشب أنيابها في رقبته .
....
.. في يوم كهذا اليوم الجميل جلس رجل وزوجته هناك وطفق ابنهما الطفل يلعب الكرة كان هنا في تلك الساعة شاب شديد البأس يخشاه حتى رجال أمن الحديقة، يلازمه خنجر حاد يضعه في خصره، ولديه بضع نسوة ساقطات يحتمين به، حاولن عدة مرات أن يتوددن لرجل النمر دون جدوى ..قام في برود وأخذ الكرة وألقي بها إلى القرود....إلخ.
....
لماذا القرود بالذات ؟؟ لأن القرود تمارس الجنس في عشوائية و تحت نور الشمس و بدون حياء ، رجل قواد ..لم تستطع نساءه إغواء صاحبنا ، الذي يؤمن بالجنس المعتمد على الالتصاق الروحي وليس بمقابل مادي ( .. وهذا الحيوان لـه روح لا يريد أن يبوح بها لأحد ..) يدافع صاحبنا عن الأسرة و يجلب القواد لمقابلة عيني النمر التي تقول له أن الجنس بين البشر ليس كما هو في مجتمع القرود ، لا يجب أن يكون بلا روح .
.....
لم أعط انتباها لما يحدث هناك داخل القفص كما يتحدث عنه الآخرون لأنه كان خاليا .. كان همي منصرفا إلى متابعة الرجل والنمر يمشيان معا في الحديقة ولا أحد يراهما حتى وصلا بابها و خرجا منه ..
....
رغم إن الأطروحات المجتمعية توحي بأن الجنس لا وجود له إلا في حدود ضيقة تحفها الأسوار المنيعة ، لكن الواقع يحدثنا بعكس ذلك ، فالكل يرغبه و الكل يصاحب فكره ، وأن أدعى المجتمع عدم رؤيته لهذا الواقع المستمر منذ أيام آدم و حواء، والذي يقال أنه سبب خروجهما من الجنة .
.......
قالت : الخروج والتمرد يبدأ فكرة وينطلق مشواره بكلمة،والحلم قابل للتحقيق إن وصل صدى الكلمة إلى الأسماع ورددها كل من يؤمن بها، ليكتمل المشوار إلى الفعل وليس من فعل خال من ردة فعل...الخانم
.....
هذه رؤيتي الشخصية للقصة بصفتي قارئ لها ، اتمنى رأي الكاتب به ، و مع هذا أنا أؤمن أن الكاتب لا يجب ان يطرح رؤيته للوحته إلا إن واجهته تأويلات لا يرضاها لها.
....

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	النفق (قصة قصيرة)	رائد قاسم	0	632	12-24-2013, 03:49 PM آخر رد: رائد قاسم
	اشباح النهار ( قصة قصيرة)	رائد قاسم	0	639	12-11-2013, 11:23 AM آخر رد: رائد قاسم
	شقشقه ( قصة قصيرة)	رائد قاسم	0	613	11-14-2013, 11:34 PM آخر رد: رائد قاسم
	الرؤيا (قصة قصيرة)	رائد قاسم	0	699	03-28-2013, 02:48 PM آخر رد: رائد قاسم
	قصاص قصة قصيرة	حمادي بلخشين	0	952	12-02-2012, 01:42 PM آخر رد: حمادي بلخشين