11 دقيقة " رائعة باولو أكويليو "
عندما دخلت , كانت الكنيسة مقفرة تمامآ . واستطاعت أن تتأمل بصمت الزجاجيات التى تنيرها سماء أجلت غيومها العاصفة التى هبت فى الليلة الفائتة . أمامها مديح وصليب بلا مصلوب , ليس الصليب هنا وسيلة عذاب تحمل رجلا تحتضر , بل رموزآ للقيامة التى يغيب معها كل معنى للعذاب وما يتضمنه من هول ورهبة تذكرت ذلك السوط فى الليلة العاصفة . أحست أنه مماثل للصليب " يا ألهى , ماذا دهانى كيف لى أن أفكر بهذا ؟ " .
كانت سعيدة لأنها لم تر فى الكنيسة صورآ لقديسين يتألمون وأثار الدم والجراح بادية عليهم . كانت الكنيسة مكانآ يجتمع فيه الناس , ليعيدوا اليها يتجاوز حدود أدراكهم .
توقفت أمام بيت القربان , حيث يحتفظ بجسد يسوع الذى تؤمن به , مع أنه لم يشغل من أفكارها حيزا مهما . جئت على ركبتيها , وتعهدت لله والعذراء مريم ويسوع وجميع القديسيين أنه مهما يحصل لها هذا النهار فلا شئ سيمنعها من تغيير رأيها . وأنها سترحل فى جميع الأحوال . وقد تعهدت لله بذلك , لأنها تعرف جيدآ خطورة أفخاخ الحب القادرة فى أى لحظة على تغيير أرادة أمرأة .
ما أن مضت دقائق حتى شعرت بيد على كتفيها . أحنت رأسها حتى كادت تلامسها .
- كيف حالك ؟
- عظيمة . لنذهب ونتناول فنجان قهوة .
خرجا وهما يضعان بدأ فى يد مثل حبيبن يتلاقيان بعد طول فراق . تبادلا القبلات علنا , ونظز اليهما بعض المارة وهم مصدومون . أبتسما كلاهما للاستياء الذى اثاره تصرفهما , وللرغبات التى أيقظاها بقبلاتهما , وهما يعرفان جيدى أن هؤلاء الناس لو يودون لو يقومون بالئ نفسه , على الرغم من أن الأمر يعتبر بمثابة فضيحة .
دخلا مقهى شبيهآ بكل المقاهى المألوفة , لكنه بدا مختلفا فى هذا اليوم . لأنه يضم حبييبن جمع بينهما الحب . طفقا يتحدثان عن جنيف ومصاعب اللغة الفرنسية وزجاجيات الكنيسة ومضار التدخين , مع أنهما كانا يدخنان وليس لديهما اطلاقا نية التخلى عن هذه العادة السيئة .
أصرت على أن تسدد الحساب , فوافق . ذهبا الى حيث كان يقام معرض رالف . وهناك تعرفت ماريا الى الفنانين والأغنياء الذين يبدون أكثر ثراء مما هم , وأيضا أصحاب الملايين الذين يبدون أكثر فقرآ , والجمهور الذى يطرح الأسئلة عن اشياء لمتسمع بها من قبل . كان الجميع يقدرون حضورها وأعربوا عن أعجابهم بفرنسيتها , وسألوها عن الكرنفال وكرة القدم والموسيقى فى بلادها . كانوا كلهم مهذبين ولطفاء وودوين وساحرين .
عندما خرجا . قال لها انه سيذهب لرؤيتها فى " كوباكابانا " . توسلت اليه ألا يفعل , لأنها حرة هذا المساء , وتريد أن تدعوه الى العشاء . وافق على الدعوة , وقبل أن يفترقا , حذنا مكان العشاء فى مطعم جميل يقع فى ساحة كولونى الصغيرة .
عندئذ تذكرت مارا صديقتها الوحيدة , وقررت أن تزور امينة المكتبة لتقول لها وداعآ .
بقيت محتبسة بسبب زحمة السير وقتا طويلا , حتى انتهى الأكراد ( للمرة الثانية ) من التظاهر , وتمكنت السيارات من معاودة السير بشكل طبيعى . لكنها الأن , وقد عادت سيدة وقتها , فلا أهمية لكل ذلك .
قالت أمينة المكتبة لماريا ما ان دخلت .
- قد أبدو لك ودودة أكثر من اللازم , لكن ليس لدى صديقة أخرى أعهد اليها باسرارى سواك .
هل هذا معقول ؟ ليس لديها اصدقاء , بعد أن قضت حياتها فى المكان نفسه , وكانت تقابل عددآ غفيرآ من الناس كل نهار .. هل من المعقول ألا يكون لديها صديق تتحدث اليه , وتبوح له بمكنونات قلبها ؟ وأخيرى عثرت ماريا على واحدة مثلها , واحدة مثل الجميع .
- أعدت التفكير فيما قرأته عن البظر .
- من جديد ! اليس ممكنا التحدث فى موضوع أخر ؟.
- أدركت أننى كنت أشعر بلذة كبيرة فى جميع علاقاتى بزوجى , لكن كانت لدى مشكلة فى أن أبلغ النسوة خلال الأيلاج . هل تجدين هذا طبيعيآ ؟
- هل تجدين طبيعيآ أن يتظاهر الاكراد كل يوم مثلا ؟ وأن تهرب النسوة العاشقاتمن فرسان أحلامهن ؟ وأن يحلم الناس باستثماء الأراضى بدل التفكير فى الحب ؟ وأن يبيع رجال ونساء وقتهم دون أن يتمكنوا من شرائه بالمقابل ؟ ومع ذلك فهذا موجود . لا فرق أن كان ما أفكر فيه صحيحاً أم لا . المهم أن هذا يصبح طبيعيآ كيفما تبدلت الأمور . يصبح كل ما هو مخالف للطبيعية ومخالف لرغباتنا الأكثر عمقآ , أمرآ طبيعيآ فى أعيننا , حتى لو بدا ذلك ضلالا وزيغآ فى عين الله . نحن الذين فتشنا عن جحيمنا , وبنيناه بأيدينا خلال ألاف السنين التى مرت , وبذلنا لهذا الهدف كل جهودنا الممكنة . لذا حياتنا جحيم , لأننا نعيش عكس الحياة وقوانينها الطبيعية .
نظرت ماريا الى أمينة المكتبة . ولأول مرة سألتها عن اسمها ( لم تكن تعرف الا اسمها الزوجى ) . كان اسمها هايدة , متزوجة منذ ثلاثين سنة , لكن لم يسبق لها , ولو مرة واحدة , أن سآلت أن كان طبيعيآ الا تبلغ النشوة أثناء ممارسة الجنس مع زوجها .
- لا أعرف ان كان جيداً أن أقرى كل ذلك ! ربما كان من الأفضل أن أبقى جاهلة , وافكر أن زوجى وفيآ وشقة تطل على البحيرة , ووظيفة فى المكتبة , هى كل ما تحلم به أمرأة . منذ أتيت الى هنا وبدأت قراءاتى عن الموضوع , انتابنى القلق بشان ما فعلته فى حياته , هل الجميع هكذا ؟
قالت ماريا , وهى تشعر أنها ممتلئة حكمة أمام هذه المرأة التى تتوسل نصائحها :
- أوكد لك أنهم كذلك .
- هل ترغبين أن أتطرق الى التفاصيل ؟
وافقت ماريا بأشارة من رأسها .
- لا شك أنك مازلت شابة ويصعب عليك فهم هذه الأشياء . ولهذا السبب بالضبط , اردت ان اروى لك قصتى , لكى تتجنبى الأخطاء التى وقعت فيها .
لماذا لم يكن زوجى يهتم قط ببظرى ؟ كان يظن أن النشوة المهبلية , وكان يشق على , يشق على كثيرآ أن أصطنع انفعالا لابد لى أن أشعر به بحسب رأى زوجى . لا شك أننى كنت أشعر بلذة لكنها لذة مختلفة . فقط عندما يكون الأحتكاك فى المنطقة العليا ... هل تفهمين ؟
- افهم
- الان عرفت السبب.
ثم أضافت , وهى تشير ال كتاب موضوع على الطاولة , ولم تستطع ماريا قراءة عنوانه :
- هناك حزمة من الأعصاب تمتد من البظر حتى النقطة G , هى الطاغية . لكن الرجال يعتبرون ان المسألة كلها تتعلق بالأيلاج . هل تعرف ما هى النقطة G ؟
فأجابتها ماريا وهى تقوم بدور الفتاة الساذجة البرئية :
- تحدثنا عنه فى المرة السابقة " النقطة G " هى عندما تدخل الى الطابق الأول , عند ,النافذة , فى الزواية .
- نعم , نعم !
ثم أضافت المرأة , وقد أشرقت عيناها .
- هل فكرت مرة كم من الأصدقاء تحدثوا اليك عن هذا الموضوع ؟ لا أحد , ويمكنك التأكد من ذلك بنفسك . أمر غير معقول ! كان البظر اكتشاف ذاك الطبيب الأيطالى . أما النقطة G , فهى اكتشاف عصرنا . وعما قريب سيجرى الكلام عنها فى جميع العناوين الكبيرة فى الصحف والمجلات , ولا احد يستطيع تجاهل دورها . هل تتخيلين أى مرحلة ثورية تعيش فيها ؟
نظرت ماريا الى ساعتها , وأدركت هايدى ان عليها الاسراع فى تعليم هذه الفتاة الجميلة , وافهامها ان النساء يملكن كل الحق فى ان يكن سعيدات ومنفتحات جنسيآ . ارادت ان يفيد الجيل المقبل من هذه الأختراعات العلمية المدهشة :
- أعتقد الدكتور فرويد أن لذتنا هى بالضرورة كامنة فى المهبل , كما أن لذة الرجال تكمن فى الأحليل . لكن يجب العودة الى الأصل , الى المنطقتين اللتين منحتانا اللذة على الدوام , وهما البظر والنقطة G ! قليلات جدى هن النسوة اللواتى يتوصلن الى أقامة علاقة جنسية ترضيهن , وتجعلهن يشعرن بالأكتفاء فعلا ,. لكن اسمعينى , سأعلمك شيئا فى غاية الأهمية , اقلبى الوضعية خلال الممارسة , فليمتدد شريكك , ولتصعدى فوقه , عندئذ سيحتك بظرك بعانتى فتحصلين على الأثارة اللازمة , الأثارة التى تستحقينها !
تظاهرت ماريا بأنها لا تولى الحديث اهتماما , ليست الغلطة غلطتها اذن . وكل القصة متعلقة بالتركيب الداخلى لأجزاء الجسم ! رغبت فى أن تقبل أمينة المكتبة لأنها شعرت أنها تحررت من حمل ثقيل جدآ . ما أحسن هذا اليوم الذى قامت به بهذا الأكتشاف , وهى لا تزال شابة , ولديها كل الحياة لتنعم بها ! ما هذا اليوم الرائع ! .
ابتسمت هايدى ابتسامة المتأمرة وقالت :
- هم لا يعرفون ان عضونا أيضا ينتصب .
" هم " اى الرجال ... عندئذ تشجعت ماريا وأرادت أن تطرح على المراة سؤالا حميما جدآ :
- هل كانت لك علاقة خارج أطار الزواج ؟
كان السؤال بمثابة صدمة لها . انبثقت من عينيها نار قدسية , وعلا وجهها الاحمرار , لم يعرف ان كان بسبب الغضب أم الخجل ؟ . ثم , بعد ان انتهى الصراع بين رغبتها فى الاعتراف ورغبتها فى اصطناع هيئة مستنكرة , قالت وهى تحاول تغيير الموضوع :
- لنرجع الى موضوع الانتصاب . البظر أيضا ينتصب , هل تعرفين ذلك ؟
- منذ الطفولة .
بدت هايدى خائبة , ثم أضافت .
- واذا داعبت المنطقة حوله دون ان تلمسى رأسه , فان اللذة ستنبثق بشكل أكثر حدة .
بعض الرجال يستعجلون , فيلمسون مباشرة راس البظر , دون أن يعرفوا ان ذلك مؤلم للمرأة . هل انت موافقة ؟ ثم أن المحادثة الصريحة مع شريكك هى دومى مفيدة , كما ورد فى الكتاب الذى كنت أقراه .
- هل كنت تتحدثين بصراحة مع زوجك ؟
ومن جديد تجاهلت هايدى السؤال , بحجة أن زمانها كان مختلفآ . ما يهمها اليوم هو ان تشارك الاخرين بتجربتها الفكرية . نظرت ماريا الى ساعتها وقالت لها انها اتية لتودعها , لانها انهت فترة تدريب فى سويسرا . بدت هايدى وكأنه لا تسمع ما تقول .
- ألا تريدين أن تستيرى هذا الكتاب عن البظر ؟
- لا , شكرآ .
-ألا تريدين أن تستعيرى شيئا أخر ؟
-لا أنا عائدة الى بلادى . لكن اريد أن اشكرك على معامتلك الحسنة وعلى احترامك وتفهمك الى اللقاء .
تصافحتا , وهما تتمنيان أن تنال كل منهما نصيبها الكبير فى السعادة .
انتظرت أمينة المكتبة خروج الفتاة , ثم , كانت الحركة أقوى منها , ضربت الطاولى بقبضة يدها , لماذا لم تغتنم الفرصة ؟ لماذا لم تجب عن شؤال الفتاة حين تجرأت وسألتها عما اذا ارتكبت مرة خيانة زوجية ؟
" ليس الامر خطيرى فى أى حال .
ليس الجنس محور العالم , لكنه يمثل مكانة كبيرة فى حياتنا . نظرت من حولها " آلاف الأعمال التى تحيط بها تروى قصص " حب" لكن القصة هى نفسها دومآ , يلتقى أحدهم الأخر ويقع فى غرامه . يفترقان ثم يلتقيان من جديد ... جميع هذه الكتب تتحدث عن الأرواح التى تتواصل , والبلدان البعيدة , والمغامرة والعذاب والهموم . لكن , نادرآ ما سمعت أحدهم يقول فيها " انتبه أيها السيد " أنتبه لجسد المرأة , وحاول أن تفهمه جيداً . لماذا لا تتحدث الكتب عن الموضوع بصراحة .
لا يبد أن هذا الموضوع يهم أحد فعلا , وفى العمق . يصر الرجال على البحث عن علاقات جديدة , وهم لا يزالون أشبه بالصيادين , وساكنى الكهوف الذين يتبعون غرائزهم ونزواتهم . والمرأة ؟ لا تدوم الرغبة عند المرأة فى الحصول على المتعة مع شريكها الا بضع سنوات , بحسب تجربة هايدى الشخصية . ثم يخف كثيرى اهتمام المرأة بمتعتها وجسدها , وتفضل عدم الكلام عن الموضوع , معتبرة انها الوحيدة فى العالم التى تعانى . وتكذب حين تتذرع بأنها لم تعد تتحمل رغبة زوجها واصراره على مضاجعتها كل مساء .
وسرعان ما تكرس النسوة أوقاتهن لمشاغل أخرى , الأولاد , المطبخ , تنظيم الوقت , الاعمال المنزلية , الفواتير التى يجب تسديدها , التساهل حيال مغامرات الزوج العاطفية , السفر خلال العطلات وتركيز الاهتمام فقط على الاولاد . وقد تجمع بين النساء والرجال علاقة تواطؤ أو قد يدوم الحب بينهم , لكن الجنس , قطعآ لا .
كان يجدر بها أن تبدو أكثر انفتاحى مع الفتاة البرازيلية , وهى فتاة بريئة ومن عمر ابنتها , وغير قادرة على اكتشاف الحياة . أنها مهاجرة تعيش بعيدآ عن وطنها , وتشفى فى عمل لا تحبه , وتنتظر أن تلتقى رجلا يمكنها الزواج به , والتظاهر أمامه ببعض الرعشات الجنسية , والفوز بالأمان بجانبه , والمشاركة فى زيادة النسل فى الجنس البشرى . ولا تلبث بعيد الزواج أن تنسى هذه الأشياء المتعلقة بالنشوة الجنسية والبظر والنقطة G , لتكون فقط زوجة صالحة وآما صالحة , تسهر على الأعتناء بيتها وعائلتها , وتستمنى خفية من وقت لاخر , وهى تفكر فى العابر الذى التقته فى الشارع , ووجه اليها نظرة تلتمع فيها الشهوة . يجب الحفاظ على المظاهر . لكن لماذا يهتم الناس , جميع الناس , بالمظاهر الى هذا الحد ؟
أليس هذا هو السبب فى أنها لم ترد على الفتاة حين سألتها " هل كانت لك علاقة خارج أطار الزواج ؟ " .
فكرت ان مثل هذه الأسرار تدفن معنا . كان زوجها رجل حياتها حتى لو أن مرحلة النشاط الجنسى باتت من الماضى البعيد . كان شريكا ممتازآ , كريما , متزنآ , يناضل لأعالة أولاده , ويجهد لاسعاد من يعيشون فى عهدته . كان الرجل المثالى الذى تحلم به كل امرأة . لذا , كانت تشعر بأنها امرأة سيئة اذا فكرت أنها اشتهت يومى رجلا اخر وتبعته .
تذكرت لقاءهما . كانت راجعة من مدينة ناقوس الجبلية عندما انهار جبل ثلجى , وقطع طريق مرور القطارات لبضع ساعات اتصلت هايدي بعائلتها لتطمئنها انها بخير , واشترت بعض المجلات استعدادى لتزجية فترة طويلة فى المحطة .
عندئذ رأت رجلا يجلس قربها , وهو يحمل حقيبة على ظهره وكيسآ للنوم . كان شعره رماديى , وكانت الشمس قد احرقت بشرة وجهه , وكان الوحيد الذى لا يبدو عليه الانزعاج من الانتظار . على العكس , كان يبتسم ويفتش من حوله , عساه يجد أحدآ يتحدث اليه . فتحت هايدى المجلة . لكن – اه ما اعظم أسرار هذه الحياة – التفت عيناها بعينى هذا السافر , ولم تستطع أن تشبح بهما عنه بسرعة , مما شجعه على الاقتراب .
وقبل ان تسنح لها فرصة صده بأسلوب لائق ومهذب , كان الرجل قد توجه اليها بالكلام . اخبرها انه كاتب وانه شارك فى ندوة كانت تقام فى دافوس , وان تعذر وصول القطار سيفوت عليه موعد طائرته . سألها اذا كانت ستساعده على ايجاد فندق لدى وصولهما الى جنيف .
نظرت اليه هايدى , وتساءلت كيف بامكان رجل سيفوت موعد طائرته ومضطر الى الانتظار ساعات طوية فى محطة مزعجة , أن يكون بهذا المزاج الهادئ ؟
بدأ الرجل يحدثها وكأنهما صديقان منذ وقت طويل . حكى لها عن اسفاره وعن سر اسفاره وعن سر الخلق الأدبى والأشياء التى أدهشته , وتلك التى اثارت الذعر . فى نفسه , وعن النساء اللواتى احبهن والتقاهن فى حيته . اكتفت هايدى بالأستماع اليه , وهى تهز برأسها موافقة على ما يقوله , فيما كان يتابع حديثه دون حرج . كان يعتذر من وقت الى أخر على طلاقة لسانه , ويطلب اليها أن تحدثه هى ايضا عن نفسها . لم يكن لديها ما تقوله , فقط , أنا انسانة بسيطة , ولا شئ , خارقا فى حياتى .
وفجأة بدات تأمل فى ألا يتوقف القطار أبدا . سحرها حديثه . وأخذت تكتشف أشياء لم يسبق لها ان اخترقت عالمها الا عبر قصص الخيال . بما أنها لن تراه ثانية , فقد تشجعت وسالته ألم تعرف سبب هذه الجرأة ولا حتى لاحقآ ) عن موضوعات تشغل بالها . قالت له أن زوجها يمر بمرحلة صعبة , وسوف يطلب اليها ان تظل الى جانبه . وتود أن تعرف ماذا بامكانها أن تفعل لأسعاده . قدم لها لرجل بعض النصائح المفيدة . لكنه اعتبر أن ليس من الضرورى التحدث عن زوجها . قال لها وهو يردد عبارة لم تسمعها منذ سنوات .
- أنت أمراة مثيرة جدى للاهتمام .
لم تعرف كيف كان ينبغى لها أن تتصرف , لاحظ الرجل خرجها , فأخذ يحدثها عن الصحارى والجبال والمدن الضائعة والنساء المحجبات والنساء العاريات الخصور , وعن المحاربين والقراصنة والحكماء المسنين .
وصل القطار الى المحطة . جلسا على المقعد نفسه أحدهما بجوار الاخر . الأن , لم تعد المرأة المتزوجة التى تقيم فى شاليه قبالة البحيرة , والتى لديها ثلاثة أطفال يجب أن تربيهم , بل امرأة مغامرة تسافر الى جنيف للمرة الأولى . عندما نظرت الى الجبال والنهر . أحست أنها سعيدة لوجودها بقرب رجل يحاول أغواءها مثلا جسديا ( فالرجال لا يفكرون الا فى هذا ) , ويفعل كل ما فى وسعه لاستمالتها . فكرت فى كل الرجال الأخريين الذين حاولوا أغواءها , والذين لم تدع لهم اى مجال للتقرب منها . فى ذاك الصباح , تغير العالم بالنسبة اليها . أحست انها مراهقة فى الثامنة والثلاثين , وأنها تتابع بشغف المحاولات التى يقوم بها الرجل لأغوائها . وفيما كانت تظن أنها فى خريف عمرها ( هذا الخريف الذى جاء قبل الأوان ) , وأن لديها كل ما تحلم به امرأة , ها قد ظهر هذا الرجل فى المحطة فجأة , ودخل عالمها دون استئذان .
نزلا فى جنيف أرشدته الى فندق ( أصر على أن يكون متواضعا لأنه لم يكن يتوقع أن يقضى نهاراً أضافيا فى هذه البلاد حيث مستوى المعيشة مرتفع للغاية ) . ثم طلب اليها أن ترافقه حتى غرفته , للتأكد من أن كل شئ على ما يرام . تنبهت هايدى الى المحاذير التى يمكن ان تنتظرها , ومع ذلك , وافقت . أغلقا الباب وتبادلا قبلا محمومة . نزع عنها ثيابها – ويا الهى – كم كان خبيرآ بجسد المرأة واسراره وما تعانيه من عذاب وحرمان .
مارس الحب طوال بعد الظهيرة , ولم يختف السحر الا عند هبوط الليل . عندئذ تفوهت بالجملة التى لم يكن يجدر بواحدة مثلها أن تقولها أبدآ :
" على أن اعود , زوجى ينتظرنى " .
اشعل سيجارة . بقيا صامتين لبضع دقائق . لم يودع أحدهما الأخر . نهضت هايدى وخرجت دون أن تلتفت وراءها , مدركة تماما أن لا معنى لأى كلمة أو لأى جملة يمكن أن تقال .
تعرف هايدى أنها يجب ألا تعود لرؤيته أبدآ . ومع ذلك لم تعد الزوجة الوفية لبضع ساعات , ولا ربة البيت , ولا الأم الحنون أو الموظفة المثالية الثابتة فى صداقاتها . رجعت أمرأة لبضع ساعات .
لاحظ زوجها زوجا تغيرها , وقال لها أن مزاجها غريب , فهى أما أكثر فرحى من المعتاد واما أكثر حزنى . كان يشق عليه أن يصف حالتها بدقة . لكن , بعد أسبوع , عادت الأمور الى سابق عهدها .
فكرت هايدى , ليتنى أخبرت الصغيرة عن هذه المغامرة . فى أى حال لن تفهم شيئا , لأنها تعيش فى عالم مختلف , حيث الناس أوفيا , وعهود المحبين أبدية ...
|