Arrayلنفرض جدلاً أننا حققنا الوحدة الوطنية الفعلية، وبنينا اقتصادا متطوراً ومؤسسات إلى آخره وأصبحت سوريا قبلة للاستثمارات وانتقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة، وبقيت الأردن على فقرها بل وازدادت فقراً، ثم أبدت تركيا رغبتها في تقوية العلاقات معنا كما هي تريد تقوية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي حالياً، وكونه يربطنا تاريخ مشترك طويل ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك فكانت هناك رغبة تركية في الاتحاد مع سوريا، هل أترك ذلك وأقول أن إيديولوجيتي تقول أن تركيا أمة أخرى غير أمتي ؟ بينما أقبل طلب الأردن العربية الفقيرة كي تغرقني بعمالتها غير الماهرة وتسحب مواردي لتنمية وتطوير حالها ؟

هل هذا إغراق في الخيال ؟ ربما، ولكني أريد أن أسأل أي سوري، يا هل ترى يرفض فعلاً مثل هذا الاتحاد مهما كانت الظروف لصالح إيديولوجيته ؟ وإذا أجاب بأنه يرفضه عليه أن يسأل نفسه، لماذا يا هل ترى يرفض العرب الخليجيين إدخال اليمن في مجلسهم ؟

ما أريد أن أؤكد عليه أن المصالح أهم بكثير من الإيديولوجيات، وأن التنظير عن القومية يصبح هراء خاوياً عند أول امتحان حقيقي مع مصالح الناس وأنه من الأفضل تناسي الأراضي السليبة في تركيا وإيران والملك الضائع هنا وهناك والنبش في كتب التاريخ عن حدود سابقة لممالك اندثرت الآن والمطالبة بها، من الأفضل تناسي كل ذلك والتركيز على تثبيت ما هو موجود على أرض الواقع.
[/quote]

لماذا وافقت " ألمانيا الغربية" على الوحدة مع "ألمانيا الشرقية" ؟ هل لأن مصلحتها كانت تقتضي هذا أم لوازع أيديولوجي؟ ولماذا توافق ألمانيا الغربية (من جديد) وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا على دخول دول مثل رومانيا وبلغاريا (الفقيرتين نسبياً) في الاتحاد الأوروبي؟
أعتقد بأن تحقيق أية وحدة يكون أسهل بكثير على "سوريا والأردن" من "سوريا وتركيا" حتى لو تقاربت مصالح السوريين والأتراك في يوم من الأيام؟ فالعوامل "اللغوية" و"العرقية" سوف تدرك أي اتحاد سياسي وتهدمه على رؤوس أصحابه في يوم من الأيام. هذا ما حدث مع العثمانيين في مطالع القرن الماضي عندما رأيت "الشريف حسين" يعلن الثورة على "الباب العالي"، وهذا ما قوض أمجاد "آل هابسبورغ" بعد أن حكموا وسط أوروبا ألف سنة.

مع هذا أنا أوافق على أن السوري يجب أن يضع على رأس سلم اهتماماته الشأن السوري بحدود سوريا اليوم، كذلك المصري والفلسطيني واليمني والعراقي وهكذا دواليك. فبناء دولة وطنية قوية هو أساس التقدم والازدهار. ولعل بعض القوميين العرب، عندما حلم بوحدة عربية، قبل تعزيز القوة الداخلية للدولة الوطنية، كان كمن يضع العربة أمام الحصان. ليكن التفاتنا إلى أوطاننا أولاً، دون أن ننسى أن في جوارنا "شعوباً شقيقة" قد تكون لنا سنداً وعوناً في مجابهة المستقبل، و"الأقربون أولى بالمعروف".

التركيز على الشأن الداخلي ضروري جداً إذاً كشأن أساسي ولكنه شأن أولي مرحلي، فالالتفات للخارج بعين "عربية" بل "إسلامية" هو مهم أيضاً، وهو عامل قوة وليس بعامل ضعف إذا ما أحسنت الدولة الوطنية توظيفه. فالبعد العربي والإسلامي يستطيع أن يضيف إلى قوة الدولة ومنعتها وسيادتها حتى لو فشلت الدول الوطنية حتى اليوم في الاستفادة من العوامل الإثنية والقومية والدينية والتراثية المساعدة.

أخيراً، إذا كانت "المصالح" هي الأهم وليست الأيديولوجيات، فلماذا تذهب بمثالك بعيداً نحو الأتراك؟ فها هي "إسرائيل" أمامك، فهل تقبل أن تتحد معها - كسوري - على حساب "شقيقك أو ابن عمك" الفلسطيني فيما يقبع "الأردن" فقيراً على الهامش؟
يا صاحبي، المصالح مهمة جداً، ولكن المباديء والأيديولوجيات أولاً، ومع كل ما يخيّل لنا من تضارب بين المصالح والأيديولوجيات فإنه ليس بتلك الصعوبة التوفيق بينهما. طبعاً، هذا قد يدعو إلى التمهل، أو تقديم مصلحة على أخرى، أو التضحية بالقليل في سبيل كسب الكثير، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح.

واسلم لي
العلماني

ملاحظة (على الهامش، فأنا أعلم بأنك لا تقصد كل هذا): يا فرحة إسرائيل بهذا الطرح الإقليمي الضيق !!! فعندما يهتم مواطن الشرق الأوسط بدولته ضمن حدود "سايكس بيكو"، فإنه يكون قد ضمن لإسرائيل مكاناً - شرعياً - في عقول شعوب المنطقة وعلى الخريطة لم يحلم به اليهود منذ 60 سنة.