{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
" قاع البئر "
bzlol غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 12
الانضمام: May 2007
مشاركة: #1
" قاع البئر "
" وكثيراً ما رأيته في مركبه العائم................‏

في ثيابه الموشاة‏

تحيط به الأزاهير وتلفه ألبسته المذهبة ......‏

وقد لاحت على شفتيه بسمة ضاحكة ....‏

قوامها الفرح والكبرياء‏

فهو كوكب ذلك العالم في زمانه ومكانه‏

أجل رأيته في قمة عصره الذهبي .... رأيت هارون الرشيد"‏

من قصيدة : ذكريات ألف ليلة وليلة‏

لالفرد تنسيون ............‏

ها انذا اليوم . أحمل مياهي الباردة وبراكيني التي خمدت منذ قرون طويلة. وأبحث عنك، عن أصابعك التي تعرف كيف تشعلني ؟ وكيف تخمد حممي؟ أدور في المدينة التي شهدت لقائنا قبل ألف ومائتي عام، أدور واستعرض الأسواق والوجوه، فلا أرى وجهك النبيل بينها، لا أرى موكبك الملكي يعلن عن مجدك العالي.‏

وقفت أمام باب بغداد، فلم أجد القوافل تمر، ولا الحرس يستعد وحين زرت قصر بناتك، لم أجد غرفة لي بين غرفه التي نامت تحت تراب وعشب ونعاس ابدي.‏

وها انذا اليوم.‏

أدور حول سور المدينة الأثري، أتلمس آجره الأحمر الجاف كلحم مقدد، ومهما حاولت لن أجد رائحة غير رائحة التراب الخامد والحجر الغشيم.‏

وفي المسجد العتيق لا شيء هناك سوى القناطر التي شاخت وبقايا المئذنة الدائرية، تمتد مثل أصبع اتهام إلى الأعلى ولا من يعبأ بها.‏

وكنت أحن إلى لياليك يا هارون الرشيد، اشتاق إلى كل ما فيها من ملذات وكبرياء وغوايات صاخبة، حيث يغلب اللون الأحمر على كل شيء، على النبيذ والدم والستائر والأضواء، وحيث تموت الأصوات والآهات في الدهاليز والأقبية والممرات الطويلة، وأنت أنت دائماً الرشيد.‏

***‏

وتبدأ الليلة المليون بعد الألف.‏

من الليالي التي فيها سفك الدماء منك مباحاً " يا هارون الرشيد أيها البدوي الذي لم تروضه عروش الذهب، ولا صبايا شيراز أو سمرقند أو قندهار... لم تحرك فيه الإنسان أوتار إسحاق الموصلي أو إبراهيم .‏

تدرك أنك كنت نطفة، ياهارون الرشيد وأنني كنت جارية مملوكة تشع من عيونها بروق غامضة تطل مثل غيم، مثل ندى، مثل قطعان من الذؤبان الجائعة، كل الذين عرفتهم أحبوني، هاموا بي، وما أن يتزوج أحدهم، حتى ينصرف عني إلى حين ثم يحن إلى قاع البئر، يتذكر مياهه الباردة، فيدعوني حين تخلو جنته الزوجية لكي احتسي معه كأس شاي معتقة من السماور التركي ذي البخار المتصاعد.‏

أكون وقتها أنا الجارية، المملوكة، الموشومة بوشم سري، قاع بئر لأحزان عمقية تجثم على الصدور كحجر الرحى الأسود، تطحن القمح والشوفان، والذرة الصفراء، أكون الملجأ الأمين، والملاذ، وهكذا كان قدري يا هارون الرشيد منهم من كان يراني طفلة مسكونة بالنار وزهر الرمان ومعتقة بالتوابل وحين يعض شحمة أذني أصرخ فتتصدع الجدارن، ومنهم من يداعب منحدر العنق إلى الجيد فأذوي كوردة القرع الغضة وهي تواجه شمس الصيف لتنعقد ثمراً جديداً.‏

ومنهم من يتعرى ليغتسل بعرق من جنابة الخيانة معي، وكلهم يحبون طقوس البركان لدي، وأنت وحدك يا هارون الرشيد عرفت كيف تخمده بضلالاتك الفاسقة، وبيدييك اللتين تلتذان بلم الحمم الفاجرة، كنت ترق، تتحول إلى غيمة من الندى النشوان تتساقط على النار فتكون برداً وسلاماً، حينها أغفو بين ذراعيك، وحين تناديني أفتح عينين كالأقحوان وأغمغم :‏

-نعم .....‏

ثم أمط شفتي .... أهمس:‏

- لماذا لا تتركني أنام في قلبك ... ؟‏

- وهذا السرير المذهب، والعرائش، والأكاليل المزهرة من ينام فيها؟‏

النوم في القلب جميل، لكن الالذ منه حين يتوسد رأسك ذراعي هذه التي بإشارة من إصبع فيها تمحى مملكة، وبإشارة أخرى يأتيني الخراج من آخر الدنيا.‏

ومثل كل المرات السابقة ألبي نداء الجسد، حين يشتد صهيله الأزلي.‏

- ما دمت لا تفكر بقاع البئر، فاليك البركان .‏

وأتطاير حمماً بين يديك، أجدني أسبح بين فراشات وفل وأسماك كحورية تمضي وهي تنثر من حولها الثمار المحرمة والخطايا والضلالات لتغوي وتفتن وتزهر بأكاليل زهرك وتنتهي في نهاية المطاف إلى مينائك الوحيد، متعبة مرهقة، تغفو.‏

وحين أصحو، أجدك يا هارون الضال تصب لي الشاي بيديك العاريتين إلا من رائحة الغالية، وتجمر لي نفس الاركيلة، وتبعد الستائر الوردية عن خديَّ، وتجري في تلك الدماء المختلطة من تركية وكردية وفارسية، فتنثر وردها على الوجنات، فأمرر أصابعي أبحث في آثارك التي خلفتها على أطلس جسدي، هذه الآثار التي لا يمكن أن تندثر.‏

وبعد مرور قرون طويلة، هأنذا اليوم يا هارون الضال أبحث عنك، أزور باب بغداد فلا أجدك،أدور حول سور المدينة فلا أجدك وأقف أمام قصر البنات، بناتك، فلا أجد غرفة آوي إليها لأنتظر قوافلك القادمة، تزلزل الدنيا، وتزرع الهيبة والخوف في قلوب الجبارين.‏

- أتراني ما زلت في قلبك مختبئة، أم أنا في عينيك أسبح وألم النجوم والأقمار...؟‏

كلماتك لا زالت تقرع أذني:‏

- من أي صلصال صاغك الله يا قاع البئر..؟‏

فأرد ضاحكة :‏

- من ياقوت وزنجبيل والقليل القليل من الفلفل الأحمر.‏

- حين أرتحل إلى مدينتي العاصمة ألا تشتاقين..؟‏

- سأشتاق ولكن ...‏

- ولكن ماذا...؟‏

-أنت قاس ورقيق كالماسة تخيفني قسوتك وأحن إلى رقتك الماسية، أنت تنثر العطر بيد وبأخرى تطيح بالرؤوس، هكذا أنت يا رشيدي.‏

- وهكذا كل الملوك .‏

- كنت أريدك حبيباً .‏

- وأنا حبيب قلبك .‏

- والملك فيك .‏

- يموت ليلاً ويصحو نهاراً.‏

إذاً أنا جاريتك نهاراً ومولاتك ليلاً.‏

في الليلة الأولى والثانية، رفضت أن أراك عن قرب أو أن تراني، فلقد كنت قادمة من براري الثلج، محمولة في هوادج النخاسين، متعبة مثل قطاة عطشى، أحن للنوم، والاسترخاء، والظلال التي تفتح كل مسام جسدي ونوافذه لاستقبل الماء الممزوج بالعطر وهو يغسل جسدي من الغبار والتعب وعرق الأيام، وبعد الحمام كنت أجلس في آخر الصالة، أراقب العمائم والرؤوس والأصابع المثقلة بالخواتم تتحرك، تتحرك بلا صوت أو حس كأنها تسير في الهواء.‏

هادئة ورقيقة كنت، ومجنونة كقطة محاصرة إذا ما أوقظني أحدهم من النوم، ولم أكن أدري أنك تقرأ العيون والأصابع والأرجل، وتعرف أسرار الصدور ومدارات الشهوات، لم أكن أدري أنني أمام عاشق مولع بأمثالي من مختلطات الدماء.‏

- ماذا يريد مني هذا الجلف المغرور..؟‏

كنت أردد أمام الجواري والخدم . فتتسع العيون من الدهشة والغربة ويتصامم بعضهم . وأنا على يقين من أن بعضهم الآخر قد أوصل إلى مسامعك ما قلته .‏

ويوم قلت :‏

- ماذا يريد مني قاتل البرامكة ...؟‏

أصفرت الوجوه غاض منها الدم، وكنت على يقين بأنك ستكون مشتاقي وستأتي إلي لأن ياء الملكية هذه ساحرة، تخلب لب الملوك ..، وجئت إلي بالتأكيد قلت لنفسك:‏

- أي نار قادرة هذه النحيلة الشاحبة على اشعالها في عروقي...؟‏

وتقدمت بجلال وهيبة، كانت الغرفة تغرق في عتمة لم تستطع أضواء الشموع الشاحبة أن تبددها :‏

- مولاي .‏

ومثل مهرة نهضت فأشرت بيد مثقلة بالخواتم والبريق، يد تعلمت أن تأمر فتطاع :‏

- أجلسي‏

وتصلبت توتر جسدي وأحسست برغبة حارة في أن أفر، ان اهرب من النافذة .وتقدمت وأنا خائفة، أرتعش، وجلست إلى جانبي، ونظرت طويلا، تفحصت أصابعي، وشعري، ثم رفعت رأسي بإصبعك المثقلة بالذهب والنار ونظرت في عيني:‏

- لك عينا جنية ورأس أميرة .‏

قلت بصوت أجش، بارد النبرات، خال من أي تغبير ثم أردفت وأنت تعتصر شفتي السفلى بين السبابة والإبهام حتى أدميتها، ولم أتأوه فتابعت:‏

- لك شفتان نهمتان .‏

قمت من مكانك مخلفا ورائك عاصفة من العطر والخوف والجلال وعند الباب توقفت قليلاً وقلت :‏

- احتفظي بلسانك لي فأنا أحب الألسنة السليطة .‏

ثم أختفيت بين دهاليز القصر وممراته.‏

***‏
10-20-2008, 05:49 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
" قاع البئر " - بواسطة bzlol - 10-20-2008, 05:49 PM
" قاع البئر " - بواسطة bzlol - 10-20-2008, 05:50 PM,
" قاع البئر " - بواسطة coco - 10-20-2008, 09:09 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  " إتقابلنا " من وحى قصيدة " عاشق " قطقط 1 1,582 04-01-2009, 11:58 PM
آخر رد: قطقط
  تعرّف على الفرق بين استخدام "إذاً" ، و استخدام و"إذن" Awarfie 10 3,234 03-13-2009, 05:54 PM
آخر رد: Awarfie
  قصيدة "صفي الدين الحلي" Basic 2 1,716 11-10-2008, 11:19 PM
آخر رد: عادل نايف البعيني
  (بدر الناصر) أشعار لا تخلو من "الكفر" بن الكويت 7 8,547 06-19-2008, 05:13 AM
آخر رد: بن الكويت
  قصة حدثت غدا" : نيقولا ديب 1 598 04-19-2008, 04:55 AM
آخر رد: نيقولا ديب

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS