coco
عضو رائد
    
المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
|
نجمة الذاكرة
الحرية ( إشارات وإضاءات )
قصة بسيطة في الصياغة كما تبدو للوهلة الأولي ولكنها تشي بعمق كبير فلنحاول أن نتوغل فيه
لنظر كيف صاغت الكاتبة قصتها
استعملت الكاتبة ضمير الغائب في السرد وهذا مناسب للرسالة التي تريد توصيلها للمتلقي ولم تذكر اسم البنت في قصتها أبدا وإنما أشارت لها بـ ( البنت ) وكأنما تؤكد فقط علي هويتها الجنسية ( المؤنثة ) وفي المقابل تذكر اسم الأستاذ القطب المعارض بالاسم ( فاروق ) ( المذكر) وهو الذي يتمتع بذاكرة قوية ويمارس تمارين تقوية الذاكرة مع طلابه , والذاكرة هنا ترمي إلي الوجود في العالم بشكل فعال و نشط , وضعف الذاكرة يعني عدم الفعالية والانفتاح علي العالم , لا تحيل القصة علي متكأ آخر لأسباب النسيان اللهم إلا ما ورد من هذا التعارض بين المذكر والمؤنث وبذلك تتحدد الرسالة بواقع حضاري لا يكون ( للبنت ) فيه دور قوي وفعال ونشط , وحني لو جاهدت الكاتبة في إخفاء هذه ( التيمة ) إلا أنها تنفلت من بين أصابعها إلي الورق , دائما المذكر هو الذي يمارس السلطة ( الأستاذ ) الذي تختفي منه لضعف ذاكرتها حين يمارس تمارينه المفاجئة وتسميها في قصتها ألعاب رعب والصيدلي صديق الأب والآخذ مكانه في وعي البطلة يمارس سلطة أخلاقية , إذن وكما أسلفت كان لاستعمال ضمير الغائب في السرد علاقة عضوية مع الرسالة , ذلك أن حالة النسيان ليست حالة طارئة وإنما حالة دائمة لا تنفع معها تمارين الذاكرة أو نوعية الطعام أو الأدوية ولكنها حالة ناشئة عن غياب المؤنث وكما سبق وأن أشرت في تعليقي علي بعض أقصوصات نفس الكاتبة أن القضية النسوية عندها تطرح بصوت هادئ لا نجد فيه ضجيج المدافعات عن حقوق المرأة وصوتهن الذي يكاد يصم الآذان.
تطور الكاتبة قصتها بتلك المحاولات المستميتة للبطلة في الوجود في العالم , العالم الذي يصر علي تغييبها بأن تضع نجمة علي كفها لكي تنعش ذاكرتها الضعيفة في ( المشهد القصصي ) وتدهش الآخرين بطريقة لاوعية للسؤال عن سبب النجمة ولكي تلفت نظر مجتمعها المغيبة فيه للوضع القاسي الذي تمر به الأنثي ( في المضمون )وفي نفس الوقت تتحول نجمة ذاكرتها إلي وضع أقسي ذلك أنها أصبحت مستباحة الذاكرة من الجميع وأصبح ما يجول بداخلها مشاعا وملكا لمجتمعها ولا تستطيع أن ترتكن إلي ذاتها وأن تكون لها الخصوصية الداخلية كالآخرين وأن تملك السياج الذي يحميها كذات من التطلع إلي داخلها , وكان لاستعمال رمز النجمة من الدلالة ما يوحي بالرغبة في لفت نظر الآخرين بما للأنثي من وجود قعال والعلو معا .
نهاية القصة جيدة , ربما يكون الحل في الحب ذلك المعني العميق الذي يصنع كينونة الإنسان في العالم ويكشف ذاته الحقيقية , في الحب فقط لا تخجل الأنثي من ضعفها ذلك أنه له معني وأنه حرية حقيقة ولا تنجرف القاصة مع بعض الكتابات النسوية التي تعلي من المرأة وحقها أن تقف إزاء الرجل سواء بسواء في موقف الحب بل تنطلق من معرفة بدور الرجل في العلاقة وأنه يحرر المرأة وأن للمرأة أيضا دورا وهو صنع حرية الرجل بتوحدهما معا وكأنهما كائن واحد له وجهين وفي ذلك قيمة الحب الحقيقية عنها, وبذلك يتحول التغييب إلي لعبة بين الحبيبين يراجع ( الوجود والعدم لسارتر) لمن يريد الاستزادة في تحليل تلك العلاقة الأنطولوجية الغريبة الفصل الثالث ( العلاقات العينية مع الغير ) , تتحرر البطلة إذن من تلك النجمة التي تمثل لها حالة الغياب ومحاولة لفت نظر الآخرين معا ولكنها ترسم نجمة جديدة وتغيب فيها , تلك النجمة الجديدة هي نجمة الحب
ولن أخرج بطبيعة الحال قبل أن ألقي بعض النصائح , من الأفضل أن تتخلي الكاتبة عن استعمال ضمير المتكلم حتي أثناء الجمل الحوارية وتصيغها بضمير الغائب حتي يظل ضمير الغائب مسيطرا لتشخيص حالة الإهمال والتغييب التي تلاقيها البطلة فقط يبقي في الجزء الأخير عند سطوع الحب وامتلاك الحرية , أنا ككاتب أفضل ذلك في البناء وأراه أجود وربما يناقضني البعض بأن استعمال ضمير المتكلم في الجمل الحوارية هو نوع من المحاولات التي تبذلها البطلة للتحرر ولكن هذا تقضيلي ككاتب وليس كنافد , كذلك فإن جملة مثل هذه
(ماذا يعني أن تعيش بذاكرةٍ ضعيفة؟ّ ) أفضل أن تدمج في النص بطريقة قصصية لأنها توحي بالمباشرة .
أرجو أن تستمتعوا بتلك القصة البسيطة في الظاهر العميقة في الباطن
كوكو
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 10-23-2008, 11:19 PM بواسطة coco.)
|
|
10-23-2008, 10:24 PM |
|