Ishtar
عشتار هي النسخة الاكدية عن اينانا السومرية، وهي تتشابه مع الالهة Astarte. بمعنى اخر يمكن القول ان Anunit, Astarte, Atarsamain, هم من الاسماء الحسنى لعشتار. ابناء عشتار بالاشتراك مع الإله Nannar/Sin, كانوا يعيشون في البداية، في ارض انليل. الاسم الاول من السومرية في حين الثاني جاء من الكلدانية وهم شعب من الساميين ، هاجروا الى سومر من الجزيرة.. في اللغة الاكدية يضاف [sh] الى نهاية الكلمة من اجل كلدنتها، مثلا Anu تصبح Anush. ومع الزمن تندمج الاسماء القديمة بحضارة جديدة فتتعدد الاسماء الحسنى للاله القديم، او تصبح الصفة اسما لإله جديد عندما يقتبس شعب اخر كلمة من لغة مغايرة عنه
نموذج معبد الحب
عشتار ، في معابدها، توجد منظومة هرمية، على رأسها يقف من يسمون entu, ويملكون ملابس ورموز خاصة بهم، من اجل تسهيل تمييزهم عن غيرهم، تماما كرجال الدين اليوم. اغطية رؤوسهم وحليهم لاتختلف عن مايلبسه الحكام، ومنزلتهم كانت بمستوى منزلة رجال الدين الذكور. هذه المجموعة من الاناث تأتي من عوائل ارستقراطية ليبذلون حياتهم على خدمة الربة، يبقون بدون زواج وبدون اطفال. المنزلة التالية كانت لمن يسمى naditu, وهم لم يكن يبالون بالقواعد وكانوا يعيشون الحياة بكل نشاط. لقد كانوا "يتنافسون مع بقية التجار: كانوا يبيعون ويشترون ويؤجرون ويستوردون ويصدرون ويتاجرون بالعبيد ويديرون الاراضي والعبيد ولعبوا " فوم" وكانوا جزء مهم من اقتصاد البلد" . المجموعة الثالثة كانت تدعى qadishtu (الرجال المقدسين) والعديد منهم تخصص في الفنون والرقص والموسيقى والغناء. هذه النساء كانت تعبر عن حاجاتها الجنسية وتغطي عليها من خلال " رقص البطن" الذي لازال مميزا للشرق الاسلامي، وشائعا خصوصا بين الاوساط المحافظة. يكتب Wendy Buonaventura "كل الدلائل تشير الى ان رقص البطن قد ولد مع الطقوس القديمة في العالم القديم". هذا الرقص التعبيري كان يرمز للحية، واخذ طابع اكثر وضوحا في الرقص الهندي، وهو امر يتشابه مع الرموز التي وصلتنا عن عشتار.
عدا عن ذلك، وصلنا عن هيرودوتس " المعبد البابلي.. تجبر كل امرأة مرة في حياتها ، ان تجلس في معبد الحب وتمارس الجنس مع احد الغرباء.. الرجل يمر بينهم ويختار. لايهم مقدار المال، فالمرأة لن ترفض ابدا، لكون الرفض خطيئة، والمالي الذي يأتي من هذا العمل هو مال مقدس. بعد مثل هذا الجماع تصبح بنفسها طاهرة وتعود الى بيتها ولاتحتاج ان تكررها مرة اخرى. (تماما مثل وظيفة الحج). لذلك هؤلاء النساء النحيفات والطويلات، سيتمكنوا قريبا من العودة الى ديارهم بعد ان يتموا الطقس الجنسي، ولكن من الواضح انهم يضطرون الى الانتظار طويلا الى ان يتمكنوا من تحقيق قانون الشريعة، لان الكثير منهن مضى على وجودهن في المعبد ثلاث او اربعة سنوات. مثل هذا الامر يوجد مايماثله في قبرص". ومن المثير ان الصحف السومرية المتأخرة لاتنصح بالزواج من نساء المعبد، الذين آدوا واجبهم الديني " البغي الديني المقدس"، لكونهن " عدا عن كونها قادرة على قبول ذكور اخرى، ستكون غير متعاطفة وغير قابلة للاخضاع". إضافة الى ذلك كانت تصور العاهرة على انها امرأة من الصعب السيطرة عليها او اقناعها بقبول التبعية والانصياع، تماما مثل العاهرة الممتلئة بالشعر التي استأجروها من اجل تأهيل انكيدو، تصف الصحف الطينية الحدث فتقول:
" و (انكيدو) صعد على نضوجها
هي لم تكن خجولة عندما استقبلت اندفاعه
هي وضعت ملابسها على طرف وهو صعدها
هي عاملت، هذا المتوحش، كما ينبغي للمراة
وحبه غرق فيها
الزواج المقدس
في معبد الحب كان يجري الزواج المقدس بين الكاهنة والملك. هذا التزاوج بين الرموز الدينية والرموز الدنيوية، اصبح سمة من سمات الشرق حتى اليوم. لقد كان هذا الطقس هو قمة الطقوس في الديانات القديمة. من خلال هذا الطقس جرى تقديس الخصب وانزاله من الالهة في علاها الى الانسان، رحمة ورافة، وإشارة على رحمة الالهة بالارض وسكانها. هذا العمل يرمز الى ان الالهة اعطت رحمتها للملك الذي لن يستطيع حمل الخصب الى الارض والانسان بدون هذه الرحمة، وقوته الجنسية دليل على استمرار تفويضه من قبل الالهة.
هذا الطقس كان يتوافق مع قدوم الربيع، ولذلك نجد احتفال نوروز لازال حيا حتى اليوم في تقاليد وعادات شعوب المنطقة. في العصر القديم كان الرجال والنساء يقومون ، في هذا العيد، بالاستحمام ودهن اجسادهم بالزيت والعطور. كانوا يكحلون عيونهم ويرسمون بالوشم على وجوههم ويلبسون الحلي. يقدمون في احسن حليهم حاملين معهم النبيذ والعطايا من العطور والبخور الى الالهة. الاحتفالات كانت تجري عند المعبد في بابل. في الاعلى يتقدم الملك بإتجاه عشتار وفي الاسفل ينشد الشعب الاناشيد الايروتيكية المقدسة التي تهيئ الجو للنكاح الملكي الالهي، يقول النشيد:
عندما لاجل الثور المتوحش، الاله، انا يجب ان احصل على فراش، عندما من اجل الراعي دموزي، انا يجب ان احصل على فراش، ... عندما، مع حجر الكهرمان في فمي، انا يجب ان استلقي، عندما، مع .. في عينيي، انا يجب ان اصبح مصبوغة.
المواقعة الجنسية المقدسة تحدث في قلب المعبد. هناك يكون الملك في انتظار عشتار او رئيسة الكهنة لتقترب وتأخذه. هناك وثيقة تصف كيف يتحول الايمان في تلك البقعة المقدسة الى ضوء نهار ويحول الملك الى إله الشمس" حرفيا ورمزيا". تصف الوثائق قدرة عشتار على استخدام قوة الجنس لخلق الالهام والتحول الايجابي. هذا الالتحام بين الجنس، الخصب، والحياة الروحية كانت نواة الديانة السومرية.
بوابة عشتار المؤدية الى معبد الحب
الربة عشتار تمثل الكوكب فينوس، ثنائية القطب لدى عشتار يمكن توضيحها بكون فينوس نجمة الصباح ونجمة المساء. في اللغة السومرية تسمى "MUL.DILI.PAT" وتعني النجمة المتميزة.
يكتب فراس السواح في كتابه ، لغز عشتار (ص 292) "ففي شكلها الأقدم كانت عشتارُ روحًا للنبات، تقضي جزءًا من السنة في باطن الأرض، وجزأها الآخر في نُسَغ الحياة النباتية، إلهةً مزدوجة تمثِّل العالمين وتنتقل بينهما، دون أن تفقد بانتقالها إلى واحد تأثيرَها على الآخر. وعندما أخذت بالخروج من مملكة الطبيعة والتحول تدريجيًّا إلى سيدة لها، بدأت صورتُها المزدوجة بالانقسام، وظهرت بدلاً عنها صورةُ الأم والابنة، حيث تابعت الأمُّ مسيرتَها نحو الأعلى، لتأخذ مكانَها أخيرًا بين آلهة السماء، وتركتْ ابنتَها حبيسةَ الحياة الطبيعية ودورة الإنبات السنوية. إلا أن هذا الانقسام لم يتم تكريسُه نهائيًّا، وبقيتِ الأمُّ ديمترا والابنة پرسفوني، في المستويات السرَّانية للأسطورة، اثنتين في واحدة وواحدة في اثنتين. أما في الميثولوجيا التي لم يُقيَّض لها أن تتابعَ خطَّ تطورها الأمومي، فقد تحول شقُّ عشتار الآخر إلى ابن أسلمتْه إلى دورة الطبيعة وتابعت مسيرتَها مع آلهة الذكور نحو الأعلى. إلا أنها هنا أيضًا قد بقيتْ متحدةً معه عند المستويات السرَّانية للأسطورة، وبقي تموز، شقُّها الآخر وجانبُها الذكري الكامن، معكوسًا نحو الخارج".
الكلمة السومرية Inana/Inanna تعني السيدة آن العظمى، حيث آن تعني ربة السماء، في حين ان معنى كلمة عشتار غير معروف لنا. وعلى كل حال فالكلمة سامية. أينانا كانت المعبود الاول في اوروك، في العصر السومري المُبكر. في الاساطير والملاحم والتراتيل كانت عشتار عذراء تُمثل قوة الحياة. وقوتها على الاخص بسبب احتوائها طيفين من اطياف الحياة هما طيف الخصوبة والرغبات الجنسية ولذلك فهي قادرة ايضا على اصابة الارض واهلها بالعقم والجدب. وطيف ربوية الحرب والصيد، خصوصا عند المحاربين الاشوريين. قبل المعارك كانت عشتار تظهر امام الجيش (تستعرضه) بلباسها وراياتها حاملة القوس والرمح (تشابه اثينا الاغريقية). الربة عشتار كان لها عدة بيوت (على نمط بيوت الله)، منها E-Anna, " بيت الواحدة الاحد" في اوروك وبيت E-makh, " البيت الكبير"، في بابل وبيت العطايا E-mash-mäsk, في نينوى. وفي هذه البيوت الربوية كانت النساء تخدمها فيما يعرف بطقوس الزنى المقدس (مفهوم انتقل الى اليهودية وكان يمارس حتى لدى العرب قبل الاسلام). على العكس نرى ان عشتار في الفترة البطرياركية المتأخرة اصبحت عذراء وان النساء اللواتي في خدمتها لم يعد لهن حق الزواج طالما انهن في خدمتها. لقد جرى تغيير وظائف عشتار لتتناسب مع المفاهيم الجديدة التي تطورت بتحول المجتمع الى مجتمع بطرياركي يحكمه الرجل المقاتل.
اينانا كانت تمثل ايضا الوظائف المميزة للمرأة في ذلك العصر، لقد كانت ربة الجعة، وسيدة الحانات، والفلاحة التي تعتني بالحيوانات. من هنا نرى ان ذكر عشتار كان موجودا في اغلب ايام الحياة في العصر الذي جاء فيه جلجامش. لقد كانت رسومات اينانا على العديد من المزهريات القديمة. الصور تمثلها في ملابسها الحربية وحاملة لسلاحها او ملابسها العادية الطويلة، وتحمل تاجها على رأسها والى جانبها نجمة ثمانية. كما تم العثور على لوحاتها وهي عارية تحمل طفل او تمد ذراعيها على شكل صليب. اينانا كانت جزء من ثالوث مقدس، يختلف عن الثالوث الذي ذكرناه سابقاً. هنا نراها الى جانب رب القمر Nanna / Suen (Sin في الاكدية), ورب الشمس Utu (Shamash في الاكدية), Inanna / Ishtar. القمر يرمز الى الحكمة، والشمس ترمز الى العدالة في حين ترمز الارض الى الحياة. الثالوث السابق كان يتألف من الرب En, ويرمز الى السماء، والرب اينكي ويرمز اعماق الماء وانليل الى الارض.
Dumuzi .... يتبع