الفاصلة اليوحناوية
الشق اللاهوتى
القضية الاولى: طبيعة الكتاب المقدس
بدايةً , الكتاب المقدس يحوى شيئين: الرسالة , الحرف الذى صاغ الرسالة. هذه الرسالة مُقدسة , بينما الحرف الذى صاغ الرسالة ليس مقدس. لذلك قلت سابقاً ان الكتاب المقدس ليس مقدس لذاته , اى ليس مقدس لأن حروفه و عباراته و جمله و صياغته مقدسة , بل لأنه يحوى الرسالة المقدسة. تماماً مثل التقليد الرسولى , و الذى خلطت بينه و بين التقليد الكنسى رغم تحذيرى من هذا سابقاً , هو مُقدس ليس لأن ناقليه و حامليه مُقدسين , بل لأنه يحوى الرسالة المقدسة. كذلك المجامع و الليتورجيا و الفن المسيحى , كل هؤلاء على قِدم المساواة بالكتاب المقدس , فجميعهم ليس مُقدس لذاته , بل مُقدس لأنه يحتوى على المُقدس , الا و هى الرسالة المسيحية نفسها. لهذا نرى فى الكثير من القوانين الكنسية المُبكرة , مُساوة تامة بين كتب الكتاب المقدس و كتب الآباء القديسين (مثل القانون 68 من مجمع ترولو)!! بينت فى الفصل الاول من كتابى , و بعدة شهادات , كيف ان تدوين الحرف كان هدفه الأول هو عدم نسيان الرسالة المسيحية الشاملة , بأمثلة عديدة لتدوين انجيل يوحنا و مرقس , و أمثلة أخرى غيرهم يشهد لها التاريخ.
لهذا , فمصدرية التعليم المسيحى فى الإيمان المسيحى , هو الكنيسة المسيحية اولاً. فالكنيسة المسيحية موجودة قبل ان يُوجد الحرف , و الكنيسة المسيحية تسلمت الإيمان من المسيح و تلاميذه و تلاميذهم , ليس على أساس حرف المسيح , بل على اساس رسالة السيد المسيح. و فى مقالة سابقة , بينت كيف ان كتبة البشارات أنفسهم , لم يلتزموا بحرف المسيح نفسه , لأن حرف المسيح ليس هو المصدر لإستقاء التعليم , بل المصدر هو السيد المسيح نفسه. ليس حرفه , و لكن رسالته. تماماً كما عبر لوقا قائلاً:" اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ" (أع 1 : 1 – 2). فهذا هو "إنجيل لوقا" , ليس حرفه , و إنما فعل و تعليم يسوع حتى صعوده. وجود الحرف كوالد للإيمان , هو واقع غير حقيقى على الإطلاق. و ايضاً قد بينت سابقاً , كيف آمن استفانوس و استشهد لأجل المسيح , دون ان يكون لديه حرف مكتوب , حيث يذكر لوقا:" أَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ». فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ لاَ تُقِمْ لَهُمْ هَذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هَذَا رَقَدَ" (أع 7 : 55 – 60). هل كان لديه حرف ليؤمن؟! هل كان لديه كتاب مسطور به ليستقى إيمانه منه؟! على الإطلاق , لم يكن لديه حرفاً يستقى منه رسالته!! و هذا يقطع , بكل السُبل , أن الرسالة المسيحية كانت قائمة دون قيام الحرف!! بل لنرى , هل آمن الأقدمين عن طريق الحرف , ام عن طريق الرسالة؟! لننظر الى عظة بطرس يوم الخمسين:" فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ لِيَكُنْ هَذَا مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِي لأَنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ. بَلْ هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ. يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً. وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضاً وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ. وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَآيَاتٍ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ: دَماً وَنَاراً وَبُخَارَ دُخَانٍ. تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ. وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ». «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هَذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ. هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ. لأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ: كُنْتُ أَرَى الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ أَنَّهُ عَنْ يَمِينِي لِكَيْ لاَ أَتَزَعْزَعَ. لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضاً سَيَسْكُنُ عَلَى رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ. أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَاراً عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ. فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَاداً. فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذَلِكَ. وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ الآبِ سَكَبَ هَذَا الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ. لأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاوَاتِ. وَهُوَ نَفْسُهُ يَقُولُ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ رَبّاً وَمَسِيحاً». فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَسَائِرَ الرُّسُلِ: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟» فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلَهُنَا». وَبِأَقْوَالٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ قَائِلاً: «اخْلُصُوا مِنْ هَذَا الْجِيلِ الْمُلْتَوِي». فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا وَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ. وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ." (أع 2 : 14 – 42).
أخبرنى عزيزى , هل ما قاله بطرس هذا حرف ام رسالة؟!
ليعلم القارىء , ان هذا الرجل عاين المسيح , عاش مع المسيح , ليلاً و نهاراً مع المسيح. و الآن انظر لعظته هذه و أخبرنى: هل نقل حرفاً واحداً عن فم المسيح؟!!!!
كلا , لم ينقل حرفاً واحداً عن فم المسيح , بل نقل رسالته , نقل خلاصه , نقل مهمته التى تجسد لأجلها. و مع هذا , و رغم انه لا يُوجد حرف مكتوب , ولا يُوجد ما أسماه الزميل "منطوق المسيح" , فنجد هؤلاء القوم "نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ" ثم "قَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا وَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ. وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ". أليست هذه هى الرسالة المسيحية التى نُعلم بها اليوم؟! أو ليس هذا هو عين الكرازة المسيحية فى كل أزمنة و عصور الكنيسة المسيحية؟!!!
بل ان العهد الجديد نفسه , يشهد قائلاً:" فَكِّرْ بِهَذِهِ الأُمُورِ مُنَاشِداً قُدَّامَ الرَّبِّ أَنْ لاَ يَتَمَاحَكُوا بِالْكَلاَمِ words، الأَمْرُ غَيْرُ النَّافِعِ لِشَيْءٍ، لِهَدْمِ السَّامِعِينَ" (2 تى 2 : 14) , "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ words الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالاِفْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ" (1 تى 6 : 4).
العهد الجديد يشهد , أن الكلمات غير نافعة لشىء , بل إنها تهدم السامعين. العهد الجديد نفسه , يُقر بأن التقوى هى فى "التعليم" , بينما نراه يُشير الى الحروف بأنها شىء جدلى!!! بالتأكيد , ولا ننتظر غير هذا , فهو الكتاب الذى قال ايضاً:" وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ إِذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ لاَ بِعِتْقِ الْحَرْفِ" (رو 7 : 6) , "لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ. لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلَكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي" (2 كو 3 : 6). إن التحرير المسيحى , لا يقف عند حد العتق من عبودية الناموس , و لكنه إنطلاق نحو الله لا يُقيده الحرف القاتل!!
انا لا أُلزم احد ان يؤمن بقدسية هذا التعليم , و لكن إن كنت تعتبر المسيحية الأرثوذكسية هى فكر بشرى بحت , فأنت مُلزم بقبول هذا التعليم , لأنه فكر هذه المسيحية الارثوذكسية , ولا مفر من قبول واقعيته فى تاريخها!
القضية الثانية: مصدر التعليم الكنسى , شفاهيةً ام كتابةً ام كلاهما؟
اول أمر يجب ان ينتبه له زميلنا و قارئنا , هو انه لو ان الكنيسة المسيحية تؤمن بقدسية الحرف , كما يدعى الزميل و فيما سنُثبت بطلانه الآن , لما إتبعت شىء اسمه "التعليم الشفاهى". بديهياً , فإن التعليم الشفاهى لا يرتبط بحدود معينة , ولا يرتبط بتدقيق مُعين , ولا يرتبط بشواهد معينة , ولا يرتبط بإلتزامات تُحد ما يُذكر. هذا الخلاف بين الحرف و الإرتجال , لا يُمكن مهما حدث , هدمه او إزالته.
و بالتالى , فكون ان الكنيسة المسيحية قبلت الإرتجال فى نشر الرسالة , فهذا يعنى ببساطة أن الحرف غير لازم لها , و غير مُهم لها. قبول الكنيسة المسيحية للإرتجال , يشهد بقوة الى ان الحرف لا قدسية له , و الى ان التقيد بحدود فى نشر الرسالة لا وجود له.
الآن , فإن اول ما يجب ان نعلمه عن طبيعة هذه المنهجية , هو هل هى من إختراع آباء الكنيسة , او هى من إختراع الكنائس المسيحية اليوم , او هل هى من إختراع فادى؟! مرة أخرى , أعود الى عظة بطرس , و أُذكر زميلنا و قارئنا , بأنه لا يُوجد حرف واحد نطقه المسيح , أخبر به بطرس ثلاث آلاف انسان , بل إن تعليمه كان إرتجالياً بحت. تعليماً عاشه و عاينه و آمن به و شهد له أمام هؤلاء البشر من كافة الأجناس!! ليس بطرس فقط , بل عبر سفر أعمال الرسل بأكمله , لا نرى التقيد بالحرف ابداً فى نشر الرسالة المسيحية. كم عظة وردت فى أعمال الرسل؟ و كم كرازة قامت فى أعمال الرسل؟ رحلات و رحلات كرازية , لا نرى أثر فيها لأى تقيد حرفى. بولس رسول المسيحية الأول , لم يلتزم بحرف ابداً , بطرس لم يلتزم بحرف ابداً , يوحنا و برنابا لم يلتزما بحرف ابداً. على العكس تماماً , حينما حاول بطرس ان يعود الى عبودية الحرف الناموسى , و هو قد رجع عن هذا و ندم , رأينا بولس يُجاهره بأنه مُرائى!!! فالعهد الجديد نفسه , يشهد قائلاً:" فَاثْبُتُوا إِذاً أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا" (2 تس 2 : 15). حرف مكتوب , رسالة شفوية , فلا قداسة لكليهما , بل القداسة و كل القداسة للرسالة نفسها!!
بل دعونى أُوجه هذا السؤال المفتوح: هل طلب السيد الرب من تلاميذه ان يكتبوا؟!!! هل طلب منهم ان يُسجلوا شيئاً مُدوناً؟!!!! كلا , كانت وصيته لهم:" فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (مت 28 : 19) , "وَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا." (مر 16 : 15).
نخرج من هذه الشهادات , بأن التعليم الإرتجالى الذى يشهد للرسالة المسيحية بشكل عام , هو تعليم الرب نفسه , و رسل الرب أنفسهم , و ليس من إختراع الكنيسة المسيحية ولا من اختراع فادى!!
النقطة الثانية فى هذه القضية , و هى الخلط بين التقليد الرسولى و التقليد الكنسى. حذرت من هذا الخلط سابقاً , و أكدت على انهما شيئين مُختلفين , و مع هذا رأيت زميلنا يقول:" ويكفي للقارئ الإطلاع علي اي كتاب بروستانتي يهتم بنقد التقليد"!!!
التقليد الرسولى هو المجرى الذى يسير فيه كل منابع الرسالة المسيحية , لا مجال أصلاً لأن يرفض اى مسيحى مفهوم "التقليد الرسولى". أما التقليد الكنسى , فهو الخاص باللاهوت الطقسى لكل كرسى رسولى. التقليد الكنسى هذا هو ما نجد فيه الإفتراق بين اللاهوت البروتستانتى و لاهوت الكنائس الرسولية. و قد قلت سابقاً و أكدت , ان التقليد الرسولى شىء , و التقليد الكنسى شىء. و رافضى التقليد الكنسى لا يرفضون التقليد الرسولى , و أكدت ان دساتير إيمان كنائس الأرض قاطبةً , تؤمن بالتقليد الرسولى إيمان قاطع. يستطيع زميلنا و قارئنا مُراجعة مُقدمة كتاب شبهات وهمية كمثال , و خاصةً فى إثبات قانون العهد الجديد , ليرى إيمان الكنائس الإنجيلية بالتقليد الرسولى. و أضع بين يدى القارىء هنا , شهادة الكنيسة الفاتيكانية فى "الوثائق المجمعية للمجمع المسكونى الفاتيكانى الثانى" , حيث نقرأ:"تشهد أقوال الآباء القديسين بحضور التقليد المُحيى الذى يفيض من ثرواته على أعمال الكنيسة و حياتها و إيمانها و صلاتها. فبفضل هذا التقليد يتضح للكنيسة قانون الأسفار المقدسة بكامله , بفضله ايضاً تفهم الأسفار المقدسة نفسها فهماً أعمق , و تُصبح فعالة بإستمرار. و هكذا فإن الله الذى تكلم قديماً , لا يزال يكلم خطيبة ابنه الحبيب و الروح القدس الذى بفضله يدوى فى الكنيسة و بواسطتها فى العالم صوت الإنجيل الحى , يقود المؤمنين الى كل حق , و يجعل كلمة المسيح تحل فيهم بغزارة" (المادة و ل 8).
التشكيك فى ايمان الكنائس المسيحية بالتقليد الرسولى , هو أمر ساذج يستحيل إثباته , لأن الإيمان الجامع للكنيسة المُقدسة ثابت فى دساتير الكنائس المسيحية!!
لن أُعلق على مفهوم زميلنا للتقليد , الذى قال عنه بأنه:" ان التقليد لا يؤخذ من إجماع الآباء وإنما يؤخذ من بحث أسباب الخلاف أو الإتفاق"!!!!
و أنا لست على إستعداد لأن أشرح التقليد الرسولى من بداياته الى نهاياته , و أُحيل زميلنا و قارئنا الى كتاب "علم اللاهوت العقيدى , الجزء الأول" لعالم الكنيسة القبطية موريس تاوضروس , خاصةً الباب الخامس "التقليد الرسولى". أو الى كتاب الأب متى المسكين "التقليد و أهميته فى الإيمان المسيحى" , لدراسة مفهوم التقليد الرسولى المسيحى , و ليس المفهوم المتأسلم الذى وضعه زميلنا!!
كذلك , أنا لست مستعداً للرهان على قضية خاسرة , و هى مفهوم الآباء لإستحالة قدسية الحرف. فانا أثق أن هذه قضية خاسرة لمن يُريد مُضادتها , و سأذكر فيما يلى طرفاً من كتابات الآباء التى تشهد لتقديس التقليد الرسولى نفسه لا الحرف المكتوب:
اوريجانيوس: تأملات على المزامير 1 : 4 , تأملات على ارميا 39 , تأملات على متى 16 : 12 , على حزقيال فصل 10.
جيروم: الرسالة 27 , تأملات على حزقيال 1 : 1 , الرسالة الى جالات , الرسالة 48 الفصل 8 , مقدمة رسالة فليمون.
باسيليوس: عن الإيمان , الفصل السادس.
امبروسيوس: عن الأرملة فصل 1 , 2.
غريغوريوس النيسى: ضد يونيموس , فصل 12 , على المزامير 2 : 11.
غريغوريوس النزينزى: الخطب اللاهوتية 2 : 105.
ذهبى الفم: على التكوين 15 : 1 , على رؤية الرب 2 : 2.
اغسطينوس: عن الزنا 18 – 21 , عن المونارشيين فصل 7.
و يكفى للقارىء , ان يُتابع أعمال أثناسيوس ليرى كيف ان التقليد الرسولى هو المصدر للتعليم المسيحى. هؤلاء الآباء المذكورين هم مجرد طرفاً , من كوكبة آباء الكنيسة الذين آمنوا بالتقليد الرسولى المسيحى. ولا أحتاج لأن أكرر , بأنه لا يُوجد أحد فى آباء الكنيسة نادى بقدسية الحرف ابداً!!!! على اى حال , سأضع بعض هذه النصوص و غيرها تباعاً.
فهل فعل أغناطيوس الأنطاكى؟!
لمن لا يعرف , فإن أغناطيوس الأنطاكى هو "أب الكنيسة" , لأنه اول من تكلم عن الدور الفعال للكنيسة الرسولية فى المجتمعات المسيحية. ولا يُمكننا ان نقول بأنه يُنادى بعصمة الحرف او بقدسية الحرف , للحرف ذاته!! بل إنه يُنادى بعدم إهمال الكتاب المقدس فى دور الإنسان المسيحى , لا بقدسية الحرف!! و الدليل على ذلك هو أنه يقول:" المخطوطات بالنسبة لى هو يسوع المسيح , المخطوطات هى صليبه و موته و قيامته و الايمان الذى من عنده , بهذا اريد ان اتبرر بصلاواتكم". فهو لا يتكلم عن حرف المخطوطات (و إن كانت الترجمة الدقيقة هى "الكتب المقدسة") , و إنما يتكلم عن التعليم الوارد بها: صليبه و موته و قيامته و الإيمان الذى من عنده!!!
على أية حال , فإن معنى هذه العبارة هو أمر مشكوك به جداً , على حد تعبير فيليب تشاف و فريقه فى الترجمة. ذلك ان هناك مخطوطات للرسالة تقرأ ما يُشبه النص المُطول للرسالة , و الذى يقلب مفهوم النص رأساً على عقب , اذا قرأه اى قارىء!!!!!!!!!!
ANF , Vol 1 , P. 84
الأمر الذى لم يلتفت له زميلى , هو أننى لا أقول بان الكتاب المقدس ليس مُقدس!!!! ولا أقول بانه ليس مصدراً للتعليم المسيحى المُستقيم , و الذى رأيت مُحاولات فى إظهاره بتقديم الآباء على انهم يستشهدون بالكتاب المقدس!!!!
هذا تطرف عجيب و غريب , فأنا اؤمن بما يشهد له هذا الكتاب , و اؤمن به مُقدساً و ليس كما تُحاول عزيزى ان تُبين , بأننى أُهمش دور الكتاب المقدس فى حياة الإنسان المسيحى. فلا أرى اى داعى , للقول بأن الآباء كانوا ليشهدون لعقيدتهم بالكتاب المقدس , هل ترانى أُخالف هذا المبدأ؟!! انا استشهد بالكتاب المقدس لأنه سلطة authority , و لكن سلطته ليست أعلى من سلطة الكنيسة المسيحية , بل أقل منها!!
القضية الثالثة: الآباء و سلطة التقليد و سلطة النص
" العقائد والممارسات التي تقبلها وتحفظها الكنيسة بعضها يستند على التعليم الكتابى والبعض قبلناه سرًا وهو تسليم الرسل وهذان هما دعامة الإيمان الصحيح ولهما نفس القوة" باسيليوس الكبير عن الروح القدس 2 : 27.
هكذا تؤمن الكنيسة المسيحية بالتقليد , وتعتبره جنبًا إلى جنب مع الكتاب المقدس مصدرًا للإيمان وللحياة المسيحية لكل أعضاء جسد المسيح.
ونقصد بالتقليد كل الحقائق الإيمانية التي كُشفت وأُعطيت بواسطة الإله المتجسد الابن "وكلمة الله" تلك التي سلمها هو لتلاميذه ورسله القديسين. هذه الحقائق الإيمانية الفريدة قد تمت صياغتها بواسطة آباء الكنيسة وبإرشاد من الروح القدس في المجامع المسكونية، كعقائد وقوانين إيمان. وبالتالى فالتقليد يمثل حس الكنيسة الواعى وتدبيرها الأصيل ، الذي ينعكس لا فى عبادتها الليتورجية فقط بل وبصفة عامة في حياة المؤمنين وأفعالهم. وبعبارات أخرى يمكننا أن نقول أن التقليد المقدس هو التعاليم الشفاهية للإيمان المسيحى التي علّم بها "الإله" المتجسد والتي سلّمت بواسطة الآباء الرسل للكنيسة، والتي قامت الكنيسة بدورها بتسجيلها وحفظها. وكما هو معروف فلقد سبق التقليد المقدس كتابة العهد الجديد. إذ أن الكنيسة الأولى قد عاشت هذه الحقائق الإيمانية وكرزت بها وسلمتها بطريقة شفهية. وكثيرًا ما نجد إشارات لهذا في العهد الجديد نفسه. فيوحنا يؤكد بكل وضوح في نهاية إنجيله قائلاً:"وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (21 : 25). وأيضًا في رسالته الثانية يكتب عن هذا التقليد الشفهى فيقول:" إذ كان لي كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم فمًا لفم لكي يكون فرحنا كاملا" (ع 12). والقديس بولس يوصى تلميذه تيموثاوس أن يبقى أمينًا ويحفظ "وديعة " الإيمان، وأن يتجنب "الكلام الباطل الدنس ومخلفات العلم الكاذب الاسم" (1 تى 6 : 20). بل أن السيد المسيح لم يكتب بنفسه ولم يعطى وصية لتلاميذه أن يكتبوا كتبًا بل أنه أرسلهم ليكرزوا بكلام بشارة الخلاص المفرحة لكل المسكونة (مت 28 : 19)، وهكذا صاروا هم "شهودًا" له في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أع1 : 8).
يؤكد آباء الكنيسة ومعلميها على أهمية التقليد الكنسى، فنجد على سبيل المثال أن العلامة أوريجينوس يدعو الكتاب المقدس "أبًا" كما يدعو التقليد الكنسى "أمًا". كما أن يوسابيوس القيصرى يشير إلى أن التلاميذ "قد سلموا إلينا لا نصوصًا فقط بل تقليدًا شفهيًا غير مكتوب". ويصف كليمندس الأسكندرى الهراطقة بأنهم "لا يملكون تقليدًا بخصوص المسيح" . ويكتب القديس ذهبى الفم وصفًا رائعًا للتقليد فيقول:"إن الرسل لم يسلموا لنا الإيمان عن طريق رسائلهم فقط بل وأيضًا بتعاليم شفهية كثيرة. وكما نثق في أشخاصهم هكذا نثق أيضًا فيما سلموه إلينا، وهكذا يكون التقليد الكنسى مصدر وثقة ولا ينقصه شيئًا بالمرة" (على تسالونيكى الثانية 2 : 24) .
ومن كل ما سبق تتبين المكانة العالية التي تعطيها الكنيسة للتقليد المقدس إذ هو مع الكتاب المقدس شامل لكل الحقائق الإيمانية التي سلمها الإله المتجسد بنفسه لتلاميذه القديسين الذين هم بالتبعية قد سلموها للكنيسة كلها كما سبق القول. وهكذا صار التقليد الرسولى هو تقليد الكنيسة. فالتقليد الشفهى صار ميراثًا وحياة للكنيسة , وبمرور السنين سجلت بالكتابة هذا التقليد الشفهى بطرق عديدة نذكر منها:
1 ـ قرارات وقوانين المجامع المسكونية المعترف بها من الكنيسة الجامعة. فالكنيسة الأرثوذكسية تعطى لقرارات المجامع ـ فيما يختص العقيدة ـ قيمة مطلقة غير مشكوك بالمرة في صحتها بل أنها تمثل "الأداة" التي تعبر بها الكنيسة عن "عصمة" عقيدتها. ولهذا فقوانين الإيمان التي صاغتها المجامع المسكونية تستخدم كمصادر رئيسية وهامة للتعاليم العقائدية في الكنيسة الأرثوذكسية.
2 ـ نصوص قوانين الإيمان. فكما هو معروف أنه بجانب قانون الإيمان الذي صاغه مجمع نيقية ومجمع القسطنطينية والذي يعتبر هو قانون الإيمان بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية، فإنه توجد نصوص قوانين أخرى مثل قانون إيمان الرسل وقانون الإيمان للقديس أثناسيوس.
3 ـ نصوص القداسات الإلهية وباقى النصوص الليتورجية، والتي تمثل تعبيرًا واضحًا عن العقيدة الأرثوذكسية.
4 ـ وأخيرًا كتابات آباء الكنيسة وبالأخص تلك التي تتعرض لأمور عقائدية وحقائق إيمانية سواء مَن كان منها يدافع عن الإيمان المسيحى ضد الهراطقة أو مَن كان منها ذات طابع تعليمى للشعب. وهنا لابد أن نشير إلى أن كتابات الآباء هى ضمن التقليد الرسولى طالما أنها تعبر عن رأى الكنيسة الواحد من جهة الإيمان ولا يجب أن ننظر إلى الاتفاق في الرأى على أنه اتفاق حرفى بل هو اتفاق بالروح الواحد واتفاق على الحقيقة الواحدة. و لعل بهذا يكون تصريحى بإيمانى بوحى كتابات أثناسيوس يكون اتضح للقارىء.
ايريناؤس:"و حينما نعتمد على التقليد الذى انحدر إلينا من الرسل محفوظاً بالتسليم على التتابع بيد الشيوخ و الكهنة و الأساقفة فى الكنائس , نجدهم يُقاومون التقليد نفسه (يقصد الهراطقة) مُدعين انهم أكثر حكمة من الشيوخ بل و من الرسل ايضاً". و ايضاً يقول:"و إن كان الرسل قد احتفظوا بمعرفة الاسرار فى الخفاء و التى علموها كاملين سراً و فى الخفاء ايضاً بعيداً عن انظار الآخرين , فإنهم سلموها بتدقيق للذين استأمنوهم على الكنائس ذاتها. لأنهم أرادوا أن الذين سيخلفونهم فى نفس مراكزهم و بنفس تعاليمهم يكونون كاملين بكل تأكيد بلا لوم". و يقول عن الكنيسة المسيحية:"نحن لا ينبغى قط ان نفتش عن الحق و نطلبه من الىخرين , لأنه يسهل الحصول عليه بواسطة الكنيسة. لأن فيها استودع الرسل وديعتهم , كما يصنع الأغنياء , إذ سلموها بكل ما يتعلق بالحق , حتى ان كل من أراد يستطيع ان يأخذ منها ماء الحياة. فالكنيسة هى باب الحياة و الآخرون سُراق و لصوص. و علينا ان نتجنبهم و نلتصق بكل غيرة الحب لكل شىء داخل الكنيسة و نتمسك بالتقليد الحق". (الإقتباسات الثلاث نقلاً عن كتابه الكرازة الرسولية).
كليمندس السكندرى:"الذى يزدرى بالتقليد الكنسى لا يعود يُحسب مع اولاد الله" (المتفرقات 7 : 16).
اوريجانيوس:"لا يُعتبر اى امر انه حق إلا إذا كان لا يتناقض قط مع التقليد الكنسى الرسولى" (عن المبادىء 1).
أثناسيوس:"علينا ان نعتبر جداً هذا التقليد الذى هو تعليم و إيمان الكنيسة الجامعة الذى أعطاه الرب منذ البدء , و كرز به الرسل , و حفظه الآباء , و الذى عليه تأسست الكنيسة و قامت" (الرسالة الى سيرابيون 1 : 28).
أغسطينوس:"انا لا اؤمن بالإنجيل الا كما يوجهنى سلطان الكنيسة" (ضد المانويين 1 : 1).
بل أنظر القديس باسيليوس فى دفاعه عن التقليد الرسولى و هو يقول عنه انه الإنجيل نفسه:"فإذا حاولنا ان نرفض هذه العوائد بحجة انه لا يُوجد ما يُدعمها كتابةً او على اساس انها ذات اهمية بسيطة , فنحن دون ان ندرى نُسىء الى الإنجيل فى صميم حيويته حيث يُصبح ترديدنا العالم لمنطوق الإيمان مجرد جمل و كلمات" (الروح القدس 27)!!!
حتى ان جيروم صرح قائلاً:"خارج الكنيسة لا يُوجد إنجيل إلهى"!!!!!!
إذا أردت الحديث فى الدليل الآبائى لصالح التقليد الرسولى , فأنا اعرف نفسى لن أقف ولن أنتهى , و اكتفى بما ذكرته بالأعلى.
القضية الرابعة: التقليد الرسولى و التقليد الكنسى
ناقشتها سابقاً , و بينت ان مفهوم "التقليد الكنسى" اليوم يختلف عن مفهوم "التقليد الرسولى" , لذا أُحذر من الخلط بينهما.
القضية الخامسة: مفهوم الإجماع الآبائى
الإجماع ببساطة هو ان يوافق غالبية الآباء على شىء ما , فحينما أقول "اجمع الآباء" او "الإجماع الآبائى" , فأنا أعنى ان غالبية الآباء اتفقوا معاً. طرح زميلنا مثالاً عاقراً , مُحاولاً نقض الإجماع الآبائى و الإستدلال به. أقول عاقراً , لأنه مثالاً ألبس الحق بالباطل.
من تفسير الأب متى المسكين الذى أحالنا إليه , يجتمع لدينا عدداً من الآباء اشار الى ان متى كتب انجيله بالعبرية , و هم:"اوريجانيوس , يوسابيوس , كيرلس الأورشاليمى , ابيفانيوس , جيروم , غريغوريوس النزينزى , ذهبى الفم , اغسطينوس" مُضافاً لهم ما ذكره الأب متى المسكين بـ "بقية الآباء" (تفسير متى , ص 25 – 27).
إذن نحن أمام إجماع بأن إنجيل متى كُتب بالعبرية. و لكن هل نحن أمام إجماع بان المُترجم مجهول؟!! ذكر لنا الزميل إثنين من الآباء هم: بابياس و جيروم , و قال لنا بالحرف "هذا هو الإجماع الآبائى"!!!!
الإجماع الآبائى على ماذا عزيزى؟!!! على أن انجيل متى كُتب فى اصله بالعبرية ام على ان المُترجم مجهول؟!!! فإن كان الأول , فما هى مشكلتك بالضبط؟! و إن كان الثانى , فأى إجماع هذا تُحدثنى عنه؟! إجماع إثنين من ثمانى أسماء مذكورة غير "بقية الآباء"؟!!!
لأجل الإجماع الآبائى , فلا يهمنى هل قال جيروم بأن مرقس اخطأ ام ماذا (و أرجو ذكر مرجع كلام جيروم لأطلع عليه بنفسى , و فضلاً تذكر مرجع كلام جيروم نفسه و ليس لشخص نقل عنه , كى أراجع الكلام فى سياقه) , و إنما يهمنى ماذا قالت الكنيسة المسيحية , الإجماع الآبائى المعصوم عن الخطأ و الزلل!
كما ان فادى لا يُريد من أحداً ان يؤمن بشىء , لا بموروث لاهوتى ولا بإيمان ولا اى شىء , حتى تسألنى زميلى ما الذى أُريدك ان تؤمن به!
القضية السادسة: نص الفاصلة اليوحناوية فى الكنيسة المسيحية
بدايةً , لا وجود لهذا النص فى نُسخ العهد الجديد بأى لغة قبل القرن السابع.
و انا قلت مراراً , لا يُوجد دليل واحد يُثبت ان الكنيسة المسيحية , المؤسسة الدينية المسيحية , هى التى أدخلت هذا النص فى متن العهد الجديد لأجل تقوية عقيدتها فى لاهوت المسيح. هذا قول ساقط لا دليل عليه بالمرة. و قلت سابقاً , لا يُوجد احد عاش من كنيسة توما الأكوينى فى كنيسة كبريناوس , و تجاهلت كلامى ببساطة و كأنى لم أقل شيئاً!!!
النص الذى يُقال عنه انه اشهر نص للثالوث , هو أشهر نص للثالوث فى عهدنا الحالى , و ليس فى عهد الكنيسة المسيحية الأولى. الكنيسة الأولى لم تعرف هذا النص على الإطلاق , و لم يعرفه احد من آباء الكنيسة ابداً. و قلت سابقاً ايضاً , لو ان هذه نية الكنيسة المسيحية الأولى , لكانت الكنيسة الشرقية أول من فعلها لا الكنيسة الغربية. فكل البدع التى تعرضت للاهوت المسيح من قريب او بعيد ظهرت فى الشرق لا فى الغرب!!!!!
اى لو أنه هناك نية من الكنيسة لتقوية موقفها للاهوت المسيح , لكانت الكنيسة الشرقية هى التى فعلت هذا و ليس الكنيسة الغربية ابداً!!! و بالتالى فهذا ادعاء ساقط علمياً لأنه لا دليل عليه , و ساقط منطقياً لأنه لا يستقيم مع وجود الهرطقات الخاصة بلاهوت المسيح الأكبر فى الشرق و ليس فى الغرب!
هذا عن الشق اللاهوتى , و يتبعه الرد على الشق النصى
|