أسطورة الطوفان
توطئة : ان حضارة الطوفان لم تعرف اي حصرية معينة لدى اي شعب او حضارة ما، و قد تم ذكرها في كل معظم الحضارات على وجه الارض، و قد تختلف التفاصيل لكن القضية الاساسية هي ذاتها ، طوفان يقتل الجميع إلا القليل من المحظوظين او المباركين هم و من معهم بالإضــافة ألــى الحيوانات للإبقــاء على النسل مثلاً .
ربما القصة الاكثر شهرة هي القصة نوح التوراتية و سفينته ، و من خلال سفر التكوين و كيف قرر الله تدمير العصاة و انقاذ نوح و من معه و الحيوانات عبر حثهم على بناء سفينة بمواصفات معينة ولركوبها قبيل حدوث الطوفان ، و الرواية التي تسبق سفر التكوين و هي ملحمة جلجامش البابلية ، و رحلة جلجامش للبحث عن اوتناباشتيم الرجل العظيم الذي نجى من الطوفان الذي بعثه الآلهــة ، و بعد تحذير انكي له بخصوص ذلك الطوفان ، و بنفس الصورة عند قصة نوح كان اوتنابشتيم قد نجى و معه عائلته و الحيوانات ألــخ ،و في نسخة سومرية قديمة هناك ملاحظات دقيقة في عدة مواضع كالحمامة التي عادت للسفينة التي تدل على ان الطوفان قد انتهى في سفر التكوين هي في الاسطورة السومرية عبارة عن غراب عاد ليخبر بإنتهاء الطوفان ، مقارنة النص التوراتي بالنصوص في حضارات بلاد ما بين النهرين القديمة يظهر صورة التناسخ بقوة ، و لهذا يؤيد الكثير من الاكاديميين في معظم الدراسات التي تناولت قصة الطوفان و شخصية نوح "إينوخ" ان العبرانيين اقتبسوا القصة اثناء تواجدهم في بابل ، كما ذكر هايمرز الإبن في محاضرة حول تقاليد اسطورة الطوفان ان هناك اسطورة مصرية قديمة ذكرت تلك الاسطورة ايضاً . .
في الميثولوجيا الاغريقية و الرومانية القديمة ، تم ذكر قصة الطوفان ، شخصيتا ديوكاليون و بيهرا و الذين انقذوا اولادهم و مجموعة من الحيوانات من الطوفان عبر ركوبهم مركب يشبه صندوق عملاق، و هناك الاساطير الايرلندية ايضاً تتحدث عن الملكة ساسير و بلاطها الملكي و إبحارهم لسبع سنين ليتم تفادي الغرق عندما غمرت المحيطات ايرلندة ، و هناك نقطة مهمة اخرى و هي أكتشاف المستكشفين الاوروبيين لأمريكا ان هناك الكثير من الاساطير الهندية المشابهة لقصة نوح ، فقال بعض القساوسة الاسبان ان الشياطين زرعت هذه القصص في عقول الهنود لكي تربكهم ، نعم كان اكتشاف تلك الاساطير صعقة بحق للقساوسة الاسبان .
النظرية المنطقية
يخرج العالمان الجيولوجيان في جامعة كولومبيا راين و والتر بيتمان بنظرية مهمة حول قضية الطوفــان و انتشارها الواسع ، تقول النظرية انه مع انتهاء العصر الجليدي و ذوبان الجليد و الانهار الجليدية أدى الى إندفاع جدار مائي منبعث من البحر المتوسط الى البحر الاسود :
يقول راين و واتر بأنه اثناء العصر الجليدي كان البحر الاسود عبارة عن بحيرة مياه عذبة معزولة و محاطة بالمزارع ، و قبل حوالي 12000 سنة من نهاية العصر الجليدي ، اخذت حرارة الارض بالارتفاع بشكل متنامي ، مما أدى لذوبان الواح جليدية ضخمة كانت ممتدة على النصف الشمالي من الكرة الارضية، و غدت البحار و المحيطات اكثر عمقاً نتيجة لذلك، و قبل 7000 سنة فاض بإتجاه الشمال من خلال ما يعرف اليوم بتركيا ، ماراً في مضيق البسفور ، و اصطدمت بالبحر الاسود بقوة تعادل 200 مرة قوة شلاللات نياجرا .مما أدى الى ارتفاع البحر الاسود بمعدل 15 سم يومياً ، الامر الذي أدى الى غمر المزارع الساحلية المحيطة بالبحر الاسود.
هذه الاحداث التصقت بذاكرة الناجين المذعورين ، و اصبحت محور الحديث و تناقلتها الاجيال من جيل لآخر حتى اصبحت في مرحلة من المراحل ما تسمى بقصة نوح ، و هي نظرية مشابهة الى حد ما لنظرية هيربرت ويلز و سوف اقوم بإقتباس مهم للزميل ابيقور حول تلك النظرية :-
بمناسبة موضوع الطوفان ،أردت هنا أعرض رأي الكاتب الانجليزي الكبير" هـ ج ويلز" بخصوص هذا الأمر:
- يرى الكاتب الكبير أن حوض البحر الأبيض المتوسط كان جافا ، لأن مضيق جبل طارق كان مسدودا ولذلك كان صالحا للمعيشة ، ولنسمى الجدار الحجرى الذي كان يسد مضيق جبل طارق
" سد الموت"
ويرى هذا الحوض كان صالحا للزراعة و كانت تعيش فيه مجموعة كبيرة من الأقوام المتميزة.
- وفي زمن ما قبل التاريخ، بدأ "سد الموت" في التخلخل ، وبدأ يسرب المياه، و في البداية كان هذا التسريب بسيطا نسبيا ، و بدأت الأقوام التي كانت تعيش في حوض البحر تشعر بالمشكلة رويدا رويدا، و قامت المياه بإغراق المناطق الواطئة و ظلت المناطق العالية بمأمن منها .
- و تحول الحوض الكبير لمجموعة كبيرة من الجزر يفصل بينها مساحات مائية تتفاوت في عمقها .
- وبعد ذلك بدأ يحدث تسارع في معدل انهيار سد الموت و معه بدأ التسارع الشديد في اندفاع الماء و بدأت الكثير من الأقوام في الهروب من هذا الحوض الملعون و غرقت الكثير من الأقوام.
- وبداهة أن كثيرا من هذه الأقوام عندما حوصروا إستطاعوا فك دائرة الحصار عن طريق بناء المراكب.
- و عندما هربت هذه الأقوام من حوض الموت هذا ، حملت معها ذكريات الحصار المائي و الأشخاص الماهرين الذين استطاعوا أن يهربوا و من هنا نشأت قصة نوح و الطوفان.
خلاصــة:قصة الطوفان ذلك الارث البشري الحضاري التاريخي الانساني المشترك ، تجسد الكثير من صور البشرية على مر التاريخ ، احلام البشر ما كان يدور في الحقيقة و لغة الرمز الحزن و التضحية و الحلم بالمبتغى و الكمال في الطرف الآخر ، ان دراسة قصة الطوفان من معانٍ و حقائق لفصلها عن الاسطورة ، امر مفيد جداً خصوصاً في البحث عن الحقيقة ، عن الفكر الديني مثلاً ، كيفية ارتباط تلك القصة في أساطير و اديان كثيرة لدى شعــوب كثيرة ، لو لم يكن وقع تلك الحادثة كبير لما مثلت ما تمثله اليوم من اهمية و تناسخ و انتشار واسع ، هل هي قيمّة الى ذلك الحد ؟ نعم هي كذلك و أتمنى ان تدخل الجميع لطرح آرائهم بخصوص قضية الطوفان ، بتحكيم العقل و ان تكون آرائهم على ارضية منطقية لا عواطف او دفاع أعمى عن قضية دينية ما.
المصادر للإستزادة:-