وأين الديموقراطية في هذا السيناريو الميتافيزيقي يا دكتور ؟
الأمور لن تمشي على هذا النحو " أساسا " ، وحتى لو أتت النتائج كما تتخيلها ، فلا وجود للديموقراطية فيها !.
أعجب حقيقة يا مالك أن يتهمنا ((( مثقف ))) ليبرالي بأننا ندافع عن وجود هياكل كرتونية بإسم الدفاع عن الحق الوطني ومعظمنا ، وربما جميعنا هنا دفع فاتورة الدفاع عن هذه الهياكل - كما تتخيل - من عمره وماله وحريته !!.
الديموقراطية ضالة الشعوب حيث وجدتها فهي أولى بها ، حتى لو كانت في تل أبيب نفسها ، لكن هل هذا ممكن حقيقة ؟!

طيب ، لنتجاوز هذا الخطاب الحالم ونفكر ببراجماتيه .. كيف لهذا الطرح أن يرقى حتى إلى مرتبة الحلم الشعبي ؟!
أمريكا لم تعد تهتم لبترول العرب والذي لا تستورد منه أكثر من ربع حجم إستيرادها العالمي في الأساس ، وهي تبحث منذ سنوات طويلة عن مصادر أخرى للنفط ووجدت ضالتها في نفط آسيا الوسطى ، ناهيك عن النفط اللاتيني الذي هو تحت سيطرتها أصلا .
أيضا ليس العراق حصرا هو في رأس أجندتها السياسية في المنطقة بل هو جزء من التركيبة الكيميائية لا أكثر، فالأمر بالنسبة لصدام حسين محسوم منذ خيمة صفوان ، ولو كانت عملية السلام سارت كما خُطط لها في مدريد ، لسقط النظامين العراقي والسوري بشكل آلي لصالح أنظمة " ديموقراطية " كتلك التي يقترحها كولن باول ، هذه حقيقة يعيها النظام السوري جيدا ويسعى جاهدا إلى تلافي نتائجها عبر خطاب قومي شعاراتي معروف .

أمريكا سوف لن تسمح ( أبدا ) بقيام ديموقراطية حقيقية في العراق ولا في أي دولة من دول المنطقة لما تشكله الديموقراطية والوحدة الإجتماعية من خطر على مصالح أمريكا ذاتها .
مستقبلا يا دكتور ، سيكون هذا الحلم " الليبرالي " الذي تقترحه والذي لن يكون حتما على الطراز الغربي هو الحلقة الأولى والتوطئة لما إقترحته تقسيمات برنارد لويس لدول المنطقة على أساس إثني ومذهبي من خلال تحطيم الثوابت الوطنية والقومية لشعوب المنطقة ، وقد تكون النتائج الطائفية التي خرج بها مؤتمر المعارضة العراقية في لندن وبرعاية أمريكية أكبر دليل على وجاهة هذا المنحى .
بكل أسف ، قد يكون ما يراه فضل في أن طبيعة الشرخ الأفقي للمجتمع العراقي ( والسوري أيضا ) هو الحصان الذي تراهن عليه الليبرالية الأمريكية التي يجب علينا أن ننتظرها " براجماتيا " .. وبالتالي فإنه من الحكمة والمنطق و" البراجماتية " أن تظل هيبة الدولة بمؤسساتها الديموقراطية " الحقيقية " هي الضامن الوحيد للوحدة الإجتماعية ، وإلا فإن نتائج إنفجار عراقي ستصيب المنطقة كلها بالتشظي كما يتخيل فضل ، وهذا ما تريده " براجماتية " الليبرالية الأمريكية .

التغيير الأمريكي قادم ولا شك ، هذا صحيح ، وقد تكون هذه هي الجزئية العقلانية الوحيدة في حلمك البراجماتي ، وقد لا نستطيع منعه أو الوقوف في وجهه ، هذا أيضا صحيح ، لكن أيضا ليس علينا أن نفتح باب القلعة بأنفسنا لحصان طرواده !.
لنفكر بحلم آخر .. طالما أن الأمر لا يتجاوز عتبة الحلم .

تحياتي للجميع

المعري