{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
اصل العائلة
charles de gaulle 78 غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 382
الانضمام: Jun 2008
مشاركة: #31
اصل العائلة






و هناك بقية أخرى من الحق أمي الذي زال للتو، هي ذلك الاحترام الذي يكنه الجرمان للنساء، و الذي كان بالنسبة للرومانيين غير مفهوم تقريباً. كانت البنات من عائلة نبيلة يعتبرن أوثق الرهائن عند عقد المعاهدات مع الجرمان. فإن فكرة أن زوجاتهم و بناتهم قد يقعن في الأسر و العبودية هي بالنسبة لهم فكرة رهيبة، و تثير شجاعتهم في القتال أكثر من أي عامل آخر، و هم يرون في المرأة شيئاً ما مقدساً و نبوئياً، و هم يستمعون إلى نصيحتها، حتى في أهم القضايا: فان فيليدا، كاهنة قبيلة البروكتر على ضفة نهر ليب، مثلاً، كانت روح انتفاضة الباتافيين كلها التي زعزع أثناءها زيفيليس على رأس الجرمان و البلجيكيين السيادة الرومانية في عموم بلاد الغال (145). و يبدو أن سيادة المرأة في البيت أمر لا جدال فيه. صحيح أن جميع الأعمال البيتية ملقاة على عاتقها و على عاتق الشيوخ و الأطفال، أما الزوج فيطارد أو يشرب، أو يتكاسل. هكذا يقول تاقيطس. و لكن بما أنه لا يذكر من ذا الذي يحرث الحقل، و بما أنه يعلن بصراحة أن العبيد كانوا يدفعون أتاوات و حسب، و لا يقومون بأي عمل من أعمال السخرة، فإنه كان لا بد، أغلب الظن، لسواد الرجال الراشدين، أن يقوموا مع ذلك بالقليل من العمل الذي كانت تقتضيه حراثة الأرض.

كان شكل الزواج، كما قيل أعلاه، الزواج الثنائي المقترب شيئاً فشيئاً من الزواج الأحادي. و لم يكن ذلك بعد زواجاً أحادياً صرفاً، لأن تعدد الزوجات كان مسموحاً للأعيان. و على العموم، كانت بكارة الفتيات موضع مراقبة و مطالبة صارمة، (خلافاً لما هو الحال عند السلت)، و يتحدث تاقيطس كذلك بحرارة خاصة عن حرمة الرابطة الزوجية عند الجرمان. و لا يورد غير زنى الزوجة سبباً للطلاق. و لكن روايته في هذا الصدد تشوبها ثغرات كثيرة، ناهيك بأنه يقصد منها بفائق الوضوح التلويح بمرآة الفضيلة أمام الرومانيين الفاسدين. هناك أمر لا ريب فيه، لئن كان الجرمان في غاباتهم فرساناً للفضيلة لا نظير لهم، فقد كفاهم أقل تماس مع العالم الخارجي حتى ينحطوا إلى مستوى الأوروبيين المتوسطين الآخرين، و في بيئة العالم الروماني زال آخر أثر لصرامة الأخلاق بأسرع بكثير مما زالت اللغة الجرمانية. حسبا أن نقرأ غريغوريوس التوري. و بديهي أنه لم يكن من الممكن أن يسود في الغابات الكثيفة في جرمانيا، كما في روما، الإفراط و التفنن في التمتع الجنسي، و في هذا المضمار أيضاً، يبقى إذن للجرمان ما يكفي من التفوق حيال العالم الروماني، حتى و لو لم ننسب إليهم تلك العفة الجسدية التي لم تكن يوماً في أي مكان ما قاعدة عامة لشعب بكامله.

و من التنظيم العشائري، نجم واجب وراثة ما كان للوالد أو للأقارب من علاقات صداقة و علاقات عداوة على السواء. كذلك، كانت تورث wergeld (فرغلد)، و هي غرامة يفدى بها الثأر في حال القتل أو الإصابة بجراح. إن هذه "الفرغلد" التي كان يعتبرها الجيل الماضي مؤسسة ألمانية صرف، قد أقيم الدليل الآن على وجودها عند مئات الشعوب. فهي شكل عام لتخفيف الثأر الناجم عن النظام العشائري. و نحن نجدها كذلك، فيما نجدها، عند الهنود الحمر الأمريكيين مثلها مثل الضيافة الإلزامية. إن الوصف الذي يعطيه تاقيطس لعادات الضيافة ("جرمانيا"، الفصل 21) يطابق تقريباً، حتى في التفاصيل، الوصف الذي يعطيه مورغان للضيافة عند هنوده الحمر.

إن النقاش الحار الذي لا نهاية له حول معرفة ما إذا كان الجرمان في زمن تاقيطس كانوا يتقاسمون نهائياً حقولهم أم لا و حول تفسير المقاطع التي تتعلق بهذه المسألة، غدا الآن طي الماضي. و يكاد لا يجد التذكير بذلك بعد أن أقيم الدليل على أن جميع الشعوب تقريباً قد عرفت حراثة الأرض بصورة مشتركة من قبل العشيرة أولاً، ثم فيما بعد من قبل الرابطات العائلية الشيوعية التي كانت موجودة أيضاً عند السوييف Suèves (146)، كما أفاد قيصر، و على أن هذا الوضع قد عقبه توزيع الأرض بين مختلف العائلات، و إعادة توزيعها بصورة دورية، و بعد أن أقيم الدليل أيضاً على أن هذا التوزيع الدوري للأرض المحروثة دام في بعض الأنحاء من ألمانيا ذاتها حتى أمامنا هذه . و لئن كان الجرمان في حقبة الـ 150 سنة التي تفصل بين قصة قيصر و شهادة تاقيطس قد انتقلوا من حراثة الأرض بصورة مشتركة- التي ينسبها قيصر بكل وضوح إلى السوييف (فهو يقول أنه لا توجد عندهم على الإطلاق حقول مقسمة أو خاصة)- إلى حراثة الأرض من قبل العائلات كلا بمفردها مع إعادة توزيع الأرض كل سنة، فإن هذا هو حقاً تقدم كبير. فإن الانتقال من حراثة الأرض بصورة مشتركة إلى الملكية الخاصة الكاملة للأرض خلال مثل هذه الحقبة القصيرة من الزمن و بدون أي تدخل من الخارج مستحيل حقاً و فعلاً. و لهذا لا أقرأ عند تاقيطس إلا ما يقوله بوضوح و إيجاز: إنهم يغيرون (أو يتقاسمون من جديد) كل سنة الأرض المحروثة، ناهيك بأنه يبقى أيضاً ما يكفي من الأرض المشتركة (147). و هذا طور من الزراعة و الاستفادة من الأرض يناسب بالضبط التنظيم العشائري عند الجرمان في ذلك العهد.

إني أترك المقطع السابق حسبما ورد في الطبعات السابقة، دون أن أدخل عليه أي تعديل. ففي هذه الحقبة من الوقت، سارت الأمور في مجرى آخر. فبعد أن أثبت كوفاليفسكي (راجع أعلاه) أن المشاعة البيتية البطريركية كانت منتشرة على نطاق واسع، إن لم يكن في كل مكان، بوصفها درجة متوسطة بين العائلة الشيوعية المؤسسة على الحق الأمي، و بين العائلة المنفردة العصرية، لم يبق المقصود معرفة ما إذا كانت ملكية الأرض مشتركة أو خاصة، كما كان القصد من النقاش بين مورير و فايتس، بل معرفة شكل الملكية المشتركة. بلا ريب أبداً في أن الملكية المشتركة للأرض لم تكن وحدها قائمة عند السوييف في زمن قيصر، بل كانت هناك أيضاً الحراثة المشتركة للأرض بالجهود المشتركة. و لا يزال من الممكن النقاش طويلاً لمعرفة ما إذا كانت الوحدة الاقتصادية هي العشيرة أم المشاعة البيتية أم جماعة شيوعية ما متوسطة بينهما تجمعها رابطة القربى، أو لمعرفة ما إذا كانت هذه الجماعات الثلاث موجودة جميعها تبعاً لأحوال الأرض. و الحال، يؤكد كوفاليفسكي أن الأوضاع التي يصفها تاقيطس لا تفترض وجود مشاعة-مارك ما أو مشاعة زراعية ما، بل تفترض مشاعة بيتية. و من هذه المشاعة البيتية وحدها، نشأت و تطورت بعد زمن طويل المشاعة الريفية نتيجة لنمو عدد السكان.

و بموجب هذا الرأي، كانت مقامات الجرمان في الأراضي التي كانوا يشغلونها في عهد روما، و كذلك في الأراضي التي انتزعوها فيما بعد من الرومانيين، لا تتألف من قرى، بل من مشاعات عائلية كبيرة كانت تشمل بضعة أجيال و تأخذ رقعة من الأرض للحراثة تبعاً لعدد أعضائها، و تستعمل مع جيرانها الأراضي البور المحيطة، بوصفها ماركاً مشتركة. و لهذا يجب إذن أن نفهم على صعيد الأساليب الزراعية المقطع الذي يقول فيه تاقيطس أنهم يغيرون الأرض المحروثة: فكل سنة كانت المشاعة تحرث رقعة أخرى من الأرض، بينا تريح الرقعة المحروثة في السنة الماضية أو تتركها بوراً تماماً. و نظراً لضعف كثافة السكان، كان يبقى من الأرض البور ما يكفي للحيلولة دون قيام أي نزاع حول ملكية الأرض. و بعد قرون، عندما نما عدد أعضاء المشاعات البيتية إلى حد أن إدارة الاستثمارة المشتركة أصبحت أمراً مستحيلاً في ظل ظروف الإنتاج السائدة آنذاك، بعد ذاك فقط، انحلت هذه المشاعات. و أخذت الحقول و المروج التي كانت حتى ذاك ملكاً مشتركاً تصبح موضع قسمة تبعاً للأسلوب المعروف بين الاستثمارات البيتية المنفردة التي كانت تتشكل آنذاك، أولاً لفترة من الوقت، ثم بصورة نهائية، بينا بقيت الغابات و المراعي و المياه ملكاً مشتركاً.

و يبدو فيما يتعلق بروسيا أن التاريخ قد قدم البرهان الكامل على مجرى التطور هذا. أما فيما يتعلق بألمانيا، و في المقام الثاني، بسائر البلدان الجرمانية، فلا يمكننا أن ننكر أن هذه الفرضية تعطي، في كثير من النواحي، تفسيراً أفضل للوثائق و المصادر، و تحل المصاعب بصورة أسهل مما تفعله وجهة النظر السائدة حتى الآن و التي تعيد وجود المشاعة الريفية إلى زمن تاقيطس. فإن أقدم الوثائق، من Codex Laureshamensis (148) مثلاً،تُفسر على العموم بواسطة المشاعة البيتية بصورة أفضل بكثير مما بواسطة المشاعة-المارك الريفية. و لكن هذا التفسير يثير بدوره مصاعب جديدة و مسائل جديدة لا يزال يترتب حلها. و لا يمكن هنا أن يأتي بالحل النهائي غير البحوث و الدراسات الجديدة. بيد أني لا أستطيع أن أنكر أن وجود المشاعة البيتية بوصفها درجة متوسطة في ألمانيا و سكاندينافيا و إنجلترا أيضاً هو أمر محتمل جداً.

و بينا كان الجرمان في عهد قيصر قد أقاموا للتو جزئياً في مقامات دائمة أو كانوا جزئياً لا يزالون يفتشون عن محل إقامة دائمة، كانوا في عهد تاقيطس قد أمضوا قرناً كاملاً في الحياة الحضرية. و هذا ما وافقه تقدم لا مراء فيه في إنتاج وسائل المعيشة. فهم يعيشون في بيوت من جذوع الشجر، و يرتدون ألبسة بدائية لا تزال تشبه ألبسة سكان الغابات أي المعاطف الخشنة الصوفية، و جلود الوحوش، أما النساء و الأعيان، فكانت لهم ألبسة تحتية من الكتان. و كان طعامهم يتألف من الحليب و اللحم و الثمار البرية، و من عصيد الشوفان (149) كما يضيف بلينوس (و حتى الآن، لا تزال هذه العصيدة نوعاً من المأكل القومية السلتية في إرلنده و اسكتلنده). و تتألف ثروتهم من الماشية، و لكن هذه الماشية رديئة النوع: الثيران و الأبقار صغيرة، هزيلة لا قرون لها، الأحصنة قزمة و لا تصلح للسباق. و كانت النقود رومانية بوجه الحصر، و قليلاً و نادراً ما كانت تستعمل. و كانوا لا يصنعون و لا يقدّرون المصنوعات من الذهب و الفضة، و كان الحديد نادراً، و يبدو أنه كان يُستورد كلياً تقريباً، على الأقل عند القبائل القاطنة على ضفاف الراين و الدانوب، و لم يكن يُستخرج في موضعه. و لم تكن الكتابة الرونية (المأخوذة عن الأحرف اليونانية أو اللاتينية) معروفة إلا ككتابة سرية، و لم تكن تستعمل إلا لأغراض سحرية دينية. و كانت عادة تقديم الضحايا البشرية لا تزال سارية المفعول. و بكلمة، نجد هنا أمامنا شعباً ارتقى للتو من طور البربرية الأوسط إلى طورها الأعلى. و لكن بينا كانت سهولة استيراد منتوجات الصناعة الرومانية تعيق تطور صناعة المعدن و النسيج بصورة مستقلة عند القبائل المقيمة مباشرة على الحدود مع الرومانيين، كان هذا الإنتاج قد نشأ و رسخ بشكل لا جدال فيه في الشمال الشرقي، على ساحل بحر البلطيق. إن أدوات التسلح التي وجدت في مستنقعات شليسفيغ مع النقود المعدنية الرومانية من أواخر القرن الثاني،- و هي سيف حديدي طويل، و درع، و خوذة فضية،الخ.،- و كذلك المصنوعات الألمانية التي انتشرت بفضل هجرة الشعوب، تبين نموذجاً خاصاً تماماً يتميز بمستوى عال نسبياً من التطور حتى عندما تقترب من النماذج الرومانية الأصلية. و إن الهجرة إلى الإمبراطورية الرومانية المتحضرة قد وضعت حداً نهائياً لهذا الإنتاج المحلي في كل مكان باستثناء إنجلترا. و إن المشابك البرونزية، مثلاً، تبين بأي وتيرة واحدة منتظمة نشأ هذا الإنتاج و تطور. و من الممكن أن تكون المشابك البرونزية التي اكتشفت في بورغونديا و رومانيا و على سواحل بحر آزوف قد خرجت من نفس المشغل الذي خرجت منه المشابك الإنجليزية و السويدية، و لا ريب أيضاً أنها جرمانية الأصل.

كذلك يناسب تنظيم الحكم الطور الأعلى من البربرية. ففي كل مكان، كما يقول تاقيطس، كان مجلس الشيوخ (principes) موجوداً، و كان يبت بأصغر القضاياـ، و يهيئ أهم القضايا لكي تبت بها الجمعية الشعبية. إن الجمعية الشعبية في الطور الأدنى من البربرية، و على الأقل حيث نعرف عنها، أي عند الأميركيين، لا توجد إلا من أجل العشيرة، لا من أجل القبلة أو من أجل اتحاد القبائل. و كان الشيوخ (principes) لا يزالون يتميزون كثيراً عن الزعماء العسكريين (duces) تماماً كما عند الإيروكوا. فالشيوخ يعيشون جزئياً بفضل الهبات الفخرية التي يقدمها أعضاء القبيلة من الماشية و الحبوب و خلافها. و ينتخبونهم بمعظمهم، كما في أميركا، من العائلة ذاتها. و الانتقال إلى الحق الأبوي ييسر، كما في اليونان و روما، تحويل المبدأ الانتخابي تدريجياً إلى حق وراثي، و ييسر بالتالي نشوء عائلة أريستقراطية في كل عشيرة. إن هذه الأريستقراطية القديمة المسماة بالأريستقراطية القبلية قد هلكت بأغلبيتها أثناء هجرة الشعوب أو بعدها بفترة وجيزة. و كان القادة العسكريون يُنتخبون بصرف النظر عن أصلهم، و حسب كفاءاتهم فقط. و لم تكن سُلطتهم كبيرة، و كان عليهم أن يؤثروا بمثالهم. و ينسب تاقيطس بكل وضوح إلى الكهان السلطة الانضباطية الصرف في الجيش. و كانت السلطة الفعلية مركز في الجمعية الشعبية. و الملك أو زعيم القبيلة هو الذي يرأس الجمعية، و الشعب يصدر قراره: السلبي بالدمدمة، و الإيجابي بهتافات الاستحسان و صليل السلاح. و الجمعية الشعبية هي أيضاً بمثابة محكمة، فإليها تقدم الشكاوي، و فيه تصدر القرارات بهذه الشكاوي، و فيها تصدر الأحكام بالموت، مع العلم أن عقوبة الموت لا تطبق إلا في جرائم الجبانة و خيانة الشعب و في العيوب المخالفة للطبيعة. و داخل العشائر و فروعها، تبت المحكمة في جميع القضايا بصورة مشتركة برئاسة الشيخ، و كما في كل محكمة و طرح الأسئلة. و دائماً و في كل مكان كانت الجماعة كلها هي التي تصدر الحكم عند الجرمان.

و منذ عهد قيصر، تشكلت اتحادات القبائل، و كان عند بعضها ملوك. و كما عند اليونانيين و الرومانيين كان القائد العسكري الأعلى يطمح آنذاك إلى السلطة المستبدة، و كان أحياناً يحصل عليها. و لكن هؤلاء المغتصبين المحظوظين لم يكونوا حكاماً مطلقين، بيد أنهم شرعوا يحطمون قيود النظام العشائري. و بينا كان العبيد المعتقون يشغلون على العموم مركزاً متدنياً لأنه لم يكن بوسعهم الانتساب إلى أي عشيرة، كان أحظياء الملوك الجدد من بيئة العبيد المعتقين يتوصلون أحياناً إلى المناصب العالية و الثروة و الوجاهة. و قد حدث الأمر نفسه بعد الاستيلاء على الإمبراطورية الرومانية بالنسبة للقادة العسكريين الذين تحولوا إلى ملوك في بلدان شاسعة. و عند الفرنج، اضطلع عبيد و معتقو الملك بدور كبير أولاً في البلاط ثم في الدولة. و منهم يتحدر قسم كبير من الأريستقراطية الجديدة.

و قد أسهمت مؤسسة في نشوء السلطة الملكية هي فصائل المتطوعين (Gefolgschaften). و قد سبق و رأينا عند الهنود الحمر الأميركيين كيف تنشأ، على هامش النظام العشائري، رابطات خاصة لأجل خوض غمار الحرب على عهدتها و مسؤوليتها. و قد أصبحت هذه الرابطات الخاصة عند الجرمان اتحادات دائمة. فقد كان الزعيم العسكري الذي أحرز شهرة، يجمع حوله فصيلة من الشبان المتحرقين إلى الغنائم، و يلتزمون تجاهه بالوفاء الشخصي كما يلتزم تجاههم. و كان الزعيم يعيلهم و يكافئهم و ينظمهم طبقاً لدرجات و مراتب. و كانوا يخدمونه في الحملات الصغيرة كفصيلة حراسة و قوات مستعدة دائماً للقتال، و في الحملات الكبيرة كهيئة جاهزة من الضباط. و مهما كان لا بدّ لهذه الفصائل أن تكون ضعيفة، و مهما ظهرت بالفعل ضعيفة فيما بعد، كما عند أودواكر، مثلاً، في إيطاليا، فقد كانت تنطوي على جنين انحطاط الحرية الشعبية القديمة، و هذا الدور بالذات هو الذي اضطلعت به أثناء هجرة الشعوب و بعدها. و ذلك أولا لأنها يسّرت نشوء السلطة الملكية، و ثانياً، كما أشار تاقيطس، لأنه لم يكن يمكن الاحتفاظ بها ككل منظم إلا عن طريق الحروب الدائمة و الغزوات اللصوصية. و أصبح النهب هدفاً. و حين كان رئيس الفصيلة لا يجد ما يفعله في الجوار، كان يمضي مع رجاله إلى شعوب أخرى كانت تدور عندها رحى الحرب و كانت تتوفر عندها احتمالات الظفر بالغنائم. ثم أن القوات المعاونة الجرمانية التي تقاتل بأعداد كبيرة تحت الراية الرومانية حتى ضد الجرمان أنفسهم، كانت تتألف أحياناً من مثل هذه الفصائل. و هنا نرى المعالم الأولى لنظام الجنود المرتزقة-عار الألمان و لعنتهم. و بعد الاستيلاء على الإمبراطورية الرومانية، شكلت فصائل الملوك هذه، إلى جانب خدم البلاط من عبيد و رومانيين، القسم الثاني من الأقسام الرئيسة للأريستقراطية المقبلة.

و هكذا كان على العموم للقبائل الجرمانية المتحدة في شعوب نفس التنظيم للإدارة الذي تطور عند اليونانيين في العهد البطولي و عند الرومانيين في زمن من يسمون بالملوك: الجمعية الشعبية، مجلس شيوخ العشائر، القائد العسكري الساعي وراء السلطة الملكية الحقيقية. و كان ذلك أرقى تنظيم للإدارة كان يمكن على العموم أن يتكون في ظل النظام العشائري. و كان التنظيم النموذجي في الطور الأعلى من البربرية. و ما أن تخطى المجتمع الإطار الذي كان فيه هذا التنظيم للإدارة يفي بغايته، حتى حلت نهاية النظام العشائري، فانهار و مكانه قامت الدولة.

--------------------------------

(145) انتفاضة القبائل الجرمانية و الغالية بقيادة زيفيليس ضد السيادة الرومانية بسبب تزايد الأتاوات، و استفحال عمليات التجنيد في الجيش، و استهتار الموظفين الرومانيين جرت في 69-70 ( في 69-71 ، كما يقول بعض المصادر الأخرى). شملت الانتفاضة قسماً كبيراً من بلاد الغال و المقاطعات الجرمانية الخاضعة لروما، و هددت روما بخطر خسارة هذه الأراضي. بعد النجاحات في البدء، مني المنتفضون ببضع هزائم و اضطروا إلى عقد الصلح مع روما.
(146) يوليوس قيصر. "مذكرات عن حرب الغال". الكتاب الرابع. الفص الأول.
(147) تاقيطس. "جرمانيا"، الفصل السادس و العشرون.
(148) "Godex Laureshamensis" ("سجلات لورش") ، مجموعة من نسخ امتيازات دير لورش و من شهادات الهبات له. تأسس الدير في النصف الثاني من القرن الثامن في دولة الإفرنج، غير بعيد عن مدينة ورمس و كان عبارة عن ملكية إقطاعية كبيرة في ألمانيا الجنوبية الغربية. تم جمع المجموعة في القرن الثاني عشر، و هي من أهم المصادر في تاريخ ملكية الأرض الفلاحية و الإقطاعية في القرنين الثامن و التاسع.
(149) بلينوس. "التاريخ الطبيعي في 37 كتاباً". الكتاب الثامن عشر، الفصل السابع عشر.



11-07-2008, 06:22 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
اصل العائلة - بواسطة sam4ever - 06-24-2008, 03:32 PM,
اصل العائلة - بواسطة Seta Soujirou - 06-25-2008, 06:41 PM,
اصل العائلة - بواسطة sam4ever - 06-25-2008, 08:31 PM,
اصل العائلة - بواسطة CHE GUEVARA - 06-29-2008, 02:53 AM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 06-30-2008, 09:52 AM,
اصل العائلة - بواسطة sam4ever - 06-30-2008, 02:38 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 06-30-2008, 02:49 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 06-30-2008, 02:54 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 06-30-2008, 02:56 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-02-2008, 04:13 AM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-04-2008, 01:33 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-05-2008, 05:04 AM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-07-2008, 07:19 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-09-2008, 05:24 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-12-2008, 07:09 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-14-2008, 06:46 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-17-2008, 02:33 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-26-2008, 01:23 AM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-29-2008, 12:22 AM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 07-31-2008, 12:42 AM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 08-04-2008, 06:30 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 08-18-2008, 08:13 AM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 08-29-2008, 06:16 PM,
اصل العائلة - بواسطة Seta Soujirou - 08-30-2008, 12:28 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 09-06-2008, 02:20 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 09-06-2008, 02:23 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 09-12-2008, 07:45 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 09-26-2008, 09:50 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 10-26-2008, 03:38 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 11-07-2008, 06:21 AM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 11-07-2008, 06:22 AM
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 11-15-2008, 06:11 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 11-18-2008, 11:22 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 11-19-2008, 02:48 PM,
اصل العائلة - بواسطة charles de gaulle 78 - 12-01-2008, 08:03 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"و"رسائل حول المادية التاريخية "، لإنجلز، التقدم مجدي نصر 2 2,226 03-13-2010, 02:15 AM
آخر رد: هاله

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS