عندما وصلت إلى الغرب كنت مهتماً بنفسي، أرى بها مركز الكون، وأحاول أن أثبت أقدامي وأضبط خطواتي على وقع الحياة الغربية. لم يكن لدي من الوقت ما يكفي كي أنظر إلى الوراء أو أنظر عن كثب إلى هذا "الجمود الإجتماعي" الموجود في هذه البلاد الباردة. كنت معجباً بالتنظيم الغربي والدقة الغربية وإيلاء المصلحة العامة الأهمية الكبرى. كنت مأخوذاً بالشرائع الغربية وتكافل الفرص والمساواة والعلمانية والاستناد إلى العقل في كل شاردة وواردة.

ومضت السنون ... ورسّخت أقدامي، وتزوجت وأصبحت رباً لعائلة، وبدأت أعيش شيئاً من حياة مستقرة، وفي نفس الوقت بدأت أشعر بالحنين إلى "صبّحك الله بالخير" و"تفضّلوا" و"أهلا وسهلاً" بوجه بشوش ونبرة سمحة كريمة تميز الشرق وطبع مواطنيه. هنا، بدأت استشعر "التصحر الوجداني" في هذه البلاد المرتبة المنظمة. بدأت أميّز عن كثب الكثير من "الوجوه الكالحة" التي تحيط بي. تنبهت إلى أنني أسكن بجانب جار لا أعرف اسمه منذ 10 سنوات. تنبهت إلى أنني استطعت تكوين "معارف" ولكني عجزت عن تكوين "صداقات حقيقية". تنبهت إلى أن "الفردانية" التي بنت أوروبا تعني - بين جملة ما تعنيه - ضرباً من "الجفاف العلاقاتي" و"البخل الاجتماعي" الواضح. بدأت أنتبه إلى أنني بحاجة إلى بعض الأصدقاء الحقيقين الذين أستطيع أن أشعر بهم ويشعرون بي، أن أعاضدهم ويعاضدوني، أن أقطع معهم بضعة ساعات من الوقت كل أسبوع في جو من الإقبال والأريحية والود. فأنا لا أحب الخمّارات وحديث السكارى، ولم تعد تستهويني أجواء المراقص والحفلات الصاخبة، وافضل "المسلسل السوري الجيد" على أفضل فيلم تنتجه "هوليوود".

هكذا وجدت نفسي منذ بضعة سنوات أفكر بالعودة إلى بلادي، وهأنذا أعد العدة شيئاً فشيئاً علني أستطيع أن أقول لهذه البلاد الباردة "وداعاً" في السنين القريبة القادمة. وهأنذا دائماً أردد بضعة أبيات زجلية "لخليل روكز" يقول - بين ما يقول - فيها:

<script>doPoetry()</script>

واسلموا لي
العلماني