نقطة ضوء
خارج هذا وذاك..!!
حسن خضر
-1-
يفرض الحدث اللبناني نفسه على كل ما عداه، بما في ذلك مصادقة الحكومة الإسرائيلية على خطة شارون للانسحاب من غزة، وكيمياء تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، التي لم تتضح معالمها بعد.
لا نعني بالحدث اللبناني اغتيال رفيق الحريري، بل التداعيات اللبنانية، والإقليمية، والدولية، التي نجمت عنه، وهي تداعيات مثل كرة الثلج، تتحرك ولا نعرف وجهتها النهائية، لكن حجمها يزداد، وخطورتها تتجلى أكثر فأكثر مع مرور الوقت. وأهمية هذه التداعيات أنها تتجاوز لبنان إلى ما عداه، من حيث تأثيرها في المدى المنظور، والبعيد.
ويمكن، في هذا الصدد، الكلام عن فكرتين أساسيتين على النحو التالي:
الفكرة الأولى، أن لبنان قد أصبح الجحر الذي سيلدغ منه السوريون، سواء كانوا مؤمنين، أم في ضلال مبين. ونعني بالسوريين النظام الأسدي، لأن الشعب السوري، على غرار بقية الشعوب العربية بلا حول، ولا قوة.
وإذا وضعنا في الاعتبار اختلاف الظروف، والتكتيكات، والإخراج، فإن الغرب بقيادة الولايات المتحدة، سيحوّل لبنان إلى كويت سوريا، أي سيخلق ما يعيد إلى الذهن المرافعات والمرافعات المضادة، التي شغلت بال المحليين، والدوليين من عرب وعجم بعد الغزو الصدامي للكويت، الذي انتهى بعد عقد من الزمن، بالغزو الأميركي للعراق.
وفي سياق كهذا لن يتوقف الأميركيون قبل إخراج السوريين من لبنان، خاصة وأن أوروبا تتبنى هذا الموقف، وإن اختلفت الدوافع والأسباب، وخاصة، أيضا وأيضا، أن طوائف، وأحزاب، وقوى يعتد بها في لبنان، تدعو إلى خروج السوريين، وفي وضح النهار.
لذلك، وبصرف النظر عن إدراك صنّاع القرار في النظام الأسدي لخطورة وضعهم، وبصرف النظر عن الطريقة التي سيجدونها أفضل من غيرها لحفظ ماء الوجه، من المؤكد أن خروجهم، أو إخراجهم من لبنان، سيكون عنوان اللعبة السياسية القادمة في الشرق الأوسط.
الفكرة الثانية، أن الحالة التي يدعوها أقطاب في المعارضة اللبنانية بانتفاضة الاستقلال تملك فرصة للانتشار في العالم العربي، إذا تمكنت من إسقاط الحكومة، وأرغمت السوريين بمزيج من الضغط الداخلي والخارجي على الخروج. فما المانع من نـزول الناس إلى الشارع في هذا البلد العربي أو ذاك، في مظاهرات سلمية ضد الحكومة، أو ضد النظام القائم نفسه. وما المانع من وصول حركات شعبية معارضة إلى إعلان وتطبيق حالة العصيان المدني؟
تبدو تصوّرات كهذه وكأنها تأتي من كوكب آخر، بالنظر إلى وحشية الأنظمة القائمة من جهة، وضعف الحركات الشعبية من جهة أخرى. ومع ذلك، الوحشية الظاهرة مجرد قناع خارجي لأنظمة تتآكل من الداخل، وقد أصبحت على درجة واضحة من التفكك والانحلال، كما أن الضعف الظاهر في أوساط حركات المعارضة، وعجزها عن التحوّل إلى حركات شعبية واسعة النطاق، لا يخفي تزايد منسوب القطيعة بين الحكّام والمحكومين، ولا يخفي تزايد الكراهية لأنظمة أصبحت تفتقر إلى الشرعية بصفة متزايدة.
ما يبرر هذا الكلام حقيقة أن المعارضة الأصولية قد وصلت إلى طريق مسدود، في معظم البلدان التي خاضت فيها مجابهة مباشرة مع النظام القائم. وقد كان الوصول إلى طريق مسدود نتيجة طبيعية لفشل الأصولية في بلورة برامج سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ونتيجة لاختيارها طريق العنف، سواء كردة فعل مضادة لعنف الأنظمة القائمة، أو كخيار يعبر عن فهم خاص لمعنى المعارضة، أو طريقة إسقاط نظام قائم.
وما يبرر هذا الكلام، أيضا، أن قدرة الأنظمة القائمة على الفتك بالمعارضين ما زالت حقيقية وعالية، ولكن من المشكوك فيه أن تتمكن من مجابهة حركة شعبية حقيقية، تتمكن من حشد آلاف الأشخاص في الشارع.
علاوة على ذلك، فإن الأنظمة القائمة في العالم العربي تخاف ولا تستحي، كما يقول المثل الشائع. وما دام كلام الأميركيين عن انتهاك حقوق الإنسان يثير لديها من الذعر، أكثر مما يثير كلامنا عن أهمية احترام حقوق الإنسان من ضرورة الإصغاء، فلا بأس من الاستفادة من موقف الأميركيين، بصرف النظر عن دوافعهم، وعن مصالحهم الخاصة.
ولعل النقطة الأخيرة تقود إلى خلاصة مفادها أن تظاهر هذا النظام، أو ذاك، بالوطنية، وبتمثيل مصلحة البلاد والعباد لم يعد ينطلي على أحد، حتى الانتداب الأجنبي ـ كما قال وليد جنبلاط ـ أرحم من حكم الطغاة، وإلا كيف نفسر أن بلادا كانت مستقلة فأصبحت تابعة، وأن بلادا كانت غنية فأصبحت فقيرة، وأن بلادا كانت قوية فأصبحت ضعيفة، وأن شعوبا كانت ذات عزة وكبرياء، فأصبحت ذليلة؟
ولا يمكن الكلام عن حركة شعبية واسعة النطاق دون تحديد موقف صريح من اتجاهين يخدم كلاهما الآخر، رغم أنهما على طرفي نقيض. ثمة اتجاه يرى أن الولايات المتحدة صادقة في مسعاها لتحقيق الديمقراطية، وأن الديمقراطية شرط مسبق لتحقيق السلام مع إسرائيل، بحكم أن الأنظمة العربية تستغل العداء لإسرائيل من أجل البقاء في الحكم. يمثل هذا الاتجاه بعض الداعين إلى اللبرالية في العالم العربي.
يقابل هذا الاتجاه اتجاه آخر، يقول إن الغرب يفرض علينا ما يتناقض مع قيمنا وتقاليدنا، وذلك كشرك مسبق للقبول بإسرائيل، وتطبيع العلاقة معها. ويمثل هذا التيار ناطقون باسم مختلف الأنظمة العربية، لتنفير العرب من الديمقراطية باعتبارها خديعة غربية تفتقر إلى الأصالة، وكأن القمع، والجهل، والسرقة، والافتقار إلى أبسط مبادئ العدل والعدالة، هي ما يمثل الهوية، وما ينسجم معها.
يخدم كلا الاتجاهين الآخر، ويصعب تصوّر حركة معارضة واسعة النطاق دون تحديد موقف واضح من هذين الاتجاهين. فلا اصطفاف إلى جانب الأنظمة بدعوى الوطنية، ولا اصطفاف إلى جانب الغرب بدعوى تطابق المصالح، بل خارج هذا وذاك تكمن الحقيقة.
http://www.al-ayyam.com/znews/site/templat...&Date=2/22/2005