Array
عزيزي "الحسن الهاشمي المختار"،

كنت أعتقد أن "يؤمنون بالغيب" تعني أولئك الذين يؤمنون بالماورائيات، بمعنى الله والملاك جبريل والجنة وجهنم. فهذه هي مدلولات "الغيب". أما "ألم" وكهيعص" وغيرها فهل هي من "الغيب"؟! وإن كانت، فما فائدتها؟ فليس هناك أي إشارة لمدلولاتها في القرآن - على ما أظن.

بخصوص "ذلك الكتاب"، شكرا للاسترسال في شرح معناه، لكن هناك سؤال بسيط لفهم الفكرة العامة: الكتاب هي كل ما تم تدوينه حتى ذلك الوقت من سور مكية، بمعنى مخطوطة او بردية او صحيفة او ما شابه. هل هذا هو قصدك؟!

شكرا جزيلاً لمداخلتك الطيبة.

تحياتي القلبية
[/quote]

عزيزي ابن العرب
تحية طيبة
الإيمان بالغيب هو تصديق النبأ المنقول الذي غاب عن بصرك وبصيرتك، إذا شاهد أبوك حادثة سير ثم أخبرك بها فتصديقك له يعني تصديق للخبر الذي غاب عن بصرك، أما أبوك فإدراكه كان بالشهادة وليس بالغيب.
أنت آمنت بالمسيح بالغيب لأنك لم تر آياته وإنما وصلتك رسالته منقولة فآمنت به، أما الذين عاصروا المسيح ورأوا آياته العجيبة فهؤلاء كان إيمانهم بالشهادة وليس بالغيب.
رسالة الإسلام على عكس الرسالات السابقة في كل شيء :
الآيات قبل الإسلام حسية فقط تدرك بالأبصار.
أما آيات الإسلام للناس فكانت آيات عقلية تدرك بالبصائر.
الوحي المكتوب قبل الإسلام غير مباشر من الله .
أما في الإسلام فالوحي المكتوب هو كلام الله المباشر لأنه هو نفسه الآيات التي تدرك بالبصائر.
إذن فقبل الإسلام كانت الآيات (فعلية) ، أما في الإسلام فالآيات (قولية).
قبل الإسلام كان الإيمان يبدأ بالشهادة أولا ثم يصبح إيمانا بالغيب للخلف.
أما الإسلام فبدأ الإيمان بالغيب ثم يريهم الله آياته في المستقبل
فيصبح إيمان شهادة بعد أن كان إيمانا بالغيب.
الإيمان بالشهادة هو الأحق أن يوصف أهله بالموقنين، والله تعالى يختبر الناس عند بلوغهم اليقين، فلما كان الإيمان قبل الإسلام بدايته بالشهادة التي يتحقق بها اليقين في حينها كان اختبار الله للموقنين يأتي مباشرة بعد إكمال الرسالة كما حصل للنصارى إذ أنهم فتنوا بعد انتهاء مهمة المسيح في الأرض مباشرة، أو يأتي الاختبار للموقنين والرسالة ما زالت لم تكتمل كما حصل لقوم موسى مع السامري وعبادتهم للعجل الذهبي.
أما رسالة الإسلام فهي عالمية لكل الناس ، والله لا يختبرهم إلا عند بلوغهم اليقين بعد أن يريهم آياته فيستيقنوا أن محمدا رسول الله ، وآيات الإسلام كما قلت سابقا هي آيات حكمة تدرك بالبصائر وليست بالأبصار.
نتابع ما جاء في سورة البقرة :
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
عرفنا أن المؤمنين صنفان لا غير :
1) مؤمن بالغيب.
2) مؤمن بالشهادة.
إذا ذكر الله الصنف الأول (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وعطف عليهم صنف آخر من المؤمنين فاعلم أنهم صنف آخر مغاير للأول لأن العطف يقتضي المغايرة، فإذا عطف بقوله : وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ...) فالمغايرة هنا لا تعني أن السابقين لا يؤمنون بما أنزل على الرسول ولا بما أنزل من قبله، بل تعني أن إيمان هؤلاء إيمان شهادة بدليل إثبات اليقين لهم : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ). فالآيتان حذف من إحديهما ما يستدل عليه في الآية الأخرى، وأثبت في إحديهما ما يقابل معناها في الثانية.
في الآية الأولى :
حذف (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) لوجودها في الآية المعطوفة عليها.
وجاء في الثانية بما يقابل معنى ما جاء في الأول:
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) حذف المقابل لها (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالشهادة) وأثبت بدلها معناها: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) = إيمان شهادة.
قد تتسائل كيف يتحقق الإيمان بالشهادة بما أنزل على محمد وبما أنزل من قبله والشهادة هي رؤية آيات تثبت صحة ما أنزل على محمد وآيات تثبت صحة ما أنزل من قبله!!
أقول : إن الله قال : سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) . هذا لا يعني أننا سنرى الآيات بالأبصار بل بالبصائر.
وقال : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.
إذن فهي آيات تدرك بالبصائر نعلم بها علم اليقين أن ما أنزل على محمد هو الحق وأن ما أنزل من قبله حق كذلك، ورأينا في موضوع سابق -ربما قد اطلعت عليه- أن رسالة الإسلام هي تتمة للمثل المضروب من قبل، أي أنك يمكنك أن تتنبأ بالنبي الذي يأتي بعد المسيح من خلال فهم المثل الذي ضرب المسيح له، والعكس صحيح أيضا، فإذا كان المسيح قد ضرب الله به المثل لخلق الإنسان وبث الروح فيه فإن النبي الذي يأتي بعده ينبغي أن يتمم المثل السابق، فالإنسان بعد خلقه ونفخ الروح فيه فإنه بعد إتمام مدة الحمل يولد أميا لا يعلم شيئا فيتعلم.
أليس محمد عليه الصلاة والسلام تتمة للمثل السابق!!
أليست هذه آيات في الأنفس وإيمان شهادة بما أنزل على محمد وما أنزل من قبله!!
لنتابع ما جاء في سورة البقرة
قال الله بعد ذلك :
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
من هم الذين أثبت الله صفة الهدى؟ هل هم المؤمنون بالغيب أم المؤمنون بالشهادة؟
أجيب : الصنفان على هدى من ربهم إلا أن المؤمنين بالشهادة هم أحق بكلمة الهدى أكثر من المؤمنين بالغيب، فالقاضي يحكم بناء على شهادة الشاهد ولا يأخذ بكلام السامع الغائب.