تثير الحيرة الترابط العجيب في العديد من النقاط بين الاسلام والاديان السابقة له بما فيه الوثنية. وسأحاول هنا استعراض مااتذكره منها. ان النقطة الاولى المثيرة للاستغراب هو كلمة (الله) نفسها، إذ انها هي ذاتها اسم الوثن االكنعاني القديم ذو الجذور السومرية : إيل. يقول القرآن : " لايرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة واولئك هم المعتدون" (التوبة، 10). وتتكرر مرة اخرى :"كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاّ وَلاَ ذِمّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىَ قُلُوبُهُمْ" (التوبة، 8)

والرسول يقول ان كل اسم مرجعه الى إيل فهو الى الله عز وجل. (تفسير ابن كثير). والانجيل (الانج إل) تعني بشارة الله،

وهي ذات الكلمة التي يستخدمها المسيحيون عندما يقولون " ايلي"، وهي ذاتها الصرخة التي اطلقها المسيح مخاطبا (ايل) قائلا" ايلي، ايلي، لماذا شبقتني".

لدى الكنعانيين، كان إيل يعتبر رئيس الالهة، وهو رب السموات والارض، والمتعالي على كرسيه في السماء السابعة. وانتشرت عبادته بين الكنعانيين ابتداء من الالف الثالثة قبل الميلاد. وزوجته اسمها آشيرة او شعيرة، وهي ذاتها عشتار السومرية، ومنها اقتبست كلمة الشعائر المستخدمة اليوم بالعربية. وإيل كان يستخدم في اللغات الاكادية والكنعانية بمعنى السيد، وفي كنعانية اوغاريت استخدم بمعنى سيد او اب الالهة في المجمع الالهي. والى العربية انتقل عن الارامية والتي تنطق (إل ه) وتعني إله كصفة وليس كإسم، كما ترد في التناخ : سفر دانيال אֱלָהּ שְׁמַיָּא (ا ل هـ ش م ي م) إله السموات.

ومن أقدم الأدلة على ذلك في العربية، ما ورد في نقوش روافه ( 75 كم جنوب تبوك ) حيث ينص أحد النقوش الذي كتب بمناسبة تشييد الرومان لمعبد بالتعاون مع (ش ر ك ت ث م و د ي) "حلف الثمودين" بين سنتي 166- 169 م، أن الكاهن (ش ع د ت) كرس المعبد باسم( ا ل هـ ا) بمعنى أن اللفظة "القرآنية" استخدمت الشكل الآرامي للفظ (صفة) بالهاء المضافة، لكن بالمعنى الكنعاني (اسم)

إضافة الى ذلك نجد ورود لفظة אֱלֹהִים (ا ل هـ ي م) في القرآن على شكل "اللهم"، وهي صيغة الجمع لكلمة إيل في الكنعانية، كدلالة على الاحترام. ومن هنا نستطيع فهم جذر اسماء مثل اسماعيل، التي تعني سمع الله

وإيل هو احد ثلاثة آلهة، في الثالوث الموروث عن السومريين، حيث يقف على قمة الهرم الالهي الى جانب تموز (او بعل) وعشتار (شعيرة)، وسابقا كان يسمى مردوخ. ولازالت حتى اليوم توجد العديد من الشواهد الاثرية على ايل الوثني، حيث بابل تعني باب ايل، (باب الله)، مما يعني ان بابل هي مدينة الله الاولى وليست الكعبة ، إذا كان إيل هو الله. وهناك ايضا بيت ايل، مدينة في فلسطين، كانت في السابق بيت الله (مثل الكعبة) يعبد فيه الوثن الكنعاني واصبحت بعد ذلك مدينة دينية من الالف الثاني قبل الميلاد. وبعد ذلك كانت مركز اسرائيل الشمالية حيث كان اسباطها يعبدون إيل، في حين الاسباط الجنوبية كانوا يعبدون في هيكل اورشليم، وهو الامر الذي سبب الخلاف بين اسرائيل ويهودا. وفيما بعد تزوج يهوه من الالهة عشيرة زوجة إيل جل جلاله، حسب الاثار الاخيرة، على الرغم من ان التوراة اعتبرتها وثنية.

وهنا نصا تعبديا كنعانيا يتغني بقوة الاله ايل (جل جلاله) الجنسية وإيلامه لزوجتيه ، يقول:
(وجدت هذه الترنيمة في أوغاريت في سوريا مكتوبة على الألواح الطينية بأبجدية أورغاريت المسمارية)

"طويل هو قضيب أيل مثل ذلك الذي لبحر
قضيب إيل مثل ذلك الذي لفيضان...
يثني إيل رمحه/قوسه,
هو يسحب رمحه العظيم...
إيل يغوي زوجتيه,
عجبا! الامرأتان تبكيان:
يا زوج! يا زوج! ممتد هو رمحك/قوسك,
مسحوب هو رمحك العظيم ...
الامرأتان هما زوجتا إيل (الآن)...
الاثنتان تتعنيان وتنجبان..."


وهنا نص كنعاني اخر، يذكر بصفات الله القرآني:

" سيكشف إيل عن الصدر والحجر
فاسقط أيها الملك وكن تحت رحمة الأحقاد
أسقط على قدمي إيل – اعمل ببراعة وسرعة –
انحن ومجده
إيل يضرب كل من يتجمل بثروته
إنه ينهض من على المهاد ويضحك
رجله على المقعد الصغير ، يحاكم ويميز بدقة
وبطرف أنامله يجلب الشفاء ويقيم الأموات
وكما باستطاعته أن يهدئ خلافات الأشيرتيم
هكذا يوصل إلى مخلوقات الآلهة
أشد أنواع المجاعات "

إن الكعبة بذاتها يمكن ان تكون ميراث سومري، حيث بقيت فيها الطقوس تتشابه مع طقوس بابل، نرى ذلك من خلال الاضاحي، والملابس القليلة والشعائر. وبإنتصار إيل على بعل وعلى عشتار، ينتصر الاله المركزي الرعوي على الجماعات الزراعية وعلى العصر الامومي، لتبدأ الدولة المركزية . في خلال هذه الرحلة نرى ان تعبير إيل مر في عدة مراحل، حتى وصلنا على شكل كلمة (الله).

(لاحظ جورجي كنعان في كتابه ( تاريخ الله) أن النقوش التي عثر عليها في الإمارات الآرامية تتضمن إشارات واضحة إلى التطور الذي لحق باللفظ ( إيل ) منذ الألف الأول ق. م . من حيث البنية والمدلول، فمن حيث البنية ترددت في النقوش صيغ متعددة لـ(إيل) مثل (ال ه )، ( ال ها )، ( ال هه )، (ال هم)، ( اله ى ا ) . ومن حيث المدلول تحولت الصفة ( إيل ) عند العرب القدماء إلى لفظة (الله ) فكان من الطبيعي أن يدخلوه في تركيب أسمائهم مثل : ماء الله ـ سعد الله ـ الخ).
من هنا نرى ان إله تم إضافة الف ولام التعريف اليه، وتخفيفه ليصبح الله الاسلامي.

ولكن، هل الله مقدس؟

رأينا كيف ان شعيرة هي اسم لوثن قديم تم اقتباسها واسلمتها، والغريب ان هناك العديد من التعابير الاخرى التي جرى اسلمتها، ومنها مقدس، وحرمة، وحنيف.. ولكن، مامعنى كل من هذه الكلمات في الاصل، وهل الله مقدس حقا؟

يتبع...