عزيزي ابراهيم،

أنصحك بقراءة المزيد عن السادة المعتزلة، فلم يكن اسمهم لأن أولهم والذي نعني به واصل بن عطاء لم يكن منزويا في زاوية المسجد يقرر ما يراه من آراء على من يتبعه، بل أولهم الذي هو واصل بن عطاء الغزال الألثغ، سمي غزالا لأنه كان يتبع المتعففات من صاحبات الغزل ليجعل صدقاته فيهن، وهو شهير بالألثغ وهي له مدح وليست مسبة، ذلك أن الرجل قد بلغ من الفصاحة درجة إسقاط الراء من كلامه، واشتهر أمره في الأدب العربي في موضوع نثر الخطابة أيما اشتهار، حتى صار إسقاط الراء عنده على البديهة، ولعله هو المعني بالطرفة حين قيل لألثغ قل أمر أمير الأمراء بحفر بئر في الصحراء، فرد حكم حكيم الحكماء بشق جب في البيداء.

وإذ أذكر لك فصاحة واصل، فلا تعنيني فصاحة بمطلقها بقدر ما يعنيني أن الفصاحة كغيرها من الفنون، هي تؤخذ بالمران، ومن المران أن يخاطب الرجل الناس لا أن ينعزل في أسطوانة. وفيه جرأة، إذ خالف شيخه أمامه، متحديا برأيه، صادعا بما يراه الحق، موجدا أتباعا لرأيه منذ اللحظة الأولى.

ثم إن السادة المعتزلة، مع مخالفتي لشيء كثير من أصولهم، واندفاعهم في علم الكلام بعد الغاية، كان أحد أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما اضطر العباسيون أن يحتالوا عليهم فيحتووهم حتى يأمنوا منهم، فصار أن قربوهم ومكنوهم، ثم ورطوهم وزاودوا عليهم، ثم فتنوا بهم الناس وفتنوهم بالناس، ثم نكبوهم بعد أن ازدرتهم العامة.

نرجع إلى القرآن،
عزيزي، نحن حين نريد أن نعرف ماذا يريد الله نأخذ هذا الموضوع من الله مباشرة أو من رسوله، ولا نتخيل أن مجموعة من السوالف والأقاصيص هي من عند الله لأننا نحب ذلك أو نراه في المنام.

الله يوحي كما يريد، ومن وحيه أن ينزل كلاما على رسوله مع ملك ليكتبه قرآنا كريما، أو أن ينزل لوحا مكتوبا ليكون توراة كريمة، أو أن يلقي الكلام في روع النبي ليصوغه كما يريد من لفظ مع إنجاز المعنى الملهم ليكون حديثا شريفا.

من وحي الله أن يكلم نبيا من وراء حجاب، أو أن ينزل ملكا يوحي للنبي، أو أن يري النبي رؤيا صادقة، أو أن ينزل عليه كتابا في قلبه يقرأ منه للناس فيكون إنجيلا كريما.

عزيزي، قبل أن أذهب، أكرر نصيحتي أن تقرأ أكثر عن المعتزلة، واقرأ عن مواقفهم السياسية، وتأمل رعاك الله في الفخ السياسي الذي نصبه لهم المأمون ومن تلاه من العباسيين حتى نكبهم المتوكل، وصار اسمهم يقرن مع فتنة ابن حنبل رحمه الله.