{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
التضخم الكلامي.
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #1
التضخم الكلامي.
"إن تدليل الجماهير كالأطفال و التوقف عن نقد ثقافتها هو نوع من النفاق الضال"

إن حياتنا العقلية ممتلئة بالكلام إلى حد التضخم ، كلام كثير و كبير و مبهر و براق ،و لكنه غالبا غوغائي قليل القيمة ، ودائما مربك و مشوش ، هذا التضخم الكلامي يضغط على تفكيرنا ، و يحدد مساراته في دوائر صغيرة مسموح بها ، فلا يكون أمامنا سوى قدرا ضئيلا من الفراغ الذي يمكن أن نتنفس فيه ، الجميع يتكلم في كل شيء ، و غالبا ما يكون المتحدث جاهلا بموضوعه ، ولم يقرأ عنه حرفا واحدا ، و لأن الكلام أصبح يتزايد حجما و تفاهة ، فهو غالبا ما يحصن نفسه بالتعبيرات الضخمة و الإتهامات الجاهزة للمخالف .
لهذا التضخم الكلامي أسباب متعددة ، بعضها خاص باللغة العربية نفسها ،و البعض خاص بالتاريخ المعاصر ،و الكثير مرتبط بالواقع الإجتماعي و السياسي .
اللغة ليست أداة للتعبير فقط ، و لكنها أيضا و بالأساس أداة التفكير ، و بالتالي فمن المستحيل نقل فكرة من لغة إلى أخرى بدقة تامة ، فالأمر سيكون دائما تقريبيا ، فلكل لغة بنائها المنطقي و الثقافي الخاص ،و عندما تحمل اللغة فكرة ما فهي تعيد تشكيلها وفقا للبنى القياسية لها ، و المحصلة ستكون شيئا جديدا . لكل لغة إذا خصائصها المميزة ، هذه الخصائص تشكل الإطار الإدراكي للمتحدثين بها ، و من أهم خصائص اللغة العربية كما تؤكد الدراسات خاصيتان ، الأولى هي المبالغة و الثانية التوكيد ، فالمتحدث يخشى دائما أن يفهم بشكل مختلف ، أو حتى بشكل عكسي ، لهذا فهو يستخدم صيغ المبالغة لتوصيل فكرته ، كما يكرر و يؤكد أقواله بشكل مستمر ، وربما تنفرد اللغة العربية بما يعرف بصيغ المبالغة ، فالفاعل ليس دائما فاعل ،و لكنه للتأكيد فعول و فعال و فعيل و مفعال و فعل ، فالرجل ليس كاذب فقط ،و لكنه كذاب و كذوب ..و هكذا ، و لن تجد شيئا مشابها في اللغة الإنجليزية ولا الفرنسية ، هذه الخاصية انتقلت إلى عالم الفكر و السياسة ، فمن النادر أن تجد من يصف المخالف بأنه مخطئ ، و لكنه سيكون إما كافر أو خائن و عميل .. في قلوبهم مرض ، لا تعلمونهم الله يعلمهم ، ولو حاولت أن تعبر عن أفكارك بجمل بسيطة مباشرة لأعياك ذلك ، فصيغ اللغة العربية بطبيعتها حافلة بالمبالغات ،و لن تستطيع تجاوزها إلا بصعوية ، أما النتيجة ستبدوا كما لو كانت ترجمة عن لغات أجنبية .
حسنا و ماذا في ذلك ؟، هناك خطورة أكيدة ،و هي أن العربي سيفكر أيضا بنفس الصيغ غير الدقيقة و الحافلة بالمبالغات ،و بالتالي سيربك نفسه و يشوش عقله ، و تكون المحصلة نتائج لا علاقة لها بالواقع ، بل نتائج تتوافق فقط مع صيغ المبالغة و تضخيم الحقائق و تلوينها بالخيال المفرط .
هناك عامل آخر لا يقل خطورة ، ألا وهو غياب المعايير القياسية التي يمكن بها تقييم الاخرين و تقدير التميز ، وهذا يبدوا واضحا في مجتمع مثل المجتمع المصري ، غياب هذه المعايير يعود إلى خصائص مرتبطة بالتغيرات التي حدثت في المجتمع ، و هي خاصية التحديث العشوائي ، فأكثر ما يميز التحديث المصري هو عدم الإنتظام ، و أنه يقوم على التجريب العشوائي لمجموعة متناقضة من النظريات و الأفكار ، ولو استعرضنا مسار الحداثة من المنظور التاريخي منذ بدايتها منذ 200 عام ، لوجدنا مراحل متتالية و متناقضة ، و كلها مبتورة لم تستكمل قط ، فمصر الملكية كانت ليبرالية بشكل عام ، رغم وجود الإحتلال ،و لربما بسبب هذا الإحتلال ، بينما جائت أفكار رجال 1952 إنقلابا تاما على الفترة السابقة لها ، فانتهت التجربة الليبرالية القائمة على رأسمالية السوق الحرة ، لتدخل مصر عصر الشمولية الإشتراكية بصورها المختلفة ، مما كان يعني إنقلابا كاملا على كل الأفكار السائدة ، و لم يستمر الأمر طويلا ففي منتصف السبعينات ، بدأ المجتمع في التحول مرة أخرى إلى الرأسمالية و التعددية السياسية ، وصاحب ذلك عودة المقدس إلى الخطاب السياسي ، مما كان يعني الإنقلاب على كل منجزات الحداثة العلمانية ، و التحول إلى عمليات تحديث شكلية تشبه ما يحدث في مجتمعات الخليج ، كل هذا أدى إلى ضبابية القيم و غياب المعايير المشتركة ، وهكذا يصبح الكلام رصيد من لا رصيد له ، حجم هائل من مجرد الكلام يملأ حياة الناس ،وهذا نتيجة افتقاد معايير التميز ، فيصبح الكلام هو المعيار ، و هذا يخلق عالم وهمي بديل ، عالم لا يدعمه سوى الكلام فقط ،و بدون أي دعائم حقيقية صلبة ، و يرتبط بهذا التضخم الكلامي بما يمكن أن نطلق عليه بطولات الحياة اليومية ، فنتيجة أيضا لغياب المعايير الموضوعية للتميز ، يشرع الناس في إختلاق بطولات وهمية صغيرة و تافهة من أحداث عادية ،و لهذا ليس مستغربا أن يتحدث صحفي مغمور عن مقاله الذي أحرج جورج بوش و جعله يدور حول نفسه ، أو أن نصادف ذلك الطبيب المخرف الذي يتحدث عن أسرار الدولة العليا ، التي ينفرد بمعرفة كل تفاصيلها ، هذه الأحاديث التافهة ليست محصورة في طبقة معينة ، بل هي شائعة حتى بين صفوة النخب ، و المدهش أنك تجد أن الجميع يتحدثون في نفس الوقت ، و سيكون مسكينا ذالك الصامت الوحيد – لو تصادف وجوده – فعليه أن يبدي إعجابا بحشد من التافهين .
عامل آخر لا يمكن إنكاره ، هو ديمقراطية الكلام التي تحققها ثورة الإتصالات ، فمنذ سنوات معدودة كان حق مخاطبة الرأي العام محصورا في عدد محدود من الكتاب المعروفين ، و هذا يعني نقاط إرسال محدودة و قاعدة واسعة من المستقبلين ، و بالتالي كان من السهولة نسبيا توفير حدا ما من مستويات الجودة في مادة الإتصال المتداولة ، و لكن ذلك كله تلاشى الان ، فهناك أعداد لا نهائية من المتحدثين ، بحيث أصبح من المشقة متابعة هذه الأصوات أو حتى تحديدها ، أما التقييم و تقدير الجودة و الأصالة فمستحيل حرفيا ، تحول الأمر كله إلى سوق بابلي يتحدث فيه الجميع و لكن لا يقولون سوى القليل ، هذه النوع من المساواة الكلامية سيكون شديد الخطورة في لحظات التحول ، و علينا ألا نستسلم لمنطق متصلب مصمت عن المساواة ، وفقا لمعادلة منطقية على النحو التالي :" طالما كان الناس كلهم متساوون ، فيجب أن يكون كل شيء يفعلونه متساويا كذلك " ،وفقا لهذا المنطق الخاطئ سنقبل أفكار الجميع على قدم المساواة ،و سنتحاشى نقد ثقافة الجماهير باعتبار هذا النقد متعاليا و نخبويا ، إنني على النقيض أرى أن الدعوة إلى الشعبوية هي دعوة معادية للحياة بل مدمرة لها ، فهي مملؤة بالبريق الفاسد و التسطيح الأخلاقي ، وهي تميل نحو التماثل ، هي ببساطة نوع من المشاركة في التفاهة رغم كونها تفاهة مركزية ضخمة تشمل الجميع ، إن دعم الديموقراطية و المساواة لا يعني الموافقة على كل منتجاتهما ، بل على العكس لابد من حماية القيم العليا برفع يد الجماهير عنها ، إن القبول بهيمنة الثقافة الجماهيرية يعني تجميد التاريخ و توقف التغيير .
إن تدليل الجميع كالأطفال و التوقف عن نقد ثقافتهم هو إهانة للجميع و نوع من النفاق الضال ، وبدلا من المساهمة في صناعة ثقافة جماهيرية جديدة أكثر عقلانية و ملائمة للتطور نترك ثقافة الجماهير المفارقة للحضارة هي التي تصنعنا ، وهذا ما يجب أن نخشاه و نعمل على إصلاحه .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-10-2008, 06:15 AM بواسطة بهجت.)
12-10-2008, 06:15 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 12-10-2008, 06:15 AM
التضخم الكلامي. - بواسطة عاصي - 12-10-2008, 10:23 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 12-10-2008, 11:49 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة الحر - 12-11-2008, 01:07 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة خالق محجوب - 12-11-2008, 01:15 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 12-11-2008, 11:41 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة الحر - 12-11-2008, 02:25 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 12-11-2008, 05:33 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة Serpico - 01-07-2009, 01:17 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بنى آدم - 01-07-2009, 01:44 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة Awarfie - 01-07-2009, 07:50 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 01-10-2009, 05:15 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة Awarfie - 01-10-2009, 11:49 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة جادمون - 01-10-2009, 01:13 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 01-13-2009, 02:23 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة Awarfie - 01-13-2009, 09:12 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 01-14-2009, 04:08 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة 4025 - 01-14-2009, 09:05 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 01-14-2009, 03:09 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة Awarfie - 01-14-2009, 08:53 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 01-16-2009, 01:22 AM,
التضخم الكلامي. - بواسطة زكي العلي - 01-19-2009, 07:18 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة زكي العلي - 01-21-2009, 07:31 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 01-21-2009, 09:01 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة زكي العلي - 01-21-2009, 09:11 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة الحكيم الرائى - 01-21-2009, 09:56 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة زكي العلي - 01-21-2009, 10:19 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة بهجت - 01-23-2009, 07:25 PM,
التضخم الكلامي. - بواسطة زكي العلي - 01-23-2009, 09:26 PM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS