أمريكي قصد العراق ليعالج جراح فيتنام.. فعاد محطماً
أيوا، الولايات المتحدة (CNN) -- انقلبت الأمور رأساً على عقب بالنسبة لأمريكي يبلغ من العمر 65 عاماً، قام بتجربة فريدة مؤخراً، عندما قصد العراق ضمن مهمة علاجية وإنسانية في آن، على أمل أن يتمكن من نسيان وتجاوز الآثار النفسية الناجمة عن "صدمة ما بعد المعارك" التي ألمّت به إثر مشاركته في حرب فيتنام.
فقد تعرض الجندي القديم، بوب كونراردي، لمجموعة من المواقف الخطرة التي هددت حياته بشكل زاد من سوء وضعه الصحي، حيث يقول إن مشكلته التي كانت تتمثل بالقلق والعجز عن النوم والتحرك دون وعي انقلبت إلى خوف شبه دائم ورهاب ليلي، حيث يمضي ساعات الظلام في معاناة نفسية شديدة لا تنتهي إلا مع شروق الشمس.
ويقول كونراردي إنه شارك في معارك حرب فيتنام قبل أربعة عقود، حيث أصيب في مواجهة بشظية مزقت جسده، فحمله أربعة من رفاقه في الفصيلة لمدة ساعة، حتى وصلوا به إلى نقطة الإسعاف، وعادوا بعدها إلى المعركة، ليعرف لاحقاً أنهم قتلوا جميعاً، إلى جانب معظم أفراد الفصيلة.
وأدى ذلك بكونراردي إلى الشعور بالندم والمسؤولية عن مقتل رفاقه دون أن يكون معهم، غير أن آلامه النفسية هذه لم تكن أسوء ما تعرض له، إذ اكتشف بعد أعوام انه مصاب بعوارض "صدمة ما بعد المعارك" إذ كان يتجول ليلاً دون وعي، فيجد نفسه مثلاً في سوبرماركت تبعد 20 دقيقة عن منزله دون أن يعرف كيفية وصوله.
كما كان يجوب الشارع الذي يقطن فيه ليلاً وهو يحمل مسدسه في دوريات وهمية كان ينفذها، وقد سألته الطبيبة النفسية التي كانت تتابع حالته في مرفق صحي لقدامى المحاربين يوماً عمّ كان سيفعله لو حاولت الشرطة اعتقاله، فقال إنه كان سيطلق النار على العناصر الأمنية ويفر عائداً لمنزله.
وفي سياق محاولته الشفاء من آلامه النفسية، قرر كونراردي إحياء ذكرى رفاقه القتلى من خلال حملة لجمع تذكارات للجنود الأمريكيين المنتشرين في العراق، على غرار كرات وبطاقات ورسائل، تهدف لرفع معنوياتهم، إلا أن برنامجه تبدل عندما طلب منه الجيش تسليم التذكارات بنفسه، وتسجيل انطباعاته كمراسل لجريدة محلية في الوقت عينه.
ولدى سؤال CNN لكونراردي عن كيفية سماح الجيش لجندي قديم كان يتلقى العلاج في منشأة طبية أن يعود إلى أرض المعركة قال: "أنتم أول من يسألني هذا السؤال."
ووصل كونراردي إلى العراق في مارس/آذار 2007، حيث كان من المفترض أن يكتفي بتسليم التذكارات وجمع رسائل وأشرطة فيديو من الجنود ليحملها معه إلى عائلاتهم، غير أن رغبتهم في التعرّف إلى الجنود ومشاركتهم تجاربهم دفعه إلى قبول عرض قائد الفصيلة بمرافقتهم في دورية مسلحة ببغداد.
ويروي كونراردي تفاصيل تلك الدورية قائلاً: "خلال مرورنا في أزقة بغداد، تفرضنا لانفجار عبوة كانت مزروعة على الطريق، فانفجر الإطار الذي كنت أجلس في مقعد فوقه، وبعد ذلك وقع اشتباك مسلح.. وعندما أتذكر تفاصيل ذلك اليوم أقول لنفسي: يا إلهي.. كدت أن أُقتل."
ويقول كونراردي إن بعض ما يقلقه ويشعره بالندم حيال تجربته في العراق يعود إلى أمور امتنع عن فعلها، ويشرح قائلا: "كنت في طريقي إلى المرحاض عندما سمعت صوت بكاء، وددت أن أذهب لمساعدة صاحب الصوت والتخفيف عنه، لكنني لم أفعل، وأنا نادم على ذلك."
وبعد أسابيع من عودته إلى بلاده، حاول الجندي القديم الاتصال بالجنود الذين كانوا معه في الدورية، ليتضح له أنهم قتلوا جميعاً في انفجار عبوة ناسفة في 19 مايو/أيار 2007 ببغداد.
وعن وضعه الصحي بعد تجربته يقول كونراردي: "كنت أعجز عن النوم في السابق، لكن الوضع اليوم أسوء بكثير.. أكره حلول الظلام لأنني أصبح متوتر الأعصاب، لا يمكنني تحمل حلول المساء، وعندما يبدأ الليل، أبقى على حافة الإنهيار حتى حلول الفجر."
ويقدر متخصصون بأن نحو 300 ألف جندي ممن خدموا في العراق وأفغانستان يعانون من نوبات قلق ومشاكل ما بعد الصدمة، عدا القلق الناجم عن ترك الزوجة أو الأبناء.
ويقول اتحاد المحاربين القدامى إن نحو 120 ألف جندي حاربوا في أفغانستان والعراق يعانون أعراض الأمراض العقلية، ونصفهم مصاب بمتلازمة ما بعد الصدمة.
المصدر