حدّة الشيخ وحدود الكلام
محمد صلاح الحياة - 14/12/08//

جرت الواقعة قبل نحو عشر سنوات. كان يوماً طبيعياً لدى مسؤولي الصحيفة بدأ بقراءة الصحف والاطلاع على الأحداث وإعداد برنامج العمل اليومي بين الزملاء ورنّ الهاتف، وكان على الطرف الآخر مسؤول «مهم» بدأ بالسلام والتحية ثم سأل عن زميل يعمل في الصحيفة، فأجاب مدير مكتب الصحيفة بسؤال: ماذا جرى له؟ فما كان منه إلا أن طمأنه على أحوال زميله وأنه بخير، ثم طلب منه التوجه إلى مقر المسؤول المهم للحديث في أمر يخص الزميل رفض التحدث في شأنه عبر الهاتف. على رغم الالحاح لمجرد أن يطمئن القلب على الزميل إلا أن المسؤول أصر على أن يكون النقاش مباشرة وفي مكتبه. بالطبع لم يتردد صاحبنا وقاد سيارته الى مكتب المسؤول الذي استقبله بحرارة وابتسامة عرف بعدها معناها. جلس صاحبنا والقلق والحيرة يغلبان عليه وسأله عن الأمر: فرد المسؤول بسؤال: هل تلقى زميلكم تكليفاً بإجراء حوار مع شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي. فردّ: نعم، وكان اليوم صباحاً موعد إجراء اللقاء. ثم سأل صاحبنا المسؤول: هل حدث شيء؟ هل تجاوز زميلنا مع الشيخ؟ فكانت الاجابة: «على العكس فكل الزملاء لديكم يتمتعون بدماثة الخلق وحُسن التعامل والكفاءة المهنية وزميلكم أجرى الحوار مع الشيخ بالفعل لكن يبدو أن النقاش كان ساخناً فحدثت مشكلة بسيطة عند نهايته. بالطبع «لعب الفار في عبّ» صاحبنا كما نقولها في مصر، وتسرب لديه شعور بأن إجراءً ما اتخذ ضد زميله وأنه «في مكان آمن» وهي العبارة التي تصف عادة حال بعض الموقوفين، فسأل على الفور: أين هو الآن؟ فأجاب المسؤول: إنه في قسم (مخفر) شرطة الدرب الأحمر (في وسط القاهرة). اعتقد صاحبنا أن زميله اتهم من قبل شيخ الأزهر أو أي مسؤول في الدولة بتهمة محددة فسأل: لماذا تم توقيفه وبأي تهمة؟ فطمأنه المسؤول وهو يبتسم: «زميلكم ليس متهماً بل مدعياً وهذا هو الموضوع». ثم روى له وقائع ما جرى من وجهة نظره. «كان الحوار يسير بشكل هادئ وطبيعي وقبل نهايته سأل زميلكم الشيخ عن أسباب استقباله للحاخام اليهودي لاو في مكتبه، فغضب الدكتور طنطاوي بعدما رأى أن هدف السؤال هو الايعاز بأن الشيخ ارتكب خطأ وخصوصاً أن حملة كبيرة كانت شنت ضده في صحف المعارضة بسبب ذلك اللقاء، فاحتد بعض الشيء على زميلكم فما كان من الأخير إلا أن خرج من مقر الأزهر إلى قسم الشرطة راغباً في تحرير محضر اثبات حال ضد الشيخ». ثم أضاف المسؤول: ان الأجواء والظروف ومقام الشيخ لا تسمح بأن يُحرر محضر ضده في مخفر الشرطة، والمطلوب الآن إقناع زميلكم بالتراجع عن تلك الخطوة.
بعد نقاش طويل توجه صاحبنا مع المسؤول إلى مخفر الشرطة فروى الزميل الرواية نفسها ولكن مع بعض التفاصيل التي تتعلق بمستوى «الحدّة» لدى الشيخ وبينها أنه دعا حراس مكتبه إلى الانتقام من الزميل بمجرد أن طرح عليه السؤال الذي أغضبه، ففر زميلنا بأعجوبة بعدما نال بعضاً من «الحدة» كانت علاماتها ظاهرة على جسده. انتهت الحكاية وأقنع صاحبنا زميله بأن ما جرى جزء من الضريبة التي يسددها الصحافي لينجز عمله وواجبه وأن قليلاً من «الحدة» مكّنه من أن ينجز «خبطة» صحافية جيدة.
تذكرت الواقعة في مناسبة الجدل الذي يسود الأوساط المصرية منذ نُشرت صورة لمصافحة بين الشيخ طنطاوي والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أثناء حضورهما مؤتمر حوار الأديان في نيويورك أخيراً. وكان الشيخ رد على الانتقادات ضده مستخدماً عبارات حادة زادت من الحملة ضده خصوصاً عندما أعلن أنه لا يعرف «أن قطاع غزة محاصر أم لا وأن مصافحته الرئيس الإسرائيلي ليست سبباً في الحصار ولا فكه». وقبل يومين عاد الشيخ إلى الحديث عن الحصار مطالباً زعماء العالم بالتدخل لمساعدة الفلسطينيين والضغط على إسرائيل لفك الحصار. يبقى كلام الدكتور طنطاوي محل اهتمام واحتفاء من جانب الصحف ووسائل الإعلام التي تجد فيه مجالاً لـ «خبطات» صحافية من الوزن الثقيل، لكن حدة الشيخ في الحديث تزيد دائماً من الصخب والجدل حوله بما يدفعه الى الرد بعبارات أكثر حدة، وهكذا تسير العلاقة بين بعض وسائل الإعلام وشيخ الأزهر بين الحدة وبعيداً عن الحدود.