الحلقة المفقودة:

بناءً على ماسبق من استحالة تخليق المواد العضوية في بيئة مائية.. فقد تنامى توجه جديد يقول بضرورة وجود مرحلة جافة تتمكن فيها المواد الكيميائية العضوية البدائية غير المستقرة في الحساء الهيولي من أن تستقر وترتقي إلى مركبات عضوية أكثر تعقيداً.. فلا تنعكس لتعود مرة أخرى إلى مكوناتها الأساسية...

بالإضافة لذلك فإن تكوين البروتينات والأحماض النووية من الأحماض الأمينية الأولية يحتاج بالضرورة إلى التخلص من جزيء من الماء في كل زوجين من الجزيئات في الأحماض الأمينية والنوويات (Nucleotides).. وتسمى هذه العملية باسم البلمرة (Polymerization).. وقد كانت المشكلة هي أنه على الرغم من أن عملية البلمرة تمت في مياه الحساء الهيولي فإن وجود الماء كان يؤدي بالضرورة إلى انعكاس هذا التفاعل.. وبهذا فإن عملية البلمرة تتحول إلى عملية لا بلمرة...
كان هذا يعني أنه لابد أن يكون تبخر المحاليل الأولية قد حدث بعد ارتطام مياه الحساء الهيولي بالصخور وبطين الشواطئ... ولعل هذا كان ضرورياً ولازماً للمركبات البدائية التي تخلقت في الماء وللمركبات الأخرى الأكثر تقدماً وارتقاءً والتي استقرت فلم تعد تتحلل مرة أخرى إلى أشكالها الأصلية..

وقد تكون أكثر النظريات معقولية وأقربها للحقيقة كانت تلك التي قدمها برنال (Bernal) الذي قال بأن العوامل المساعدة مثل الطين والسيلكا قد لعبت دورها في هذه العملية: "إن التصاق جزيئات الماء بسطح الطين وبلورات المواد غير العضوية كان وسيلة فعالة لتركيز وبلمرة الجزئيات العضوية"
ومنذ ذلك الحين فإن هذه الفكرة لم تفقد وجاهتها ومعقوليتها..

وقد أخذ كارنس-سميث هذه الفكرة إلى مدى أبعد.. فبينما ذكر برنال أنه ليس الصلصال وحده بل كان السيلكون أيضاً ضرورياً كعوامل مساعدة في تكوين الجزيئات العضوية.. فقد ذكر كارنس-سميث أن أنواع الصلصال ربما كانت وحدها هي التي تكونت منها المركبات العضوية في بحثه الذي نشره عام 1966..

وعلى الرغم من التباين في الأراء عن كيفية التغلب على مشكلة التكوين ثم التحلل المعاكس في الماء.. إلا أن هناك أمر أكيد متفق عليه وهو أنه لاتوجد أية نظرية عن النشوء الكيميائي للحياة يمكن قبولها بغير وجود بداية جافة.. أو مرحلة جافة متوسطة.. وقد نشأت هذه المرحلة عندما تحولت مياه البحار إلى حساء هيولي ثم تركزت هذه المياه لوجودها على الصخور أو على الشواطئ.. ولما جفت تكونت طبقات من صفائح رقيقة من الصلصال..

كما أن البحوث التي قام بها كل من نوام لاهاف(Noam Lahav) ودايفيد وايت(David White) وشيروود شانج(Sherwood Chang) بيَنت بشكل أوضح أهمية الصلصال كعامل لعب دوراً أساسياً في تخليق المادة العضوية... فقد بينوا كيف أن الصلصال حين تعرض إلى دورات من البلل والجفاف استطاع أن يربط بين جزيئات الحمض الأميني المعروف باسم جلايسين (Glycine).. وتسببت هذه الدورات في انتقال الطاقة من الجو المحيط إلى الجزيئات العضوية..

ويرى العلماء أنه مع ازدياد جفاف الصلصال وبالتالي ازدياد تركيز المحاليل التي يحتويها.. بدأت هذه المحاليل تتبلور في نسق غير متناظر... وتكونت بذلك طبقة دقيقة ورقيقة.. ومع استمرار ترسب طبقة فوق أخرى تكونت صفائح رقيقة تشبه قطع الفخار..

ويقول كوين (Coyne) من جامعة كاليفورنيا في هذا السياق عن خصائص أنواع الصلصال الكاؤلينايت (Kaolinite) في المراحل المبكرة من عملية النشوء الكيميائي بأن هذه الأنواع من الصلصال تمتص الطاقة من الوسط المحيط بها من خلال عملية النشاط الإشعاعي.. ثم تخزنها ثم تطلقها عندما يتعكر الصلصال من خلال عمليات البلل والجفاف المتوالية..

إن رحلة الكشف عن أصل الحياة أطول من أن تنتهي.. والواقع أنه على الرغم من بحوث العلماء وجهودهم في هذا المجال للكشف عن أصل الخلق فإنها لم تتقدم عن مرحلة الحساء الهيولي للمواد العضوية والتي لايزالون يستقصون أسرارها...

يتبع

تحياتي
سلام

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني