ماذا أراد الحذاء قوله؟

GMT 23:15:00 2008 الأربعاء 17 ديسمبر

القدس العربي اللندنية



--------------------------------------------------------------------------------


على محمد فخرو

الكثيرون من جحافل فئران أرض العرب، like hany and ziad من الذين مشوا وراء السًّاحر لاعب النًّاي الأمريكي إلى البحار الملوًّثة وشربوا من مائها وكادوا يغرقون. الكثيرون من هؤلاء سيصفون ما فعله الإعلامي الشاب العراقي برئيس الولايات المتحدة الأمريكية بأنه قلة أدب ودليل على همجية انفعالات ذلك الشاب[color=red]: فالإعتداء على رمز أقوى أمة على وجه الأرض هو طيش طفولي يقع خارج دائرة المقبول. لكن هؤلاء معنيٌون بالتصرٌّف دون سبر أغوار ما وراء التصرٌّف وما أدُّى إليه.
دعنا أولاً نذكٍّر أنفسنا بأن المراسل التلفزيوني العراقي صرخ، وهو يلقي الحذاء الرخيص المتواضع في وجه رمز مؤسسة الإجرام الأمريكية التي اغتالت العراق، بأن الحذاء هو هدية أطفال العراق اليتامى والثًّكلى من نسائه والمنحورين من خيرة شبابه إلى المجرم الأحمق الذي أسال أنهار الألم والأحزان في ربوع بلادهم. لم يكن الشاب يتحدث عن أوجاعه وجراحات أقربائه. كان يذكٍّر المجرم بآهات وأنين ضحاياه كلهم.
دعنا ثانياً نفهم الحدث بأنه ممارسة لإشارة رمزية. فإلقاء حذاء في وجه سفُّاح لا يرقى لأن يساوي حتى ذرة من الجحيم الذي ألقاه جنود الرئيس الأمريكي، بأمر ومباركة وتبرير منه، على أهل مدن وقرى العراق. فالردٌّ على القنابل الأمريكية لايمكن أن يكون بإلقاء حذاء، لكن مفعول الإشارة الرمزية المعنوية تعادل في وزنها وتأثيرها ألف معركة من معارك الحروب البربرية الحيوانية. إن المعنى الرمزي لصورة الحذاء ولصورة الرأس الأمريكية المنحنية المذعورة قد دخلت التاريخ. لن يعرض فيلم وثائقي ولن يكتب كتاب تاريخي عبر القرون القادمة حول فضيحة الغزو الأمريكي للعراق وإلاُ وتكون تلك الصورة الرمز في قلب ما سيعرض وما سيكتب. وستكون صورة تذكر أجيال الأمة الأمريكية في المستقبل بالهوان الرمزي الذي لحقها من جرًّاء تسليم مقاليد أمورها لقائد جاهل أحمق.
دعنا ثالثاً أن نرى في الحدث تعبيراً عن الغضب، ولكن لنتساءل في الحال: أيُ نوع من الغضب قد عبَّر عنه ذلك الشاب العراقي المفجوع؟ إنه ليس ذلك النوع من الغضب الذي وصفه الفيلسوف الروماني الشهير سينيكا بأنه غضب الجنون الذي ينتج عن اجتياح العواطف الهوجاء لكل ملكات وضوابط العقل. إنه بالعكس من ذلك تماماً. إنه غضب ناتج عن حسابات العقل، فمن شبه المؤكد أن الشاب قد فكر من قبل فيما يمكن أن يواجهه من أهوال وما يمكن أن تواجهه عائلته من مآسٍ لو أنه فعل ما فعل في ذلك اليوم المشهود. ومع ذلك قرر أن يعبٍٍّر عن غضب الأمة العربية كلُّها. وهو حتماً غضب التعبير بعد أن عجزت الأمة عن ممارسة غضب الفعل. فالحكومات العربية استكانت لقدر الاحتلال الأمريكي وتعايشت مع فواجعه. والشعوب العربية ذرفت الدمع وأقامت المآتم، ثم تركت شعب العراق في شقائه. فكان أن قرًّر، بتمعُّن شديد، ذلك الشاب العراقي اختيار مناسبة الاحتفال بالنصر الكاذب ليعبٍّر عن نوع من الغضب كان الفيلسوف سينيكا سيرضاه ويفرح به لوعاش بيننا اليوم. إنه الغضب العاقل المحسوب له ألف حساب. وها أن العالم قد عرف بوجوده وفهم الإشارة الرمزية المتواضعة التي أطلقها ذلك الشاب. لم يرد ذلك الشاب ممارسة شجاعة الحمقى التي تؤدي إلى الهلاك، ولم يرغب حتماً في الانتحار، ولم يكن متظاهراً عابثاً وإلاُ لفعل مثل غيره ورجم الرئيس الأمريكي بحبة طماطـم أو قطرات من حبر أسود. الذي أراده هو مواجهة الإهانة الأمريكية، التي أحرقت الأخضر واليابس، باهانة متواضعة تحقيرية، على الًّلف الأمريكي بالحذاء. فكان أن جعل الحذاء يذكٍّر أمة العرب بأن غضب الفعل هو وحده المطلوب في ساعات محن الأمم. الحذاء كان تعبيراً عن الغضب من هذا السكون العربي المفجع.