كتب فهمى هويدى :

كان الخبر الأول أن شاباً عراقياً خلع حذاءه وقذفه صوب الرئيس «بوش» فأصابه في وجهه، هكذا قال متحدث من بغداد في اتصال هاتفي تلقاه صديق عراقي من أركان الناشطين في مقاومة الاحتلال، كان جالساً معنا في بهو أحد فنادق اسطنبول، لاحظنا أن صاحبنا انفرجت أساريره فجأة، وفتح فمه من الدهشة، ثم نقل إلينا الخبر وهو يكاد يرقص طرباً، قبل أن ينهي كلامه كان قد تلقي اتصالاً ثانياً من بغداد أيضاً زف إليه الخبر ذاته، ولكن بتفاصيل أخري تحدثت عن فردتي الحذاء اللتين استهدفتا الرئيس الأمريكي، ولم تصبه أي منهما.

ألجمت المفاجأة ألسنتنا وصرنا نتبادل النظرات غير مصدقين أن ذلك حدث فعلاً، ولم نتأكد من صحة الخبر إلا عندما تلقي صاحبنا 12 اتصالاً خلال ربع ساعة كانت كلها تبدأ وتنتهي بالتهنئة والمباركة.. لم يعد هناك شك في أن ما فعله الشاب «منتظر الزيدي» أثلج صدور الأغلبية الساحقة علي الأقل في العالمين العربي والإسلامي، إذ رغم أن رمي الرئيس الأمريكي بالحذاء لم يغير شيئاً من الواقع الحاصل علي الأرض، فإنه بدا تنفيساً عما يكنه العرب والمسلمون من بغض للرجل، وبالنسبة للعراقيين خاصة، فإنه بدا ثأراً لكرامتهم التي أهدرت وكبريائهم الذي داست عليه أحذية المحتلين طوال خمس سنوات، حتي بدا الرئيس «بوش» رمزاً لقهرهم وإذلالهم.

من جانبي، أعتبرها عملية استشهادية، لأن ذلك الفتي الشجاع أقدم علي فعلته وهو يعلم جيداً أنه في أجواء العراق الراهنة، فإنه إذا لم يقتل فسوف يعذب وتسحق عظامه، ومن أراد أن يعرف حقاً صدي العملية، سيجد علي المدونات ومواقع الإنترنت ورسائل الهواتف الجوالة ما يثبت أن الاستفتاء العشوائي حولها، أكد أن ثمة تأييداً كاسحاً لتصرف «منتظر الزيدي»، الأمر الذي يرشحه بجدارة ليكون رجل عام 2008، ويدخله التاريخ، هو وذلك «الحذاء الذهبي»، الذي أوصل الرسالة المدوية إلي الرئيس «بوش» في نهاية عهده، فكان «السلاح» المناسب، الذي وجه إلي الرجل المناسب الذي يستحقه، في المكان المناسب «في بغداد وبعد توقيع الاتفاقية الأمنية»، والوقت المناسب، الذي اختتم به الرئيس «بوش» عهده.

ورغم أن الحذاء لم يصب وجه الرئيس الأمريكي، فإن ذلك أيضاً كان مناسباً، من وجهة نظر شاعر عراقي انفعل بالمشهد، فأرسل إلي صديقنا الذي أشرت إليه أبياتاً من الشعر بعد ساعات من العملية ذكر فيها أن الحذاء هو الذي رفض أن يصافح وجه «بوش» وقال:

تنزه أن يصافحك الحذاء

فمال به عن الدنس الفداء

تفجر غيظ «منتظر» فأمسي

تفور به عزَّته الدماء

حذاؤك يا ابن دجلة حين يعلو

فمن خذلوا قضيتك الفداء.

إلي جانب التأييد فقد تحول المشهد إلي مادة للسخرية في أنحاء العالم، ووجدت أن ثلاثة مواقع علي الإنترنت صممت لعباً لاختبار القدرة علي إحكام تصويب الحذاء، بحيث يلطم وجه الرئيس «بوش»، أحد هذه المواقع صمم لعبة لاختبار كفاءة الشخص في التصويب، وأعطاها اسما سخر فيه من عنوان الخطة التي استخدمت في غزو العراق، ولجأ في ذلك إلي التلاعب بمفردات اللغة الإنجليزية، وبدلاً من كلمة «شوك» بمعني الصدمة فإن مبتكر اللعبة استخدم كلمة «سوك» بمعني الجورب.

ولأن الخطة حملت اسم «الصدمة والرعب»، فإن اللعبة سميت «الجورب والرعب»، وقد دهشت حين وجدت أنه خلال الثماني والأربعين ساعة التالية للحدث، أن ثلاثة ملايين شخص دخلوا في الموقع ونجحوا في إيصال الحذاء إلي هدفه!.

لقد درج العرب علي أن يسموا الأعوام بأهم حدث وقع فيها، فعرفوا في تاريخهم عام الفيل «حين هاجم أبرهة الحبشي الكعبة بالأفيال»، وعام الفجار «معركة وقعت في الجاهلية»، وعام الهجرة هو عام الرمادة «المجاعة» وعام الجماعة.

وفي العصر الحديث تحدث الأدباء عن عام الكف «الذي صفع فيه شاب محمد المويلحي بك صاحب جريدة ــ مصباح الشرق ــ وألف الشاعر أحمد شوقي 7 مقاطع في الحدث»، وعرفنا عام المعاهدة «مع الإنجليز» وعام الثورة وعام الجلاء وعام النكسة وسنة الحسم والعبور، لذلك اقترح الدكتور «جابر قميحة» ــ أستاذ الأدب الحديث بجامعة عين شمس ــ أن نطلق علي سنة 2008 التي نحن بصددها «عام الحذاء»، وعلمت منه أن ثمة ديوان شعر سيصدر بهذا العنوان «غداً لنا كلام آخر في الموضوع».

http://dostor.org/ar/index.php?option=com_...9&Itemid=51

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	أكره الرئيس الذي لم يمتلك من رئاسة مصر إلا اسم الرئيس!	الإبستمولوجي	10	1,074	09-17-2014, 03:31 PM آخر رد: Guru
	الرئيس الفلسطينى يهنئ الرئيس السورى	على نور الله	33	2,249	06-29-2014, 08:18 PM آخر رد: observer
	الرئيس السيسى يقود شباب مصر فى ماراثون للدراجات	عاشق الكلمه	20	2,026	06-19-2014, 02:13 PM آخر رد: فارس اللواء
	الرئيس الايرانى فى الاهواز , اكتشفوا كذب الوهابية	على نور الله	15	2,183	06-14-2014, 07:17 PM آخر رد: الإبستمولوجي
	الرئيس التركي يهنئ "السيسي" بتولية الرئاسة	ابن فلسطين	0	423	06-11-2014, 03:57 PM آخر رد: ابن فلسطين