نشأت في كنف عائلة مسلمة فوالدي كان سنياً غير ملتزم و والدتي من أصول شيعية ، لم أكن أصلي إلا في رمضان .
كثيراً ما كنت ادخل في حوارات عقيمة مع أصدقائي عن أمور لم أكن مقتنعاً تماماً بها كوجود الجن والحسد وما إلى ذالك ، ودائماً كنت أقف صامتاً حائراً حين كانوا يسألونني ( كيف تشك في هذه الأمور وهي موجودة في الدين ومذكورة في القرآن ؟ )
وحين كنت استكين إلى نفسي كنت أستغفر ألله عن ما بدر مني من تفكير منطقي وكنت أتعوذ به من الشيطان الذي كنت أشك أصلاً في وجوده ، لكن كل هذا لم يمنعني أن أفكر في صحة وحقيقة ديني بتاتاً .. ولا للحظة .. إذ كنت أعتقد بأنني أشك في أمور قد أسيئ تفسيرها ووصلت لنا على شكل أمور يجب تصديقها و الايمان بها وهي ليست كذالك .

في عام 2004 اقتنيت الانترنت لأول مرة في حياتي وفي البداية كنت دائم التردد على المواقع الإخبارية وأمضي جل وقتي في الدردشة مع الأصدقاء بعد عودتي من العمل ، وكثيراً ما كان الأشخاص الذين كنت أضيفهم عندي في قائمة الماسنجر يرسلون لي روابط لمواقع إسـلامية كل حسب توجهه وطائفته مرفقة بعبارة (لا تنسنا من دعائك ) .

في أحد الأيام أرسل لي أحدهم offline message عن رابط لأحد المواقع التي تتحدث عن الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ، و تحديداً عن المعجزة " مرج البحرين " الشهيرة والتي قد أسمعنا إياه أساتذة مادة التربية الإسـلامية مراراً وتكراراً في مختلف المراحل الدراسية منذ المرحلة الابتدائية وحتى التخرج من الإعدادية ، بعد قراءتي للموضوع وكيف ان غير المسلمين دخلوا في دين ألله أفواجاً بعد هذه المعجزة " طبعاً المقصود من غير المسـلمين هم المسيحيين واليهود فلم أكن قد سمعت عن اللادينيين والملحدين وما إلى ذالك مثلي كمثل معظم الناس ، والعالم كان مقسماً عندي إلى مسلمين سنة / شيعة ، مسيحيين ، يهود ، وبعد تفكير ... اه نعم هناك أيضاً بعض الناس في روسيا يسمون بالشيوعيين يقال إنهم لا يؤمنون بالله " .
المهم .. بعد ان قرأت الموضوع أحببت أن أعرف أكثر عن الإعجاز الرباني في كتابه الحقاني ، وفوراً كتبت في خانة البحث في صفحة الـ google " الإعجاز العلمي في ألقرآن الكريم " وبدأت أدخل المنتديات واحداً تلو الأخر وكلما قرأت صرت اُسبّح ألله مندهشاً لحال غير المسلمين كيف أنهم يرون هذا الدين الرائع و النور الساطع ولا يفكرون في ترك دينهم وتعاليمهم الضحلة الهزيلة ليعتنقوا دين ألله !
ثم وصلت لوصلة لنادي الفكر العربي ودخلت لأقرأ الموضوع ففوجئت بأنه " نقـــاش " بين زميلين عن الاعجاز ! ، وهذان الزميلان لايزالان موجودان ويكتبان في النادي حالياً .
ذهلت ... ياللهول ! ... أحقاً يوجد هناك شخص يتجرأ و يناقش هذا الموضوع ! ... وهل من الممكن ان يناقش شخص ما صحة الكلام الذي ورد في كتاب ألله المبين ؟ فيشك فيه وينتقده بل و ينفي انه كتاب إلهي !! ، و استمررت في قراءة الموضوع الذي طال لحوالي 7 صفحات ، اندهشت كثيراً حينها فقد تعودنا ان نسمع انه من المستحيل ان يتم إيجاد أي خطاء تأريخي أو علمي أو حسابي في الدين وان هذا الأمر من المسلمات ولا يحتاج حتى إلى نقاش .

فوراً أضفت النادي عندي في المفضلة ، وتحولت إلى قارئ شغوف لكثير من المواضيع التي تُكتب يومياً والمواضيع التي كُتبت من قبل وكنت أنقب عنها في أرشيف النادي ، وبدأت بقراءة مقالات ومدونات أخرى خارج النادي أيضاً ، وفي هذه الأثناء لم أكن مهتماً بتسـجيل عضويتي فيها ، وكنت أكتفي بالتجول داخل أروقة هذه القلعة الرائعة والشامخة كـ"زائر" فقط ، لكن أحياناً كانت الإدارة الكريمة تقطع عني الأوكسجين حين كانت تمنع الدخول لغير الأعضاء ، مما اضطرني لمحاولة تسجيل عضويتي بين الحين والأخر ، لأجد إن خاصية التسجيل مغلق بقرار من الإدارة ، إلى ان تم قبولي أخيراً في بداية هذا العام .
طبعاً خلال كل هذه السنوات كنت كثير القراءة لمختلف المواضيع السياسية والاجتماعية والدينية وعرف توجهات الأعضاء وتعرفت على شخصياتهم وأفكارهم ، لكن كل هذا من خلف الستار وأنا صامت .
لن أطيل عليكم أكثر، ما أود قوله هو ان نادي الفكر بمثابة دلو الماء الذي سقا بذور الشك التي كانت موجودة في أعماقي ، لتنمو تلك البذور وتشتد سيقانها وتصبح نبتة طيبة تعشق ضوء الشمس ، لولاها لكنت حتى الآن أرتوي من بئر العصبية المنتنة.
نعم ، أحياناً أضيق ذرعاً عندما أقراء لعضو ما يغالي ويستميت في الدفاع عن أيدلوجيته مهما كانت خاطئة " في نظري " وأراه معانداً متشدداً ، لكنني حين أنزل إلى الشارع واحدث الناس على أرض الواقع وأتلمس مدى الدوغمائية والانغلاق والتعصب المستشري أدرك فوراً ان ذالك العضو بمجرد تواجده في مكان كنادي الفكر وقبوله بالاختلاط مع من لا ينتمون إلى عقيدته وقبوله الحوار معهم ادرك كم هو منفتح ومتساهل بالمقارنة مع المجتمع والواقع الخانق الذي نعيشه .

الأن وبعد حوالي أربعة أعوام من ضغطي على مفتاح البحث في ألـ google و دخولي نادي الفكر لأول مرة أدرك مدى التغيير الذي أحدثه هذا الموقع في حياتي فمن شخص لا يقبل برأي الأخر ومستعد لإيذاء الآخرين قولا بل وفعلاً حين كنت أحس أنهم يمسون معتقدي ، إلى شخص يشك ويعيد النظر في المُسـلمات الاجتماعية والدينية ، من شخص كلما ذكر أمامه كلمة " ألله " أو " الموت " يتضايق ويشعر بالكآبة والخوف لمجرد أنه لا يصلي أو لأنه كان يمارس العادة السرية أثناء فترة المراهقة ، إلى شخص محب للحياة و مطمئن في قرارة نفسه ، لأنه حتى لو كان هناك إله " وهذا ما لا أعرفه كوني لا أدرياً " فلن يكون ذالك الوحش الذي يعشق تعذيب من خلقهم وسلخ جلودهم ، وسيعرف إنني لا أريد الأذى لأحد ولا أقبل أن يُظلم أي أحد وأنني حين مت .. مت وأنا أبحث عن الحقيقة ... الحقيقة التي قد يكون الوصول إليها مستحيلاً .

هذا ما قدمه النادي لي ... لذا أرى انه من الواجب علي أن أخرج إلى النور وأقول ...

شـكراُ يا " نادي الفكر العربي " .