سأسرد من واقع مجتمعي اللبناني ما لاحظته,
في خمسينيات و ستينيات وصولا الى سبعينيات القرن الماضي, كانت الافكار اليسارية و القومية و الشيوعية هي محرك المجتمع, و حاملة الوية قضاياه و الامل في تحقيق احلامه, و كان من الطبيعي جدا ان يتزعم قادة تلك التيارات مجتمعاتهم رغم انهم كانوا (بالمنظور الديني ) ملحدين و لديهم كتب و مقالات تنتقد الدين و تدعو الى تحجيم دوره, و رغم ذلك, كنت تجد امام المسجد عنده يزوره في المناسبات, و كنت تجدهم في المسجد او الحسينية يشارك في مناسبة اجتماعية او سياسية او ثقافية, و كنت تجد الملحدين وسط المؤمنين في النشاطات السياسية و الحركات النضالية و الامسيات الثقافية و المناسبات الاجتماعية....

و كان الامر طبيعيا جدا و لم يكن احد ليحاسب احد على افكاره الدينية بل على توجهاته السياسية ,

و الى اليوم, كلما مات احد هؤلاء, اقيم له في قريته حفل عزاء ضخم, و يذكر ب(المناضل) فلان, و يحضره رجال الدين قبل غيرهم.. اضافة الى ابناء مجتمعه...


و انا شخصيا في عائلتي , اغلب من عايش تلك الفترة كان اما ملحدا او لا ديني, (بما فيهم ابي و امي و جدي و عمومتي و اغلب اخوالي) بينما ان الجيل الجديد من اقراني ليسوا كذلك, و السبب هو ان التيارات الدينية هي من تابعت حمل لواء النضال و تحقيق امال المجتمع, و اضحى المتدين هو الامل, و ليس اليساري (الملحد)...

امر اخر اود الاشارة اليه, هو ان الالحاد كان في الماضي مرادفا للتحالف مع الاتحاد السوفياتي نصير قضايا العرب , او القومية او الناصرية امل الشعوب في ذلك الوقت....اما اليوم فان الالحاد بات يمثل اليوم في الفكر الشعبي مرادفا للعمالة للغرب و لامريكا الشريرة, و مجرد مخطط صهيوني لاخضاع الامة و استعمارها....

ملحد الامس كان همه قضايا امته و مجتمعه الحقيقية و النضال و محاربة الاستعمار و الرجعية و مناصرة الشعوب النامية و النهوض الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي...
بينما ان ملحد اليوم (في الفكر الشعبي) همه التهجم على معتقدات مجتمعه و السخرية منها و اهانة مقدساتها و تحقير مجتمعه و الدعوة الى تشرب المبادئ الامريكية البوشية.....

و شتان ما بين الامس و اليوم....