مقال صادر عن دورية اللوموند ديبلوماتيك الفرنسية لهذا الشهر
هرج الجهاديّين في لبنان
فيكان شيتيريان*
هنالك خطرٌ في أن يتحوّل لبنان، بدوره، إلى قاعدة لوجستيّة لتنفيذ عمليّات في إحدى الدول التي يُقاد فيها "الجهاد المقدّس" [1]. فعلى غرار اليمن والجزائر أو أفغانستان، تبقى الأوضاع في البلد غير مستقرّة. إذ شهد حرباً أهليّة طويلة (1975-1990)، واحتلالاً إسرائيلياً دام حتى العام 2000، ونزاعاً بين إسرائيل وحزب الله في صيف العام 2006. هذا الفصل الأخير هو الذي أثار اهتمام المجموعات الجهاديّة السنّية. فخلال هذه الحرب، عبّر رواد الإنترنت عن هرجهم في منتديات النقاش التي يرتادها مؤيّدو الجهاد: في العراق، يتعاون الشيعة مع المحتّل الأميركي، في حين هنالك شيعةٌ آخرون داخل لبنان يحاربون إسرائيل بنجاح. من جهة أخرى، يعتبر المجاهدون السنّة بأنّه ممنوعٌ عليهم المشاركة في مقاومة مُعادية لإسرائيل يقودها حزب الله بمفرده، بدعمٍ من سوريا العلَويّة [2] وإيران الشيعيّة.
بعد ذلك ببضعة أشهر، ظهر أوّل الجهاديّين الأجانب إلى العلن في لبنان. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2006، سيطرت مجموعة جديدة تحمل اسم "فتح الإسلام" على مخيّم نهر البارد الفلسطينيّ بالقرب من مدينة طرابلس، شمال البلاد. قائدها شاكر العبسيّ كان أحد الكوادر العسكريّة القدامى في منظمة "فتح"، انشقّ في العام 1983 عن ياسر عرفات ليشكّل مجموعة فتح الانتفاضة، المؤيّدة لسوريا والأكثر تطرّفاً. وقد ذهب العبسي إلى العراق خلال الاجتياح الأميركي، حيث التحق بشبكة الزرقاوي. ثمّ حُكم عليه بالإعدام من قبل محكمة أردنيّة بتهمة اغتيال ديبلوماسي أميركي في عمّان. وقد صرّح العبسي بعد سيطرته على مخيّم نهر البارد: "لقد شكّلنا هذه المجموعة (فتح الإسلام) من خيرة الشباب؛ جميعهم مؤمنون بديننا وبحقّهم في الجهاد من أجل العودة إلى فلسطين [3]". وكان العبسي مدعوماً من قبل شبكات جهاديّة مختلفة: أسلحة، مال، ومتطوّعون كانوا يتدفّقون من العديد من الدول العربية.
لكن، بالكاد بعد بضعة أشهر، ولأسباب لا تزال دون تفسيرٍ واضح حتى الآن، وقعت صدامات مع الجيش اللبناني. وبعد ثلاثة أشهرٍ من المعارك الضارية، تمّ تدمير هذا المخيّم الذي كان يقيم فيه ثلاثون ألف شخص، بشكلٍ نهائيّ، وقُتل عشرات الجنود والمقاتلين.
لكن، بالرغم من هذه المواجهة، كلّ شيء يشير إلى توسّع نفوذ المجموعات الجهاديّة في لبنان. ويرتبط أحد أسباب هذه الظاهرة بتاريخ المخيّمات الفلسطينية. فمنذ بداية التسعينات، تراجع تواجد التشكيلات الفلسطينية التقليدية، الأمر الذي أدّى إلى تداعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية وإلى خلق فراغٍ أمنيّ. وقد ساهمت هذه الأحداث في بروز العديد من المجموعات الجهاديّة، من بينهم "جند الشام" و"عصبة الأنصار" [4]. فمنذ اتفاقيات القاهرة في العام 1969، لم تعُد المخيّمات الفلسطينية الإثني عشر في متناول قوى الأمن اللبنانية. وقد تضاعفت الصدامات في الآونة الأخيرة بين المجموعات الجهاديّة، المتمركزة في الأقسام الشمالية من مخيّم عين الحلوة بالقرب من صيدا في جنوب لبنان، والجيش اللبناني. كما يُشار أيضاً إلى وجود أعدادٍ متزايدة من المتطوّعين الأجانب [5].
في أيار/مايو 2008، جرت صدامات بين مؤيّدي الحكومة - خاصّة من السنّة التابعين لتيّار المستقبل، الأوفياء لذكرى رئيس الوزراء رفيق الحريري الذي اغتيل في شباط/فبراير 2005- وحزب الله، ما أدّى إلى خلق وضعٍ خطير. وقد ساهمت هذه الصدامات في تأليب سنّة لبنان المستائين في الوقت نفسه من انتصار حزب الله، ومن دخول ميليشياته إلى الأحياء السنيّة في بيروت [6]، ومن عجز مؤيّدي السيّد سعد الحريري عن ممارسة قيادة فعّالة. وقد تسمح حالة الفراغ التي استتبّت بفعل ذلك للقادة السلفيّين بتوسيع قاعدتهم الشعبيّة، وحتى اقتراح زعامة بديلة [7]. كان التوسّع السريع للتيّارات السلفيّة الجهاديّة ملموساً في طرابلس بشكل خاصّ، المدينة الثانية في البلاد، حيث بسط رفيق الحريري نفوذه متأخّراً، في حين خضعت في الثمانينات إلى سيطرة مجموعة سلفيّة بقيادة الشيخ سعيد شعبان وحركة التوحيد الإسلامية التابعة له. ثمّ جرت صدامات بين السنّة والعلويّين في طرابلس، لم تشارك فيها أيّ من التشكيلات التي تدّعي انتماءها إلى تيار المستقبل والحريري، لكنّها شاهدت شباباً غير منظّمين من السنّة ينزلون إلى الشوارع للمواجهة.
* صحافي، جنيف
[1] إقرأ فداء عيتاني: "تحقيق حول تواجد تنظيم القاعدة في لبنان"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، شباط/فبراير 2008،
http://www.mondiploar.com/article19...
[2] طائفة قريبة من المذهب الشيعيّ ينتمي إليها غالبيّة القادة السوريّين.
[3] عمر إبراهيم، "فتح الإسلام: لا علاقة لنا بالقاعدة"، السفير، بيروت، 29 تشرين الثاني/نوفمبر، 2006.
[4] حول تطوّر التيّارات السلفيّة والجهاديّة في مخيّم عين الحلوة، مراجعة كتاب: Bernard Rougier, Le Jihad au Quotidien, Presses universitaires de France, Paris, 2004.
[5] حازم الأمين، "كلام عن "غرباء جدد" جاؤوا بعد معارك نهر البارد"، الحياة، لندن، 13 حزيران/يونيو، 2008.
[6] إقرأ: آلان غريش: "الأسبوع الذي هزّ لبنان"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، حزيران/يونيو 2008،
http://www.mondiploar.com/article20...
[7] فداء عيتاني، "تراجع الحريريّة لمصلحة السلفيّين"، الأخبار، بيروت، 14 أيار/مايو، 2008.
http://www.al-akhbar.com/ar/node/73551