البقاء للأصلح.. أم البقاء على قيد الحياة؟؟؟

لا بد لنا بدايةً أن نوضح المفهوم الحقيقي لمعنى كلمة "الأصلح".. إذ أن موضوع البقاء على قيد الحياة بالنسبة لجميع الكائنات الحية ليس موضوعاً سهلاً كما هو سائد في فهم البعض للأفكار الدارونية مثل فكرة "البقاء للأصلح"... ولا يمكن فهم هذا المصطلح فهماً صحيحاً إلا إذا طُبق على أمثلة محددة.. وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى سوء فهم عند العديد من الناس بدلاً من أن يؤدي إلى المعرفة الصحيحة الصائبة... وبدون توضيح المعنى الحقيقي لكلمة "الأصلح" فإننا لا نستطيع وضع هذا المصطلح موضع اختبار.. وأما عن دور "البقاء للأصلح" في تطور الحياة واستمرار تقدمها من الأشكال الدنيا إلى الأشكال العليا فإن احتمال فشل هذا الاختبار مؤكد..

إن الحكم على نوع معين من أنواع الحياة على أنه أفضل من نوع آخر أو يتفوق عليه هو مشكلة معقدة تختلف من موقف إلى آخر.. ففي أحيان كثيرة وعند وقوع كارثة ما.. يحدث أن نوعاً معيناً متفوقاً يشغل درجة عليا في سلم التطور يكون أقل قدرة على مواجهة التحديات من أنواع أخرى تشغل الدرجات الدنيا من سلم التطور.. وهكذا فإن الطبيعة تصدر حكمها تلقائياً في مصلحة هذه الأنواع الدنيا عندما تحين ساعة الصراع على البقاء في الظروف القاسية..

وقد يحدث أنه في أوقات الجفاف والقحط الشديد أن تتمكن بعض أنواع الحياة الدنيا من البقاء على قيد الحياة بسهولة.. في حين يهلك الإنسان لعدم مقدرته على تحمل الظروف الصارمة والضغوط الصعبة.. وفي حالة الكوارث الطبيعية كالتغير الفجائي في درجات الحرارة والثورات البركانية والأعاصير المدمرة والفياضانات وحرائق الغابات والزلازل... فإن الطبيعة لا تُفرّق في تعاملها مع الأنواع المختلفة من الحياة.. وليس من الصعب أن تمحو هذه الكوارث في ثوانٍ معدودة ما استغرق التطور ملايين من السنين في تكوينه.. وعلى الرغم من ذلك.. وتحت هذه الظروف المدمرة تستطيع الكثير من الأنواع الدنيا من الحياة أن تستمر وتزدهر وتتكاثر دون أية عوائق.. إلا أن السؤال الذي يظل قائماً هو: من الأصلح؟؟ وبأي مقياس تقرر أنه الأصلح فعلاً؟؟؟

إنها مجرد حالة بقاء على قيد الحياة لا أكثر.. وليس الأصلح هو الذي يبقى دائماً.. كما أن من يبقى ليس دائماً هو الأصلح... وكل ما يمكن تقريره بشيء من المعقولية هو أن هناك بعض أنواع من الحياة تصلح للبقاء تحت ظروف معينة.. وهناك البعض الآخر من الأنواع التي تصلح للبقاء تحت ظروف مختلفة تماماً... وبناءً على ماسبق فإن مجرد البقاء على قيد الحياة ليس في ذاته عاملاً للحكم على قدرة الأنواع المختلفة على البقاء... وإذا قمنا بتحليل حالة الصراع من أجل البقاء التي تحدث بين أفراد نفس العينة حين تتعرض لتأثير الكوارث الطبيعية المختلفة نجد أنه من الممكن أن تفنى أعداد كبيرة منها.. إلا أن البعض منها يبدي مقاومة فطرية ضد الكوارث التي تصيبها.. والبعض يتجاوز هذه الكوارث وتمر عليه مرور الكرام.. مع أنها تدمر أفراد كثيرة من نفس نوعه.. ولو أننا تخيلنا حالة شديدة من وباء الدوسنتاريا فمن المحتمل أن يتسبب هذا الوباء في وفاة بعض الأشخاص الذين يقومون بأعمال إدارية أو مكتبية.. في حين ينجو منه بعض عمال الفلاحة الذين يكدحون في الأرض وليس لديهم من قوة سوى قوة العزيمة.. دون أن يكون لهم أية مواهب عقلية أو ذهنية.. وأيضاً فإن نفس الأشخاص الذين تكتب لهم النجاة من ويلات وباء معين قد لا يستطيعون النجاة من بعض الأمراض المعدية كالكوليرا مثلاً.. بينما من ينجو منها قد يغادر الحياة بسبب مرض بسيط كالإنفلونزا الذي يعاود الظهور عاماً بعد عام.. أو ربما بسبب مرض أقل خطورة في تأثيره..

هذه هي ويلات الحياة واختباراتها.. والبقاء على قيد الحياة أمر نسبي عندما يتعلق بموقف معين لا يحكم بالضرورة دائماً على أن من يستمر في البقاء هو الأصلح بين كل أنواع الحياة.. والعلماء لا يعرفون الأسباب الحقيقية التي من أجلها تُفضل عملية الانتخاب الطبيعي بعض الحيوانات على البعض الآخر الذي تقضي عليه بالفناء.. ولا يوجد هناك مقياس معين يمكن به قياس كل حالة بالقسطاس.. إن الانتخاب الطبيعي التلقائي الخالي من الإدراك والعقل لا يستطيع أن يأخذ في الاعتبار كل الأمور الموجبة والسالبة قبل أن يصدر الحكم في مصلحة البعض أو ضد البعض الآخر..

إن أهم ما في الأمر هو أن نضع في عين الاعتبار أن قوانين الموت والحياة ليست محكومة مباشرة بالانتخاب الطبيعي فيما يتعلق بظاهرة البقاء والفناء.. لأن المحصلة النهائية تتأثر بعوامل لا حصر لها.. يمكن أن تُبقي أو تقضي على نوع معين من أنواع الحياة لأسباب هي في الواقع محكومة بالخطة الإلهية العامة للخلق.. ولم تكن هذه الخطة لتحقق هدفها في التطور والتقدم من الحالة الأدنى إلى الحالة الأعلى بغير دور واعي للخالق العظيم الذي يُقدّر كل شيء في توافق تام مع خطته... وأولئك الذين ينكرون هذا الأمر لابد وأن لهم رأياً مسبقاً ينزعون إليه في إنكارهم هذا.. الإنكار الذي يساوي إنكارهم للتطور نفسه إن كانوا حقاً يدركون بأمانة حجم وكم المشاكل التي يعنيها الإيمان بالتطور بغير الإيمان بالخالق.. المشاكل التي سوف أدرجها في المشاركة المقبلة..

تحياتي
سلام

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني