"حلف الدم".. إلى أين قاد دروز إسرائيل؟*
وكالة قدس برس
22/02/2005
إريل شارون في لقاء مع قيادات درزية - صورة أرشيفية
يكشف المقال التالي عن جانب مما يعتمل تحت السطح في واقع الدروز في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948 والذين يشهدون في المرحلة الراهنة جدلا داخليا تحت وقع مشاعر الإحباط التي تجتاح واقعهم المثير للجدل.
إذ يأتي مقال الكاتب أبيرما جولان، المنشور في صحيفة "هاآرتس" العبرية، في عددها الصادر في السابع عشر من فبراير 2005؛ ليتناول وضع الدروز بعد عقود من استقرار العلاقة المسماة "حلف الدم" بين دولة الاحتلال وقيادة الطائفة.
ويرصد المقال تلك التفاعلات التي يعبر عنها بالقول إنه "يجري في أوساط الطائفة الدرزية جدل شديد وقوي ومتواصل بشأن وضع الطائفة المتردي"، وسط الإدراك بأنه "في إسرائيل مائة ألف درزي، وقد علقوا في وضع لا مخرج منه في المجتمع الإسرائيلي"، على حد تعبيره.
كما يستنتج مقال جولان أن دروز سنة 2005 في الدولة العبرية "لا يشبهون آباءهم وأجدادهم في شيء. فهويتهم مشرذمة ومقسمة، وتطلعاتهم مكبوتة، ومكانتهم في المجتمع العربي والعبري مبهمة".
ويشدد المقال على أن "العامل المركزي من وراء هذا الوضع هو ما تحب الدولة أن تسميه حلف الدم. والمقصود بحلف الدم هو ذاك الاتفاق الذي تعهد فيه قادة الطائفة بالحفاظ على ولائهم للدولة وإرسال أبنائهم للخدمة في جيشها؛ الأمر الذي تمخض عنه عزل الدروز عن العرب في الدولة من جهة؛ ولم يؤدِّ إلى اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى"، على حد تقدير أبيرما جولان.
وفيما يلي نص مقال الكاتب أبيرما جولان:
إلى أين أوصلنا "حلف الدم"؟
بعد أيام قلائل من أعمال الشغب الصعبة في قرية المغار، جاءت ردود الفعل مشبعة بالخجل والخزي. إذ يحتج الخجولون من دروز وعرب ضد مظاهر العنف ونوبة الهجوم غير المفهومة ضد الجيران. ولكن من خلف ستار الخجل والخزي والاعتذارات والتنظير الأخلاقي؛ يجري في أوساط الطائفة الدرزية جدل شديد وقوي ومتواصل بشأن وضع الطائفة المتردي. وتتردد في هذه النقاشات توقعات صعبة، تأخذ بالحسبان بروز مظاهر أخرى من العنف في المستقبل. ففي إسرائيل مائة ألف درزي، وقد علقوا في وضع لا مخرج منه في المجتمع الإسرائيلي.
إن العامل المركزي من وراء هذا الوضع هو ما تحب الدولة أن تسميه "حلف الدم". والمقصود بحلف الدم هو ذاك الاتفاق الذي تعهد فيه قادة الطائفة الحفاظ على ولائهم للدولة وإرسال أبنائهم للخدمة في جيشها؛ الأمر الذي تمخض عن عزل الدروز عن العرب في الدولة من جهة؛ ولم يؤدِّ إلى اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى. نتيجة لذلك؛ تبرز في صفوف الطائفة اليوم أصوات مشككة في جدوى هذا "الحلف".
"الاحتلال" دمر "عرب لايت"
يحب المجتمع الإسرائيلي اليهودي أن يعتبر الدروز مجموعة فولكلورية لطيفة من طراز "عرب لايت" (عرب من نوعية مخففة)، يمكن التلذذ بمأكولاتهم والاستمتاع في حوانيتهم والتفاخر بصداقتهم. لقد منح الدروز الذين يرتدون الزي العسكري، والذين بلغوا كذلك مراتب الضباط؛ صورة زائفة عن اندماج الطائفة في المجتمع. إلا أن الحل ارتدى وجها قبيحا منذ الانتفاضة الأولى (الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي اندلعت في نهاية عام 1987)، فمهام الشرطة المتشددة التي أوكلت إلى الدروز ألقت بهم في منطقة الغسق الغامضة بين اليهود الذين يسعون إلى ادعاء الطهارة وعدم تدنيس سلاحهم؛ والفلسطينيين الذين شعروا بالإهانة والكراهية الموجهة للطائفة الدرزية في ظل الاحتكاك مع العناصر الدرزية في الجيش. "الاحتلال"، كما قال المفكرون والمثقفون الدروز في المؤتمر الذي عقد قبل ثلاثة أسابيع في يركا "دمر شبيبتنا والطائفة كلها معهم".
لقد عززت الانتفاضة والركود والبطالة وانفراط عقد التكافل الاجتماعي في إسرائيل؛ الجدل اليهودي الداخلي، فدفعت بالمزيد من الدروز إلى الزاوية. وفي الوقت الذي بقي فيه معدل التجنيد في صفوفهم عاليا، 85%؛ فإن نسبة العاطلين عن العمل في صفوف الجنود المسرحين أخذت في الازدياد شيئا فشيئا. فالشبان الذين أضفت عليهم الملابس العسكرية شعورا زائفا بالانتماء والحركة نحو الأعلى داخل المجتمع الإسرائيلي وجدوا أنفسهم في الضواحي منبوذين عاطلين عن العمل ومفتقدين للشهادة الدراسية، ويقطن بعضهم في قرى مختلطة من الدروز والمسلمين والمسيحيين.
لو كانت هذه العملية المدمرة قد حدثت قبل ثلاثين إلى أربعين سنة لتم إيقافها بفضل التركيبة التقليدية القوية للطائفة. ولكن في السنوات الأخيرة حدث تفكك في الهياكل الاجتماعية القديمة، ولم يتبلور نموذج هيكلي جديد بدلا منها. القيادة التقليدية ضعفت. ولم توفر العصرنة، التي أوصلت ألف طالب للجامعات، لهم ولا لرفاقهم ذوي الشهادة الدراسية الأقل مرتبة؛ وسيلة لمواجهة الواقع المتغير. ويتعرض الشبان الذين يخدمون في الجيش، مثلا، للمعايير السلوكية العلمانية التحررية، وعندما يعودون يتزوجون من زوجة محتشمة، ويشعرون بالتمزق بين عالمين مختلفين.
لقد أهملت إسرائيل، التي تحدثت عاليا عن "حلف الدم"؛ القرى الدرزية، ولم تشيد فيها بنى تحتية وصناعات حديثة، وسارعت إلى إجبار دالية الكرمل وعسفيا (بلدتين تمثلان التمركز الدرزي في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948) على التوحد بصورة مثيرة للإشكال بطريقة لم تكن أي حكومة لتجرؤ على فعلها مع تجمع يهودي، كتوحيد جفعتايم مع رمات غان مثلا. وخلال أقل من أربعين سنة؛ تدهورت نسبة الأرض للفرد الواحد في القرى الدرزية من ما بين خمسة وعشرين، خمسين دونما للفرد؛ إلى نصف دونم فقط.
لقد دُفع الدروز، في هيكلية المجتمع المدني الإسرائيلي المشوهة؛ للإهمال، الذي هو عادة من نصيب الأقليات عموما، والعرب خصوصا. وينظر الدروز من ناحيتهم إلى يكنعام التي تنامت في السنوات الأخيرة وتحولت من موقع سكاني عجوز ومهمل إلى مدينة مزدهرة، يتوجه دروز كثيرون للعمل فيها من قراهم النائمة والمثقلة بالبطالة.
إن دروز سنة 2005، كما قال أحد المشاركين في المؤتمر؛ لا يشبهون آباءهم وأجدادهم في شيء. فهويتهم مشرذمة ومقسمة، وتطلعاتهم مكبوتة، ومكانتهم في المجتمع العربي والعبري مبهمة. فالحوادث الأخيرة التي سمعناها عن الجنرال احتياط (الدرزي في جيش الاحتلال) زاهر عاطف، المتهم بالاغتصاب، وحادثة (الضابط الدرزي في جيش الاحتلال) "ر"، الذي جُمِّد من منصبه في الجيش بسبب قضية قتل (الطفلة الفلسطينية في قطاع غزة) إيمان الهمص، واللواء احتياط (الدرزي في جيش الاحتلال) عماد فارس، قائد (كتيبة جيش الاحتلال المسماة) جفعاتي السابق، الذي أُدين بالسلوك غير اللائق؛ تزيد من شعور الدروز بأنهم كبش فداء لجيش ومجتمع مبلبل ومضطرب.
[SIZE=5]
إن الضحايا هم الجيران، كما هي العادة دائما في مثل هذه الأوضاع، وهذه مسألة لا يمكن المرور عليها مر الكرام. فعلى الحكومة (الإسرائيلية) أن تُدرك أن التعرض للجيران المسيحيين هو في واقع الأمر مس بسيادتها، وإذا ما أرادت منع التدهور؛ فعليها أن تقوم بحساب معمق للنفس في علاقتها مع الدروز، وموقفها منهم، كي يترافق ذلك مع إعادة بناء المكانة المزعزعة للجيل القادم من هذه الطائفة.
http://www.islamonline.net/Arabic/politics...article14.shtml