لفت نظري النقل المستمر لما تبث وسائل الإعلام هنا وهناك حول ما يحصل في العالم العربي إلى أرجاء منتديات الحوار. هذا النقل لا يتجلى في مجرد نسخ مقالات من هذه الوسائل ووضعها هنا، إنما فيما تكتبه أقلامنا مما نجتره دون أن ندري مما بثته بشكل "تنويم مغناطيسي" لا إرادي وسائل الإعلام على اختلاف مذاهبها.

تفادي التأثر بآراء وسيلة الإعلام التي نتابعها ليس بأمر سهل، إن لم يكن مستحيلاً في حال لم ننتبه له ولتسربه في نفوسنا. فهذه الوسائل ممدودة بموظفين مختصين في نفسية الجمهور والقراء وكيفية تلقيهم لينسجوا الخبر في سبيل تحويل دفة آرائهم في الاتجاه الذي تريده، والأخطر من ذلك هو إعطاؤنا الإحساس بأنها آراؤنا الشخصية التي تنبع من "ثقافتنا" ومن "معتقداتنا".

من الطبيعي أن يكون خيار أي شخص لوسيلة الإعلام التي تناسب ميوله ومعتقداته، ولكن الخطر هو أن يتحول هذا الخيار من خيار ملائم يعطيك الخبر إلى أداة تتحكم بنا من خلالها الجهات التي تسير خيوط هذه الوسائل.

لفت نظري أحد موضوعات النادي حول وسيلة الإعلام التي تفضل، وتبين لي من خلاله انقسام الأعضاء إلى فئتين. أياً كانت هذه الفئة فإن أعضاءها حتى في كتاباتهم التي تبدو ظاهراً مستقلة، كثيراً ما يقعون في فخ تكرار كتابة ما قرؤوه من مصادر محددة لفئتهم دون صرف الوقت الكافي للتزود من عدة مصادر، كي يستطيعوا قادرين على التحليل ثم إعطاء رأي أقل تأثراً. طبعاً نحن لا نطمح في زمن المعلومة إلى التخلص المطلق من أثر هذه الوسائل، وإنما التوصل إلى أقل تأثر عبر تعداد المصادر والجهات.

طبعاً حري بالتذكير أن هاتين الفئتين هم من متابعي الجزيرة وأخواتها وخطها السوري الإيراني القطري، ومتابعي العربية وأخواتها وخطها السعودي المصري.

فئة ثالثة لا تقل أهمية وهي فئة المغتربين التي يتأثر كل من أعضائها بوسائل إعلام البلد الذي يقيم فيه، وهي فئة تغنينا فكرياً ولكنها لا تصل إلى مرحلة التبلور لتشتتها وضياعها بين غزارة ما تنقل وتبث الفئتان الأوليان.

أذكر أن عام 2006 شهد أكبر هذه الانقسامات، وأكبر الأدلة على وجود هذه الفئات، وهيمنة الفئتين الأوليين إبان حرب لبنان. وها نحن مجدداً أمام فورة ووضوح لهذا الانقسام : حكومات من وراء وسائل إعلام من وراء شعوب.

الخلاصة، أننا بدون أن نشعر، قد نصبح ضحايا لهذه الوسائل، لنجرد من آرائنا الحقيقية التي تناسب شعورنا تجاه الآخر وتجاه الأزمات، ونردد لا شعورياً عبارات واتهامات تكيلها حكوماتنا ضمنياً، وتدور وتلف حولها وسائل إعلامهم، لنكيلها جهاراً ونعطيها قالباً شعبياً لا يمت إلى الشعبية بصلة.

أرجو ألا أكون قد أطلت.

(f)