الأخ الحبيب "يجعله عامر":

شكراً على ردك الجميل واسمح لي بالتفاعل من وجهة نظري.

مين قال إن المقابل للإيمان هو ثورة إلحادية عارمة تصرخ في وجه الله وتقول "تباً للدين"؟ هل المسألة هي "تباً للدين" وخلاص؟ الإلحاد يمثل لي لحظات انتعاش العقل وانطلاقه دون خوف من أي قوة أو دون أن تقف أمامه أي عوائق ونسبة كل الأشياء إلى مصادرها بشكل تجريدي. اليوم ذهبنا لزيارة الكنيسة المارونية وكانت هذه هي أول مرة أزور فيها كنيسة كاثوليكية عربية. بعد أن تركنا المكان وأنا غير منسجم مع الوسط سألني ابني في المطعم: ماذا كانت هذه الرائحة النفاذة في الكنيسة؟ أجبناه أنها كانت رائحة البخور. سألنا بفطرة الأطفال: وما الداعي لإطلاق البخور؟ أجابته زوجتي بأن هناك ناس يعتقدون أنهم يتقربون إلى الله بإطلاق البخور. وبردها الجميل هذا خطر ببالي أشياء وأشياء. الإنسان على مر التاريخ يتصور أشياء وأشياء وتضفي عليه مسحة إيمانية لو فعلها مع أنها في حقيقة الأمر ذات روائح نفاذة مثل تلك الرائحة والتي استفذت أنف ابني. لم أوبخ ابني بل كنت فرحان أنه صريح وما أجمل الأطفال حينما يتحدثون بعفوية وينزلون الله نفسه من سماءه ويلعب معهم الكرة! نحن نعيش في قمقم القداسة والقدسية ولعوامل كثيرة تم تكبيل عقولنا. الجو المصري عامة في زماننا الحالي وهو عام 2008 ليس هو الجو المصري الذي عرفناه في عام 1940 حيث في الأربعينات كان الناس مسلمين وموحدين بالله وفي قمة الطيبة والجمال ولكن لم تكن هناك روح التدين القاتمة هذه. وحتى لو أجابك أثرياء مصر بولعهم بعمرو خالد فهذا معناه في اعتقادي أن الجو العام في حالة احتقان ومتكهرب سياسيا ولا شعور بالأمان. الناس مهزوزة من الداخل حتى لو معها الملايين. الرؤية تحيط بها الشكوك والهلامية والضبابية. وعليه حتى لو كنت من أصحاب الملايين فمن الطبيعي أنك تميل إلى عمرو خالد والبابا شنودة ورموز القداسة الدينية في بلادنا هذه والتي تتبول في عقول المساكين ليلاً نهارًا تارة بالترغيب وتارة بالترهيب واللعب بعواطف الناس. لست ضد أن يكون الناس مسلمين فـ" ألا بذكر الله تطمئن القلوب" والهدف هو أولاً وأخيراً اطمئنان القلوب. ولكن ومع اطمئنان القلب للعقل أن ينطلق دون خوف من أي قوة كائنة في الكون بما في ذلك من يسمى بـ "الله". حينما يقول لي شخص إنه ملحد فأول شيء يخطر ببالي ليس أبداً أنه تفنن في أن يقول تباً للأديان ولكن أول شيء يخطر ببالي هو أنه وصل لمستوى عقلي يتجاوز حدود المألوف والمعتاد عليه وتجرأ على طرح الأسئلة التي نخجل منها ولم يكترث بشيء. كون الفتاة تكون عربية وتتجاسر على أن تقبل بالتفكير الإلحادي هو أمر بصراحة يجعلها جذابة في نظري ويبهرني كثيراً قدرتها على الانتصار على الخوف من فقدان الأمان والمرأة في أمس الحاجة كما تعلم للشعور بالأمان. كيف لعقلها أن يقبل كل هذا؟! ومن أي معدن عقلها؟! صراحة أمور تسلب بصري وتبهرني كثيراً. الطبيعي والمألوف أني أتحدث مع "إمرأة مؤمنة" سواء كانت مسلمة أو مسيحية وهؤلاء العشرة منهم بقرش وما أكثرهم. أما وجود امرأة تولي للعقل قدره الأول ولا تعبأ بالمجهول وينتصر عقلها فوق أي اعتبار وجداني هو أمر أكثر من رائع وأكثر من جذاب.

وأعتذر عن الإطالة... وشكراً جزيلاً على كلامك الجميل.