من الذي اسقط قناة الجزيرة في مستنقع التحزب

بلا شك كان لإنطلاقة الجزيرة باللغة العربية أثر الثورة في عالم الإعلام العربي
وكان لحضور نخبة مذيعيها ومقدموا برامجها دورفي تغيير مفهوم البرنامج التلفزيوني من برنامج عابس مكبل اليدين والرجلين والرأس إلى برنامج حواري يلمس المتابع له حياة في الصورة والصوت على خلاف ما عهده المتابع العربي من برامج قنوات التلفزيون الرسمي العربي الذي لم يعد يظن فيه إلا مجموعة أكاذيب مفركة تتعمد أن تظهر بمظهرها المنافق حتى في تلاوة أخبار الطقس

فكان فيصل القاسم وبرنامج الإتجاه المعاكس الذي شاهد فيه المشاهد وجهتي نظر متصادمتين
وكان لسامي حداد برنامجه الجيد
وكان لأحمد منصور عدة برامج ألقت الضوء على كثير من القضايا كشاهد على العصر وبلا حدود
وكان لبرنامج الشريعة والحياة في سنواته الأولى أصداء جيدة
ولا نغفل الكثير من البرامج كسري للعاية وزيارة خاصة وآراء المشاهدين
وكذلك البرامج الوثائقية
ومتابعة القناة للحدث بشكل مباشر

لكن ككل جديد إن لم يستطع إعادة إنتاج نفسه فإنه سوف ينتهي مستهلكا وممجوجا
خصوصا مع اعتماد القناة على عناوين برامج طال بها الزمن وصارت محصلتها محسوبة مسبقا من قبل المشاهد وصار الضيوف فيها متكررون وصار لهم ثقل واضح على صدر المتابع
فصار طلعت رميح جعروت الإتجاه المعاكس وصار السيد ......زكريا حكووته والبعض الآخر المتكرر علكوته .... الخ

لكن الأهم في الموضوع كان في ذلك الدفع المستمر لمنحى برامج القناة لتكون طرفا سياسيا
فكان أحمد منصور واضح التحيز في مواجهة المرحلة الناصرية وكان دأبه الواضح في محاولة تشويه سمعة المرحلة في مقابل تبيض دور الإخوان في مصر و إظهارهم كأنبياء مصلوبين
كما أن جميع مقابلاته حتى مع أؤلئك اليهود المعادون لإسرائيل فقد كانت تبحث عن نبوءاته الإخوانية وإثبات صحتها واضحة جلية


وكان واضحا هذا التحزب في استقدام السيد تيسير علوني كناطق رسمي باسم طالبان في مقابلته الأولى حيث كان يرتدي الزي الأفغاني ويتحدث باسم الحركة والقاعدة
ومن ثم تحوله في آن معا إلى مراسل وحلقة وصل بين القاعدة وطالبان وأداتها الإعلامية الحصرية قناة الجزيرة

أما في حرب العراق فكان التجهيز أكبر حيث نزل كوادر القناة إلى الساحة العراقية وكان لأماكن تواجدهم ما ينذر لما أعدت له الجزيرة من طرح نفسها كناطق باسم سنه العراق( الفرقة الناجية ) وجهدها في تسعير الصراع بين السنة والشيعة والأكراد

فكان وضاح خنفر في الموصل يشن حملاته على الكرد ويشد من عزيمة السنة وهو الشاب الإخواني الذكي والذي بدأ نجمه يسطع مع تلك المرحلة

وكان أحمد منصور والمرحوم ماهر العبدالله ومحمد كليشان وتيسير علوني ( كلهم عناصر إخوانية جبدة ) في بغداد يجولون على رموزهم السنية في إطار دعائي كان التحيز فيه واضحا وكان شحذ الهمم كذلك واضح الإتجاه
ولا ننسى هنا كيف تحولت القناة كمروج لعمليات الزرقاوي ومن ثم لدولة الخلافة وجيش أنصار السنة

أما في المغرب العربي وخصوصا الجزائر فقد كان الدفاع عن الحركات المسلحة الإسلامية المتمردة وتبييض صفحتها شغلا شاغلا للقناة
كذلك في السودان فكان واضحا أن الجزيرة قد حزمت أمرها واصطفت مع سلطة الخرطوم في مواجهة الجنوب ومتمردي دارفور إلى أن فرًج الله على سلطة السودان بانشقاق البشير والترابي

في الصومال صحت القناة مع سطوع نجم المحاكم الإسلامية وتابغتها ودافعت عنها بشراسة

في فلسطين سواء في أيام المرحوم ياسر عرفات أو في أيام عباس كانت الجزيرة وما زالت تطرح نفسها كبديل سياسي طبيعي لحركة فتح ومنظمة التحرير شأنها في ذلك شأن حركة حماس وفي هذا الميدان كان للجزيرة استباحات واضحة للساحة الفلسطينية إلى درجة أنني كنت أرى في القناة وكأنها قناة خاصة بحركة حماس وبدت قناة الأقصى أقل تحيزا منها

في اندنوسيا كان هم القناة متركزا على رفع شأن شخصيتين دون العالمين الرئيس وحيد ( الإسلامي المعروف ) والداعية الإسلامي باعشير ( أحد المتهمين بالترويج للإرهاب )

في ماليزيا كان الهم يتركز على الدفاع عن الإسلامي ..... ابراهيم وتخليصه من تهمة ممارسة اللواط التي ألصقها به مهاتير محمد

أما في الباكستان فيبدو أن لعنة الجزيرة قد أحاقت بهم وما تزال تحيق ولا أعتقد أن المشهد الباكستاني سيكون بأفضل من الأفغاني رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها غير الإسلاميين للنأي ببلادهم مما أصاب جيرانهم لكن جهود الجزيرة مستمرة بعون الله

في أوربا كان للجزيرة أن تكرمت علينا وعرفتنا على وجوه سمحة ولطيفة لا تقشعر لها القشعريرة
فكان الأفاضل _ هاني السباعي من مركز المقريزي _ وكان الشيخ الفاضل أبو حمزة المصري وكان الداعية المنتجب أو قتادة الأردني
وكان الآخر المظلوم من حركة الجهاد الذي يحتوي اسمه على تيسير أو ما شابهها

الأمثلة تطول
لكن الخلاصة أن العنصر الإخواني في قناة الجزيرة يبدو أنه كان متوسط طول النفس فلم يستطع أن يبقي على حيادية بدأتها الجزيرة كشعار هام كان له السبق والنجاح
فتحولت القناة إلى طرف حزبي واضح صار له مؤيدوه وأعداه
وأصبحنا نرى على وجوه مذيعات الجزيرة الجميلات لحى طويلة وشوارب محفوفة