مرحباً بالجميع :
مبتعداً بنفسي عن مهاترات البعض آثرت أن أنقل وجهة نظري بعنوان منفصل كونني أعتقد أن من يدخل مواضيعي سيضطر إلى الالتزام بحد أدنى من لغة المنطق وأن يزين كلامه ويبتعد عن الاسفاف ...
استوقفتني منذ يومين الصورة الجامعة لأردوغان وبيريس وبان كي مون وعمرو موسى ومن منا لا يعرف موسى أمين جامعة الدول العربية ... !!
أولاً في الشكل :
بيريس وأردوغان ... شبه متقابلين إلى جانب بعضهما وكي مون بجانب بيريس وعلى طرف الجلسة موسى ... والجلوس بهذا الشكل مرتب لمن يعرف بروتوكولات المؤتمرات وله دلالاته ... وتتأتى دلالته من عدة أمور أهمها هو الوزن الحقيقي للشخص الذي يمثله في بلده أو يمثله بلده ....
من المؤكد أن الصف لا يبدأ بموسى وإذا أحببنا أن نكون منطقيين أكثر نحن وجدنا إثنين موظفين في الجلسة لا قيمة لهما موسى وبان كي مون وهما إطار للشكل كان من المهم أن يحضرا ليعبرا بشكل أو بآخر عن وجود عربي ودولي وقبول بشكل أو بآخر لما سيقولوه بيريس لاحقاً وقد عرفنا أنه تكلم عن العدوان الأخير على غزة من وجهة نظره وكون موسى لم ينقل عنه شيء مهم ولا كي مون إذاً هما كان إطار للإخراج الإسرائيلي ...وأريد أن أستطرد هنا قليلاً بشأن وضع موسى كأمين عام لجامعة الدول العربية .. لأقول أستطيع أن أتفهم جلوسه كوزير خارجية مصر مع بيريس لكن بالتأكيد لا يستطيع حضور هذه المناظرة بوصفه أمين عام جامعة الدول العربية كون معظم الدول العربية لم تطبع ... وقد استطرد البعض -وقد أضحكتني محاولات التسطيح المكشوفة - في تبرير جلوس موسى أنه كيف لا يحق لموسى الجلوس ويحق للرئيس السوري أن يصافح كتساف في جنازة البابا في روما (على ما أعتقد) ... ناسياً أمران مهمان أن هناك فرق كبير بين الموقفين ... فبشار الأسد إن صافح كتساف نتيجة الإحراج وقلة الخبرة السياسية منه وقلة الخبرة البروتوكولية من فريقه كونه لم يطلب التشديد على منع أي لقاء من هذا النوع لما تعنيه المصافحة وهذا ما عاد ليصححه في الحادثة الشهيرة التي وقعت في عيد إستقلال فرنسا عندما ركزت الكاميرات على أولمرت وهو يلاحقه عله يحرجه وقد تخلص من الموقف بشكل ذكي (مع أني لا أعتقد أن ما حصل صحيحياً فكان من المفروض التشديد بروتكولياً بشكل لا يقبل التأويل أو طرق الاحتيال من أولمرت )... وعلى كل حال لو سلمنا جدلاً بأن هذه المصافحة تدينه ... فهي لا تشبه بأي شكل من الأشكال الجلوس في مؤتمر حواري مع بيريس لتكميل الصورة باسم الدول العربية وخصوصاً بعد العدوان على غزة ...!!

ورغم أن بيريس لا وزن سياسي حقيقي له في إسرائيل لكن كونه المحاضر عن إسرائيل فوزنه بوزنها ... وأردوغان وزنه بوزن تركيا وهذا غير مختلف عليه
الفكرة أنه -وهنا أحاول أن أحرض العقول على التفكير معي - هل كان المطلوب من أردوغان أن يكون إطار للصورة .. ؟
أولاً -تركيا وجودها مهم وهي من شوشت بشكل حقيقي أثناء الغزو الإسرائيلي بمواقفها وتصريحاتها وهي المحسوبة على حلف الأطلسي وكدولة صديقة لإسرائيل في المنطقة ...
ثانياً - الوقت الذي أعطي لبيريس حسب ما استنتجنا من المشادة التي حصلت ضعفي وقت أي محاور على الأقل ...!!

وهنا ثورة أردوغان كانت منطقية ... ببساطة هو لم يقبل أن يكون إطاراً للصورة بعد أن استنتج هذا ....

في المضمون
تركيا قد فقدت الأمل بدرجة كبيرة أن تنضم إلى الاتحاد الأوربي لأنها دولة مسلمة بطبيعة التركيب السكاني ...
تركيا ذات الميول الاسلامية مع أردوغان تحاول البحث عن دور فقدته تركيا العلمانية ...
تركيا تراقب دول المنطقة وترى إيران وسوريا رغم تمردهما ... أستطاعتا أن تجنيا دور وفرضتا الحلول في بعض الأحيان (اتفاق الدوحة في قطر)
بينما رأت دور دول ملحقة بأمريكا وبالغرب أن دورها مجرد مكمل لصورة الفعل الأمريكي لا أكثر ...
تركيا لها طموحات توسعية في الشمال العراقي لكنها هلامية غير واضحة المعالم ...
المشكلة الكردية جامعة بين المصالح السورية التركية الإيرانية ...
تركيا تضررت من الغزو الأمريكي الأخير للعراق وغياب الدولة المركزية ... رغم أنها شجعت على إنفصال الإقليم الكردي في التسعينات بعد الهزيمة العراقية الأولى ...فهي استنتجت بما لا يقبل الشك بأنه ممنوع عليها التفكير في نفط الشمال العراقي فهو يدخل ضمن الأمن الاستراتيجي الأمريكي ..
أدركت تركيا أن بوابتها إلى المنطقة العربية هي سوريا ... والمستغرب أن من يصفق اليوم لأردوغان ويشتم إيران ينسى أنه ما كان الدور التركي ليكون في المنطقة لولا رغبة وسماح دمشق له بالمرور ...
تركيا تحاول الآن وببرغماتية واضحة أن تفيد وتستفيد بالاتفاق مع كل من دمشق وطهران ... فهي من جهة لها أبواب مشرعة على الغرب ومع إسرائيل

... ومن جهة هي تلعب دور المشاكس في المنطقة وأنه لا يجوز مرور التسويات أو الصراعات في المنطقة بدون رأينا الواضح فيها فنحن لسنا مصر ... توظفوننا عندكم لتمرير مشاريعكم (المفاوضات الغير مباشرة بين سوريا وإسرائيل) .. وفي النهاية لا تحترموننا حتى في الشكل وتذهبون لتوقيع إتفاقيتكم منفردين وتقررون عنا فيما يخص أمورنا وأراضينا على شاكلة إتفاق ليفني -رايس ...

لقد بات من المؤكد أن أي دولة تقريباً في العالم تملك إرادة سياسية على شح إمكانياتها لها وزنا أكثر من العالم العربي مجتمعاً وهذا أمر منطقي وطبيعي ... فبعد الكارثة الأولى إتفاقية كامب ديفد وخروج مصر وجعلها تلهث وراء الرغيف و تقييدها داخل الحدود المصرية من قبل الاتفاقية نفسها ومن العرب ...
وبعد الكارثة الثانية التي قام بها العراق باحتلاله للكويت وقيامنا كلنا بالاتفاق على هزيمته (بإرادتنا أو مرغمين) بواسطة أمريكا ... بدأت الصورة تتوضح بشكل لا لبس فيه أن العالم العربي عالم مهزوم والمشروع العربي إنهزم بما لا يقبل الشك ويحضرني هنا قول حافظ الأسد للوفد السوري الذاهب لمدريد لا تتصرفوا على أساس أن العرب منهزمون ...!!
دققوا معي في الجملة السابقة ...
ورغم المحاولات اليائسة من قبل الأسد ومبارك وعبد الله في وقتها لتشكيل مثلث عربي لإعادة التوازن للعمل العربي إلا أنه تبدى واضحاً أن هذا المثلث هش وغير قابل لمقاومة عوامل الحت والتعرية التي تتعرض لها الأمة فما بالكم بقدوم سياسة جديدة تبنتها أمريكا بتقسيم المقسم وبتفتيت المفتت - عن طريق مرة طرح مشاريع الديمقراطية ونحن نعرف والكل يعرف أن شعوبنا غير مهيأة لها نتيجة نقص ثقافة المواطنة ومرة أخرى عن طريق الاحتلال المباشر والتهديد والوعيد - فكان لا بد لهذا المثلث العربي من السقوط نتيجة إنشغال دول هذه المثلث بالمشاكل الداخلية والضغوط الخارجية المفتعلة من قبل أمريكا

لقد أثبت تحالف المصالح الإيراني السوري أنه أقوى من أي ضغوط مطبقة وأن برغماتية السياسة السورية وبهلوانية السياسة الإيرانية قدم الفائدة لكلا الدولتين ولا نستطيع أن نلوم تركيا أن تنظر بعين المريد لعقد تحالف مع الدولتين طالما أنها ترى أن هذا التحالف لا ينفرط عند تطبيق أول ضغط على إحدى الدولتين وأن الدولتين تلتزمان بحد أدنى من الاتفاق على مبادئ جعل المشروع الأمريكي مهزوم وحلفائه مهزومين .. رغم التكلفة العالية للهزيمة ... فوجود الإحتلال مكلف وهزيمته مكلفة ....

لقد بدأت تركيا بالاتجاه نحو التحالف السوري الإيراني لتلتقي المصالح وربما ليتشكل مثلث جديد سوري إيراني تركي ... لكن يبقى السؤال الأهم ... هل تلاقي المصالح من وجهة النظر التركية عارض ومؤقت من أجل مكاسب محدودة أم أنه استراتيجي وبعيد المدى كتلاقي المصالح السوري الإيراني ... ؟


شكراً للجميع