سأتحدث ههنا الآن عن تجربتي الشخصية مع الإلحاد.

يمكنني أن أقول عن نفسي بأني ملحد بالفطرة بدون خوف أو وجل، لم أعش في بيتي أي ضغط ولا دين، كان الدين مع ذلك حاضراً في محيطي العائلي ولكن لا في بيتنا ولا في بيئتي.
فأبي ملحد ماركسي اشتغل طويلاً بالسياسة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جورج حبش). وأمي لادينية ولكنها تؤمن بوجود الله.
كان الله إذاً لدي حكايا ستي (جدتي) عن الله الذي لديه قدرات عظيمة ويستطيع أن يقلع عيني إذا عملت شي غلط. وكنت أتصور شخصاً شريراً يقلع عيون الناس.
هذا الله لدي لحد المراهقة، أبي كان بعكسي فهو عانى من قسوة أبيه (جدي) وتعلم بالكتاب وحفظ القرآن بعمر 8 سنوات. فوالدي كان عصامياً وذكياً جداً، من أصول فلاحية، كان يتعلم ويعمل في الحقل بآن معاً، وتعلم من ورا ظهر أبيه، بل عندما علم جدي أن أبي يذهب للمدرسة ضربه، فجدي يريد أبناء ينتجون لا أن يتعلموا. ولكن مع نتائجه الجيدة وبإصرار من جدتي وافق أن يتعلم أبي بشرط أن يبقى يعمل معه في الحقل، وهكذا تخرج بمواظبة وبعد وفاة والده وعمره 13 سنة، والتحق بالجيش، ثم بالعمل النضالي السياسي. وبنفس الوقت وصل للجامعة وكان يذهب لامتحاناته الجامعية أحياناً وهو مسجون بمرافقة مخابراتية.
أبي ملحد جداً معادي للدين بشكل حساس، أعتقد لدى أبي حساسية مع الدين ليست لدي، فلم أعش حياة صدامية مع الدين أبداً.
ولكن والدي أيضاً ككل السياسيين قليل الكلام أحياناً وكثيره أحيان أخر. ولكن في الدين كان الأمر محسوم لديه، ولا يناقش فيه، كان يعتبر أن من يتعلم لا يمكن أن يتدين.

أول علاقاتي الحميمية مع الدين كانت بعمر العاشرة، فجدتي أم أبي كانت تأتي لبيتنا وكانت تحاول تعليمي الصلاة والوضوء، تعلمت قليلاً ولكني لم أداوم عليه. أعتقد أن الإنسان الوحيد الذي كان أبي يحترم تدينه كانت جدتي..

في الصبا فقد كنت أعيش بين دروز وموضوع الدين غير حاضر نهائياً، ولكن في عائلتي السنية كان يفتح الموضوع أحياناً، وكان يستهويني عقلياً الحديث فيه ولكنه "تابو"، يستحيل غالباً الحديث فيه، إلا فيما ندر.
في فترة الجامعة الأولى، جمعتني الأقدار بأشخاص من ميول متعددة بين متدين ولاديني وملحد وشيعي وسني وعلوي وإسماعيلي وحتى مرشدي، وعقدنا نقاشات طويلة بالموضوع، وكان الأمر يستهويني جداً.

نأتي الآن لفترة فرنسا، فلقد كنت في وحدة بفرنسا وتعرفت خلالها على إسلاميين من كل الأطياف، سنة وشيعة، وأعتقد أن صيغة الشيعة للدين جذبتني وصالحتني مع الدين وقتها، فلأول مرة أجد نسخة دينية لا تؤله الصحابة وتملك رؤية نقدية سياسية للفترة المؤسسة للإسلام. حتى أذكر أني قبلها لم أكن أعلم ما الفرق بين الشيعة والسنة بتاتاً، بل أني لم أعرف ماذا تعني "سنة" قبل عمر 18 سنة. كانت المفاهيم الطائفية والمذهبية خصوصاً غائبة عن ذهني وبيئتي وثقافتي. قبل عمر 23 سنة لم أكن أعرف نهائياً عن وجود صراع على السلطة بعد موت رسول الإسلام محمد.

وهكذا وبفضل الشيعة، تدينت لفترة سنة ونصف ولكن على المذهب السني (يا للمفارقة). كنت أحياناً أخرج مع مجموعة بمسجد لدعوة الآخرين للدين (مسجد تديره مجموعة الإصلاح ومدري شو). ومرة قمت بإعطاء درس في الجامع بعد الصلاة، أحسست بالنشوة بصراحة حينها.
لكني سريعاً ما ضقت ذرعاً بالرؤية الضيقة والدغمائية للدين، فالدين بنهاية الأمر لا يمكنه استيعاب الآخر، فهو بالضرورة وتعريفاً دوغمائي بطبيعته. وأعتقد بأني لم أتدين فعلاً ولكني كنت معجباً بالتجربة بحد ذاتها، لا أتصور حقيقة أني آمنت وقتها، ولكني أحببت الانتماء لمجموعة في الغربة.
اكتشفت بالنهاية أن الجميع على مستوى واحد من الأدلجة والدوغمائية (شيعة وسنة). وأن سيد الإنسان عقله. حينها قرأت الكثير حول الإسلام وتعرفت على كتابات للأخوان المسلمين من ناحية ولشيعة من ناحية أخرى. وكفرت بالجميع أخيراً وللأبد.

طبعاً هذا سرد مختصر ومختزل لسنين طويلة وقراءات طويلة وتجارب عدة في عجالة سريعة.

مع خالص تحياتي
(f)