AL ITIHAD ...EMIRAT
http://www.alittihad.co.ae/details.asp?M=1...urnal=2/27/2005

:nocomment:

كيف جردنا أنفسنا من القوة؟

د. محمد السيد سعيد
لا أدري لماذا يبزغ اسم محمد سيد أحمد في ذهني كلما كتبت شيئا عن الشعوب العربية. هو اسم أليف يصلح لأن يكون اسما لمعظم العرب، فالأسماء الثلاثة شائعة وقد لا يخلو منها الاسم الكامل لغالبية من العرب المسلمين. ومحمد سيد أحمد هو أيضا اسم واحد من أبرز المثقفين المصريين وأنبلهم وأكثرهم نظافة... وسذاجة. ويتعيش المثقفون الراديكاليون من جيله حتى الآن على نوادر هذه السذاجة، وهي بالمئات. لقد حكى بنفسه كيف أن ثقته المطلقة بشابة فرنسية ولدت وعاشت فى القاهرة وكانت مسؤولته في التنظيم في بداية الخمسينيات كانت كافية لأن يحبس نفسه لمدة ثلاث سنوات كاملة في غرفة حقيرة بسطح أحد المنازل البائسة في القاهرة وهو في بداية حياته السياسية النضالية، لأنها اقنعته أن هذا الحبس الانفرادي التطوعي هو جزء لازم لتأمين النضال السياسي الذي يخوضه مع تنظيمه التعس هذا. وينتمي محمد سيد أحمد الى واحدة من أثرى الأسر المصرية وكانت من أكثرها نفوذا وقوة في الوقت الذي كان يشن فيه نضاله السياسي الثوري والمعادي للاقطاع والرأسمالية التي تنتمي اليها العائلة. والعجيب أكثر، أنه لم يفكر حتى الآن في مجرد أن يعلن السخط عليها وبالتالي فإنه لم يغفر لها لأنه لم يفكر أنها ارتكبت جرما بالأصل في حقه عندما كان في ريعان شبابه وقمة سذاجته.

ما أفكر فيه هو ما يلي: لقد حدثت هذه الواقعة نفسها لنا جميعا. لقد خدعنا طوال الوقت دون أن نستيقظ حتى الآن على جسامة الخديعة. وتكون وعي هذه الأمة عبر سلسلة من الخدع البسيطة والتي كان من الممكن لأي مجرب قعيد أن يكشفها، وقادتنا كل خديعة الى تلك التي تليها، حتى تاريخه.

وقد أصابنا الشيب دون حتى أن ندرك ماذا حدث ولماذا أو دون أن نفكر في أن ما وقع كان ببساطة خديعة وأن من خدعنا قد نسينا لأننا لم نعد نهم في شيء وأن بإمكانه أن يستدعينا عندما يشاء بخديعة أخرى، لأننا جردنا أنفسنا من القوة، ومن المعرفة ومن الذكاء. وحتى عندما تعوزهم الحيل الأخرى، ما أسهل أن يقودونا لصب النيران على بعضنا البعض.

إن مسؤولنا السياسي الجماعي – أي حكوماتنا- لم تعد تتذكر حتى سلسلة الخدع والأكاذيب التي أطلقتها علينا مثلما تطلق الذئاب على الغزلان، ولكنها تحتاج الى ابقائنا مخدوعين الى النهاية التي لا يعلم أحد متى تأتي. وكل مشكلتهم هي أن هناك من هو أخبث وأكثر اقتدارا منهم، وهو الآن يفعل معهم مثلما فعلوا معنا - نحن شعوبهم- تماما، وأن محاولاتهم لخديعة الطغاة الدوليين باءت وتبوء بالفشل. ومحنتهم الحالية هي أنهم لم يتعلموا أن يخدعوا الأعداء والخصوم الدوليين بالأساليب والطرائق المناسبة لهم، فخبراتهم في الخديعة لا تتجاوز حيز شعوبهم الساذجة، والمصدقة. ولذلك يعودون لخديعتنا نحن لأنهم أدمنوا نجاحهم في خديعتنا، ولا يمكنهم أن يكفوا عن تلك الهواية، حتى عندما تستحكم الشراك المنصوبة لهم هذه المرة. وهذا هو ما حدث مع نظام عربي تلو الآخر. لقد تغيرت قواعد اللعبة دون أن يدروا ودون أن ندري نحن أيضا. الواقع أن قواعد اللعبة لم تتغير بل هي ذاتها، ولكنها الآن صارت مزدوجة. فهناك من يصطادهم الواحد تلو الآخر، كما هم صادونا ولا يزالون يصطادوننا الواحد تلو الآخر، أو يصطادوننا بيد بعضنا بعضا أي بالنيران الصديقة.

هذا هو ما حدث عندما قام قطاع من الشعب اللبناني بشن حملة عنف ضد قطاع من أبسط أبناء الشعب السوري العاملين في لبنان. ولكن هذا ما كان يحدث طوال الوقت في كل أجزاء الخريطة العربية دون أن يسبب صدمة تعيدنا الى الوعي. ففي لبنان نفسه خسر عشرات الآلاف حياتهم فى مذبحة بشرية مريعة منذ عام 1975، باسم الاستقلال والتقدم وأحيانا باسم الثورة الفلسطينية أو باسم التخلص من الفلسطينيين "الغرباء"، وفي السودان انقض قسم من الشعب السوداني في الجنوب على الجزء الآخر في الشمال مجددا منذ عام 1983 باسم التحرير. ووقع انقضاض مضاد منذ عام 1989 باسم الجهاد. وفقد ملايين من الناس أرواحهم أو مساكنهم ومساقط رؤوسهم، ورزقهم في سياق حرب مجنونة. وما أن بدت تلك الحرب وكأنها قد اقتربت من النهاية بعدما أزهقت كل تلك الأرواح بدأت مذبحة بشرية أخرى في دارفور وبين أهالي دارفور أنفسهم وذلك جزئيا بايعاز من الحكومة وجزئيا بايعاز من مختلف القوى السياسية في الشمال وفي الغرب معا. وفي الصحراء الغربية لم تنته بعد محنة امتدت منذ بداية السبعينيات، وأهدرت حياة آلاف الناس باسم التحرر الوطني أو باسم الدفاع عن الوحدة الترابية. وفي ليبيا لم تتوقف أبدا حالة مذهلة من الفوضى والاذلال، التي لن نعرف عدد ضحاياها إلا بعدما تنتهي عاصفة سياسية لا نعرف لماذا بدأت ولا متى تنتهي ولا ما كانت أسبابها ودواعيها غير هواجس متوترة.

وكان الزعيم في بلد عربي تلو الآخر- مصر، العراق، سوريا، الجزائر، لبنان، ليبيا، تونس، وبقية الأسماء الحبيبة الينا من أجزاء الوطن- قد تحالف مع بقية القوى السياسية لكي يصفي قوة بعينها، ثم قرر تصفية القوة التي تليها بالتحالف مع من بقي، وهكذا حتى أتم تصفية جميع القوى السياسية بمن في ذلك من حملوه على الأعناق الى السلطة. وبالنهاية لم تبق أسماء كثيرة وانما ما بقي هو الآلة المجردة التي أحدثت كل هذا البطش وكل هذا الخراب الروحي والنفسي والسياسي. وعندما يحذروننا الآن من "رأس الذئب الطائر" بمناسبة قيام الأميركيين باللعبة ذاتها ضد حكومات أو زعماء، سيكون من الصعب أن نتذكر كم مرة مارس الزعيم هذه اللعبة ذاتها ضد أبناء شعبه ذاتهم، وكم من رأس طارت. فالمهم أننا رأينا كثيرا من الرؤوس تطير، وصدقنا أنها تطير لصالحنا ومن أجل المصلحة العامة، حتى لم يعد لدينا نحن أي رأس نفكر بها.

[SIZE=5]هل نستيقظ على الحقيقة؟ المسألة غاية في البساطة. فحتى عندما يتنطع نظام ما في بلد عربي ما لفرض هيمنته على شعب عربي في بلد آخر، يجب أن لا ننسى أن ما يفعله ليس سوى امتداد لما فعله بشعبه ذاته. فلم يكن احتلال العراق للكويت ممكنا عام 1990 الا بعد أن أتم نظام صدام حسين اخضاع شعبه ذاته لنوع شاذ من الغزو والاحتلال الداخلي للعراق. ولكي نقاوم الخديعة والتلاعب الأميركي بأمن سوريا يجب أن تتوقف لعبة الرؤوس الطائرة في سوريا ولبنان معا. فقد وقع الظلم بلبنان عندما وقع وهيمن البطش بسوريا.
كان يجب على محمد سيد أحمد أن يكشف الخديعة مبكرا، ولا يزال هذا هو الشرط الحقيقي لتحرره.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	هل هناك علاقة بين اغتيال جوليانو وفيكتور أريغوني؟؟	Dr.xXxXx	32	8,735	04-25-2013, 02:52 AM آخر رد: Dr.xXxXx
	الهجوم على برهان غليون: من «اغتيال العقل» إلى «اغتيال السياسة»	the special one	1	1,217	12-19-2011, 05:35 PM آخر رد: فلسطيني كنعاني
	أزمة عربية في مقابل أزمة غربية	فارس اللواء	2	1,132	10-02-2011, 04:54 AM آخر رد: السلام الروحي
	هل حزب الله وراء قتل رفيق الحريري؟ و لماذا..؟؟	tarek	27	7,355	07-16-2011, 12:03 PM آخر رد: على نور الله
	ثورة عربية أم ثورة عالمية كبرى ؟	أبو إبراهيم	0	1,278	02-21-2011, 06:43 PM آخر رد: أبو إبراهيم