ما بعد بسمات إنديك لشعبان...




جان عزيز-

إلى أين ستذهب واشنطن في علاقتها المستأنفة مع دمشق؟ سؤال لم يجد جواباً واضحاً على هامش مؤتمر أميركا والعالم الإسلامي المنعقد على مدى أربعة أيام في الدوحة.
غير أن إشارات اللبيب كانت أكثر وضوحاً من التلميح الخفي، لفهم اللبيب الآخر.
تكفي بسمة مارتن إنديك الدائمة قبالة بثينة شعبان، ويكفي استذكاره، وتذكيرها الذي لم ينقطع بأيام عملية مدريد وشيبردستاون وقمة جنيف. وبين كل استطراد وإجابة، شهادة من الأميركي ـــــ الإسرائيلي ـــــ الأوسترالي العتيق، على كم جهدت الوزيرة شعبان من أجل السلام.
غير أن الهاجس الأميركي الفعلي الوحيد كان محاولة تبيان النيّات السورية حيال مسألتين اثنتين: أيّ دور يمكن أن تقوم به دمشق من أجل تسريع المصالحة الفلسطينية ـــــ الفلسطينية؟
وكيف يتصوّر السوريون ثنائية المسارين: الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني من جهة، والإسرائيلي ـــــ السوري من جهة أخرى؟ هل هما متنافسان معرقلان، أم متكاملان متلازمان؟
وسرعان ما أدركت شعبان دقة الوتر الأميركي المشدود بين المسألتين. فتجاوزتهما، بلا أجوبة، ولا حتى إشارة.

والدقة المذكورة لا تُفهم إلا على ضوء أن يضع المراقب نفسه في موقع الإدارة الأميركية الجديدة. حيث يسيطر سؤال أوّل: ماذا نفعل الآن؟ وهو سؤال حرصت إحدى الصحافيات البارزات، من صحيفة واشنطن بوست، على طرحه، على كل مسؤول عربي مشارك في مؤتمر الدوحة، ماذا يمكن أوباما أن يفعل الآن؟
ثمّة مَن يقول له في واشنطن: ابدأ بتحريك الملف الفلسطيني. فأرسل جورج ميتشل ليجد مفاوضين غائبين: لا حكومة إسرائيلية، ولا سلطة فلسطينية، ما استدعى الخطوة الثانية: مَن قال إن نتيجة الانتخابات في تل أبيب مشكلة للإدارة الأميركية؟!
مَن قال إنه لا يمكن تحويلها مشكلة لماكينة النظام في الدولة العبرية؟!

فأقدم أوباما على خطوته الثانية: دخول على خط تأليف الحكومة الإسرائيلية المقبلة، واتصال ببيريز من أجل ذلك.
لتبرز هنا العقبة الثالثة: لكن ماذا لو وُجد المفاوض الإسرائيلي وظل نظيره الفلسطيني غائباً؟ وبالتالي، مَن يقدر على التحرك على هذا الصعيد؟ بعد حرب غزة، و«صمود» حماس، وظهور المواقف العربية على حقيقتها، احترقت الورقة السعودية. لا اتفاق مكة ثانياً ممكن التصوّر. كما احترقت الورقة المصرية. لا متابعة ممكنة لمؤتمر القاهرة الأول، الذي فشل في ظل موازين قوى أفضل من الحالية، فكيف به اليوم؟!

لم يبق غير سوريا. وحدها دمشق قادرة على ملاقاة واشنطن في إكمال «نصاب» المسار الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني.
لكن ماذا لو كانت دمشق ترى في انطلاقة هذا المسار عرقلة لمسارها الخاص؟ ماذا لو كانت تفضّل إعطاء الأولوية لاستئناف التفاوض الإسرائيلي ـــــ السوري، عبر الوساطة التركية، أو حتى تحت رعاية أميركية مباشرة؟

ماذا لو كان في واشنطن مَن صدّق مقولة ياسر عرفات، ذات يوم، أن باب السلام لا يتّسع إلا لعابر واحد، وهي المقولة التي جعلته يسرع نحو أوسلو؟!
مسألتان تحتاج واشنطن، على ما يبدو، إلى أجوبة سورية سريعة عنهما، لكي تمشي إدارتها الجديدة في منزلقات الشرق الأوسط، فوق الحد الأدنى من شبكة الأمان. فيما دمشق لا تبدو مستعجلة لإعطاء الأجوبة، وهي مَن انتظر ثلاثة أعوام ونيّف لمعرفة الجواب عن سؤال بسيط: لماذا رفعت شبكة الأمان السابقة، وما الذي يضمن عدم تكرار التجربة المرّة بين البلدين؟