Array
العرب عندما يكتبون أو يتحدثون، فإنهم يزركشون كلامهم ويزينونه، وهذا ما نراه جلياً في هذا الموضوع، من تفصيل "هنود كشميريين" أو "شوام أقحاح" وغيره.

ولكن المشكلة هي عندما يتشعب الحديث لنقاش هذه الزركشة، بدل نقاش صلب الموضوع....

غالباً ما أتفق مع شهاب في آرائي، ولكنني هنا أعتقد أنه لا يدرك كالكثيرين من المشاركين مدى الموضوع، ومقصد بسام منه.
كما أن النقاش لا يدور حول من لطم أو طبر، لكن حول "تظاهرة دينية" غالباً ما منعت في بلادنا، حفاظاً على الأمن. وهو شيئ عهدناه وأحترمه في سوريا، وإلا فإن شوارعنا ستمتلئ بالمطبرين ورايات الصوفيين وغيرهم... هذا إن لم تتطور الأمور إلى صدامات بين المتطرفين منهم، وتحولت دمشق إلى نسخة عن "بومباي" الهندية (أرجو عدم نقاشي في موضوع بومباي فهذه زركشة ايضاً)...

منع هذه التظاهرات الدينية كلنا متفقون عليه.
أما السماح لبعض الطوائف بممارسة هذه الأمور فهذا ما لم نعهده إلا في بعض الحالات التي تسمح للمسيحيين بالكشافة في أعيادهم الدينية وبشكل محدود وبدون الخروج من شوارع محددة ومرسومة....

هل تذكرون تظاهرات اليهود في دمشق عام 1992 ؟ هل تذكرون خروج فتياتهن في مجموعات سيارات يحملن العلم السوري وصور الرئيس ؟
كلنا قلنا يومها، هذه ظاهرة غير طبيعية، وهناك شيئ وراء هذا الحدث.
وفعلاً، بعد أشهر، سمح لليهود السوريين لأول مرة بالهجرة إلى أمريكا، ومعظمهم عرج منها طبعاً إلى إسرائيل.

من البديهي، أن تظاهرة دينية في وسط دمشق، لا بد أن تأخذ موافقة أمنية.... وهذه الموافقة الأمنية من المستحيل أن تعطى لتظاهرة كهذه إن لم يكن هناك مبرر أو سبب...
ما هو السبب ؟ أبصر !! نحن لا نقرأ في القلوب، خصوصاً أن السياسة السورية أدهى من أن تقرأ ببساطة محللي إنترنت....
ولكن كما يقول بسام وبعض من انتقد الموضوع، هذه ظاهرة لا سابق لها سواء أكانت قريبة من المسجد الأموي أم غير قريبة، وسواء أكان من مارسها شيعياً أم صوفياً أم مسيحياً....

هناك احتمالان في رأيي سيليان هذه الظاهرة : إما أنها استدراج لبعض الشيعة في دمشق ستليها حملة اعتقالات في من شارك في هذه التظاهرة، أو أنها استفزاز واستدراج للطوائف الأخرى لجس نبضها ورؤية تفاعلها مع المشهد...

وخلال الأشهر القادمة سنرى ما يختبئ وراء هذا الحدث.
[/quote]

ادرك تماما ما تعنيه عزيزي ابو ابراهيم (وهو بالمناسبة معنى مختلف عما في ذهن من يتحدث بلغة (الاستفزاز !!!!!!) أو ( الحق الشامي السني القح !!) ..

لا يمكن فهم المظاهر الشيعية العلنية اليوم بصورة تبسيطية بمعزل عن المظاهر الدينية العامة (سنية أو مسيحية) والتي تغيرت كليا اليوم في سورية، والمشكلة ان البعض لا يرى الا جزءا من الظاهرة مدفوعا باسباب كثيرة (طائفية أو سياسية أو قومية )..

دعنا نأخذ مشاهد التطبير الشيعية في المحيط الدمشقي :

من المعروف أن الشيعة في سورية قد اعتادوا على ممارسة طقوس التطبير علنا، وفي عصور مختلفة من تاريخ سورية، وفي كتاب (دمشق بين المماليك والعثمانيين) ذكر المؤلف الباحث اكرم العلني نصوصا تظهر اعتياد الدمشقيين من غير السنة على ارتياد المزارات الشيعية للفرجة على الشيعة وهم يمارسون طقوس التطبير بشكل علني، وقد استمرت هذه العادة حتى وجدنا من علماء الشيعة الكبار مثل محسن الأمين من تصدى لهذه العادة بشكل صريح، بما يدل على شيوعها في المجتمع الشيعي السوري .. واستمرت هذه الممارسات ضمن المزارات الشيعية (محيط السيدة زينب، ومحيط مقام رقية، ومقام سكينة، ومقام رأس الحسين) .. ولعل التغير البارز هو في مسيرات التطبير التي باتت تبدا من مدخل سوق الحميدية، وهو تغير ملحوظ بالفعل، ولكن لا يجب أن نعزله عن محيطه الديني العام الذي بدأ (من بداية التسعينات) بالتشكل في سورية ككل، وعلى صعيد كافة الطوائف (السنية والمسيحية والعلوية والدرزية، فضلا عن القومية الكردية) حيث بات من المألوف المجاهرة بأنشطة وممارسات دينية كانت ممنوعة سابقا مثل الاحتفالات الشعبية وشبه الجماهيرية بعيد المولد النبوي، والحضرات الصوفية العلنية (بعضها خصوصا الرفاعية يمارس فيها ضرب الشيش، وهو طقس شبيه بالتطبير الشيعي) ناهيك عن الأنشطة الدعوية (دروس ، محاضرات، نشرات وكتب) .. بل بدأ الأمن يتغاضى عن طقس صلاة العيد التي تتم في الخلاء (غالبا في سفح قاسيون) والتي يشهدها آلاف المصلين..

على الصعيد المسيحي بدأ الأمن يتغاضى عن انشطة تبشيرية صريحة تقوم بها مجموعات كنسية (استئجار دور سينمائية لعرض فلم حياة المسيح مجانا، توزيع كتب ومنشورات وأقراص دينية مسيحية) .. ناهيك عن انشطة علنية موجودة سابقا (طقوس الاحتفال بعيد الميلاد والتجمعات والمسيرات العلنية).

على الصعيد العلوي والاسماعيلي والدرزي: هنالك حركة نشطة في نشر الكتب والمصادر الدينية الخاصة بهذه المذاهب، فضلا عن انشطة دينية ملحوظة ضمن نطاق المذهب الاسماعيلي .

ما سبق عرض سريع وشديد الاختصار للحالة الدينية العامة التي بدأت في التشكل في سورية، ومن الخطأ الكبير برأيي عزل الحديث عن (مظاهر التشيع في سورية) عن هذا المحيط الديني ..

مع التحية ..