ليلة امس قرات في مقال ما حتى الحادية عشرة. قررت ان انام ولكن هيهات ان اتصالح مع النوم. نظرت الى كتاب كان يقبع بجانبي . انه ضو البيت للطيب صالح وكنت قد قرات فيه مايقارب الخامسة والخمسين صفحة. تابعت القراءة حتى منتصف الليل . اطفات النور وجربت حظي من جديد مع سلطان النوم لكنه لم يرضخ لتوسلاتي الارتماء بين احضانه لانني في الصباح الذي سيدق بابي عما قريب مناوب وعلي ان انام جيدا حتى اسهر على امن المدرسة واحافظ على حدودها . قذفت باللحاف بعيدا وعدت الى ما كنت عليه ,احتنضت ضو البيت وقلت في تفسي انها ليلة ليلاء مع ضو البيت.... لعلها ليلة بيضاء . والحقيقة انني انتبهت لنفسي عند الثانية والربع فجرا اغمض عينا وافتح اخرى وقد اتيت على كل الكتاب والبالغة صفحاته مائة وثلاثون صفحة لا بل اكثر بقليل. انه الجنون بعينه انه انتحار . ان اسهر حتى الفجر مع انني على موعد مع وردية صباحية مدرسية تبعث على النكد والهم.
نمت كيفما اتفق, استيقظت على صوت فيروز الرقراق والمنبعث من جهاز الحاسوب الي سهر هو الاخر معي ومعي ضو اليت الذي انار قلبي واشعرني بدفء غريب في هذه الليلة. ولا بد لي من وقفة مع ملحمة ضو البيت . لا ابالغ اذا ما وصفت الكتاب بالملحمة في وصفه للاحداث والسرد الرائع بكلمات شاعرية ومؤثرة عندما تصف شخوص الرواية والتقلبات على حالتهم النفسية والتحولات التي مر بها ابطال الكتاب. لكم هو جميل وصف الكاتب لليالي المقمرة في تلك الامكنة المقفرة من وادي النيل في دومة ود حامد القرية الصغيرة الوادعة بمحاذاة نهر النيل في اطراف السودان. والبساطة المميزة لاولئك الناس والاهم من ذلك البعد الصوفي العميق لاجواء الكتاب. لقد ابكاني هذا الكتاب اكثر من مرة لشدة شاعرية كلمات الكاتب وللابعاد الصوفية العميقة لابطال الرواية. لا عجب انني تذكرت روايات ماركيز واستحضرت عوالمه الغرائبية وانا اغوص بعمق في ثنايا رائعة الطيب صالح ضو البيت والتي لا تقل غرائبية عن رائعة ماركيز مائة عام من العزلة طبعا مع الانتباه لخصوصية كل كاتب والسياقات المختلفة تماما للكاتبين الرائعين طيبنا الصالح وماركيز الجميل.