نظرا لاستدلالك بما لا يستدل به يا زميلنا العزيز عبدالمسيح، فقد بدا لي أن أوضح لك أمرا لا أظنك تعرفه،

العقيدة الإسلامية، والتي هو تبين التصور الإسلامي لله الخالق المدبر إنما تنحصر في ستة أركان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى.
أما عن الإيمان بذاته، فقد منع الإسلام الإيمان ما لم يكن مبنيا على اليقين الذي لا مظنة فيه، ونعى على من اتخذ الظن وسيلة للاعتقاد ممن سبقنا من أهل الكتاب أو المشركين، فقال المولى تبارك اسمه:
(وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون *)
(سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا باسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون*)
(وما يتبع اكثرهم الا ظنا ان الظن لا يغني من الحق شيئا ان الله عليم بما يفعلون*)
(الا ان لله من في السماوات ومن في الارض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون*)
(وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون*)
(ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى*)
(وما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا*)

لذا، فإن على المسلم حين يستدل على أمر من عقيدته، عليه أن يستدل بنص قطعي لا يحتمل المعاني، وهو النص المحكم.

والنصوص التي يستدل بها في الإسلام على أربعة أصناف حسب ثبوتها ومعناها:
1- نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة: وهو ما ثبت بوجه لا يقبل الشك أنه من الله ورسوله، ولا يثبت له معنى معتبر سوى معنى واحد لا مراءاة فيه، وهذا زميلي العزيز هو القرآن الكريم والسنة المتواترة الذين وردا بشكل لا يحتمل أكثر من معنى. مثل (أحل الله البيع وحرم الربا)
وهذه النصوص وحدها دون غيرها يستدل بها في العقائد.
2- نص قطعي الثبوت ظني الدلالة: وهو ما ثبت بوجه لا يقبل الشك نسبته إلى الله ورسوله كالقرآن والأحاديث المتواترة، إلا أنه يحتمل أكثر من معنى محترم، وهذه النصوص لا يستدل بها في العقائد، لطروء الظن عليها من ناحية معناها. مثل ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)، فالنص هنا ثابت بما لا يقبل الشك أنه من عند الله، إلا أننا نحتمل الظن في ما يريد الله تعالى من كلمة قرء الواردة، أهي طهر أم حيض؟
3- نص ظني الثبوت قطعي الدلالة: وهو ما ثبت بطريق صحيح معتبر نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الطريق يقبل الظن فيه من ناحية تحقيق النسبة، إلا أن للحديث معنى واحد لا يتخلف. وقد ورد الظن على هذا النص من ناحية ثبوته. ويندرج تحته العديد من الأحاديث الصحيحة والحسنة، وهذه النصوص لا يستدل بها في العقائد. مثل "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
4- نص ظني الثبوت ظني الدلالة: وهو ما ثبت بطريق صحيح معتبر نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الطريق يقبل الظن فيه من ناحية ثبوته، ومن ناحية دلالته، إذ أنه يحتمل أيضا عدة معان محترمة. وهذه النصوص لا يستدل بها في العقائد نظرا لطروء الظن عليها.
مثل "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة".

وحين نطلع على ما استدللت به في حق الله تعالى جده نرى أنك قد استدللت بنصوص ظنية سواء من حيث الثبوت كالأحاديث التي وضعت، أو من حيث الدلالة كآية (يوم يكشف عن ساق). والصواب زميلي العزيز أننا نتخذ المحكم القطعي أصلا وأساسا يفهم المتشابه الظني على أساسه، فالآية الكريمة (ليس كمثله شيء) هي القاعدة والأصل، وعليها المعول والفهم، وتصرف باقي الآيات والأحاديث وفقها. وليس العكس.

(هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب*)