عادل حمودة في إفتتاحية الفجر أمس
..................................................
.......................................................
............................................................ لابد منه بدلاً من احتلال الكبار باسم المعونة فرض الغزو الأمريكي المجيد لغته ونظامه وطعامه وعاداته وسياساته وأسلوب حياته علي كل شيء في حياتنا.
بمئات قليلة من ملايين الدولارات سعت المعونة الأمريكية للتدخل في شئوننا.. والنيل من سيادتنا.. وهي في الحقيقة ملايين لا تزيد علي ما يستولي عليه رجل أعمال من بنك في ضربة واحدة.. أو ينهبها نصاب في شركة من شركات توظيف الأموال الوهمية.. أو يكسبها مغامر مسنود من المضاربة في البورصة في عملية واحدة.
لقد كانت تلك المعونة نوعا من الزواج القسري.. عقد فيه قران مصر.. أحلي عروس في الدنيا.. علي كاوبوي عدواني متعجرف.. يهوي السيطرة.. ويسكن البيت الأبيض.. وكان أنور السادات شاهدا علي زواج المتعة الذي بدأ في كامب ديفيد وانتهي في القاهرة.. ولم تأخذ فيه العروس مليما واحدا من مؤخر صداقها.. فما يعطيه العريس لها بالشمال يأخذه منها باليمين.. فكل دولار دفعته الولايات المتحدة لمصر أخذت مقابله سبعة دولارات.. بجانب كسر نفسها.. وهز كيانها.. وإحراج أهلها.
وطوال الثلاثين سنة الماضية اعترضت علي ذلك الزواج الذي لم يتح لنا أن نقبل جبين العروس.. ولا الاطمئنان علي مصيرها.. وهي تشبك يدها بذراع الرجل الكاوبوي.. وتذهب معه إلي كهفه السفلي.. حيث سرير الزوجية المصنوع من الوهم والخديعة. ولو كنا قد رضينا بالهم فإن الهم لم يرض بنا.. فقد راح الكاوبوي الأمريكي يعترض علي المصاريف الشهرية المسماة بالمعونة الأمريكية.. وراح يضغط كي يخفضها سنة بعد أخري.. ليكون في النهاية زوجا بلطجيا.. يطلب من زوجته كل شيء.. ولا يدفع لها شيئاً.
في عام 1998 جرت مفاوضات بين القاهرة وواشنطن لتخفيض حجم المعونة بنسبة خمسة في المئة سنويا لتصل خلال عشر سنوات إلي 415 مليون دولار بعد أن كانت في ذلك العام البعيد 815 مليون دولار.
بعد عشر سنوات.. بالتحديد في عام 2008.. وصلت المعونة إلي النصف تقريبا.. حوالي 415 مليون دولار.. لكن.. قبل ذلك بعامين.. بالتحديد في عام 2006 اقترحت مصر تخفيضا تدريجيا في المعونة بنسبة عشرة في المئة سنويا.. لتصبح قيمتها صفرا في عشر سنوات.. وطالبت باستخدامها في التنمية البشرية والبحث العلمي والتكنولوجيا ومنح الماجستير والدكتوراه في العلوم والرياضيات بجانب التعاون في المشروعات المتوسطة والصغيرة.
لكن.. مصر فوجئت مؤخرا بإدارة الرئيس جورج بوش قبل رحيلها تخفض المعونة إلي النصف.. وتحظي بموافقة مجلس النواب.. وتنتظر موافقة مجلس الشيوخ علي أن تستمر المعونة العسكرية 10 سنوات أخري.
كان تخفيض المعونة إلي النصف قرارا منفردا لم ترجع فيه واشنطن إلي القاهرة.. وهو ما استفز الرئيس مبارك فطلب تجميد ما تحول من المعونة.. وعدم صرف ما أصبح متاحا منها قائلا: " ولا كل فلوس الدنيا تجعلنا نقبل مثل هذا الموقف ".. وهو موقف محترم تعجبت من عدم إعلانه.
المثير للدهشة أن الذي أعلن ذلك الموقف السفيرة الأمريكية بالقاهرة في لقائها الأخير مع أعضاء غرفة التجارة الأمريكية.. وهو ما لفت نظري فسألت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبوالنجا فكشفت لي عما حدث.. لكنها أضافت: إن هناك مفاوضات قادمة مع الإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة الأمور إلي ما كانت عليه.. أو علي الأقل لا يأخذ الجانب الأمريكي قراره منفردا.
لقد اراحني القرار المصري من مهمة العزف المنفرد علي أوتار الحزن.. ومن مهمة الدخول في نوبة بكاء حادة تبلل ثوب العروس ببحر من دموعي.. إنني لا أطيق سطوة الرجل الكاوبوي علينا.. وأحب مصر.. بلادي.. ولا يمكن لعاشق حقيقي أن يسكت علي اختطاف حبيبته من بين ذراعيه.. دون أن يطلق صرخة احتجاج.. ولا يمكن له أن لا يفرح إذا ما عادت إليه
.........................
..........................................................................