نعود للخطف خلفاً، ولبداية زيارتي لروما وأسبابها وكواليسها.

لدي أصدقاء هناك، هم جيراننا بسوريا سافروا قبيل ذهابي لفرنسا بسنة لإيطاليا. هم أصدقاء أقرباء جداً، لنقل أصدقاء العائلة، أم العائلة "أم فادي" حين تراني تقول أنت ابن أختي. (وتقصد المرحومة والدتي).

تفرقت بنا السبل، وأنا هاجرت عن سوريا لأقطن فرنسا وهم بنوا بروما بيتاً كبيراً وهاجرت إليه كل العائلة تماماً، بنوا بروما ما كان بسوريا، عندما وصلت لروما اعتقدت أن البيت هو نفسه تبع السويداء بسوريا.
عائلة أصدقائي مسيحية سورية الأب مسيحي من جنوب سوريا والأم مارونية من الشمال، هي بيضاء وهو أسمر، علاقة متمازجة وجميلة كانت دوماً مثالاً رائعاً لتلاقي طرفي سوريا.
عندما وصلت لروما انتظرت لحظات ليلاقيني الابن الأكبر، عرفني مباشرة رغم أني لم أكن قد رأيته منذ عشرين سنة وأخذني بالأحضان، ثم كان اللقاء رائعاً ببقية العائلة كنا كعائلة واحدة، خلال يوم واحد تداعيت الذكريات، وصرت كما ذي قبل أشاركهم الأعمال المنزلية حتى، وألاعب أطفال ابنتهم التي لم أكن قد رأيتها منذ 16 سنة.

لكن لنخرج من هذه الأمور العائلية ولنعد قليلاً لروما.

روما بعد أن تصل إليها تجذبك فوراً، تسحرك، بينما نحن بسيارة مضيفي متشردين بساحات المدينة وحناياها ترى فيها العجب، قضيت عدة أيام بدت كأشهر بزخم ما عشته فيها.
في أحد المرات التقيت بلبناني يُدعى "أبو الليل"، بعد حديث صغير عرفت أنه من الحركة الوطنية اللبنانية وأنه يعرف أبي. عندما ذهبنا قال لصديقي حسان، لك اترك الزلمة معنا بعد ما عرفنا أبوه بدك تاخذو منا. كان جواً رائعاً فظيعاً. الصدف لم تكن تنتهي في هذه المدينة العجائبية.

المهم:
في اليوم الثاني كنت مع مرافقتي (وهي صديقتي العزيزة يا حميد لا تزعل، ولكنها ليست صاحبتي بالمعنى المفهوم للكلمة). وهي بصراحة كانت أسعد مني بوجودها بروما.
تأكد مضيفي بأننا نعرف كيف نتسوح بالمدينة وتركونا، ولقد أصريت أن يتركونا فلا أريد أن أزعجهم، وشعرت أنهم كعادة العرب الكرماء ولا سيما بالسويداء أنه صعب عليهم يتركونا لوحدنا، ولكني أصريت وأصريت، وأننا متعودون وبل سعداء لنغامر بالمدينة وأن باريس أكبر من روما أصلاً.

بدأنا المشوار بكنيسة جيوفاني، كنيسة جميلة جداً، ومدهشة ومنذ البداية بدأ الإدهاش.
بعدها ذهبنا إلى كنيسة صغيرة بجانبها، لا شيء مهم بهذه الكنيسة غير أن المؤمنين بها يصعدون الأدراج على ركبهم للتغفير عن خطاياهم.
تصعيد إيماني جميل، ومدهش، وربما متطرف أيضاً. كان هناك هندي يطلع ويصلي لكل الصور كنت أراقبه جيداً، شعرته بعالم آخر. مؤمن كما أي مسلم متطرف، أو لنقل مندمج تماماً مع إيمانه، وخارج العالم الواقعي.

إنها إحدى روائع روما، أن ترى العالم المسيحي أمامك، بكل جماله وروعته، تطرفه وتعصبه، بكل حقيقته بكل بساطة.

وبعد قليل الصور.
محبتي.