الزميل العزيز السرياني،

أسئلتك في المداخلة الثالثة تقريرية اتهامية، ولا تصلح أن يبنى عليها بحث علمي، بل هي قد تصلح لمحاكمة أمير المؤمنين عثمان رضوان الله عليه في محكمة ما.
أما عن الثرآن، فاسمح لي أن أستبدل أسئلتك بأسئلتي لك، وهي التي سأجيب على ما يلزم منها.
والسؤال الأول ما هو القرآن؟
"القرآن هو ذلك اللفظ العربي المعجز، المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، الموحى به من الله تعالى، إلى رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بوساطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، والمبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس، المحصور بين دفتي المصحف."

لاحظ زميلنا العزيز أن أي كلمة قد وجدتها مبثوثة هنا وهناك بزعم أنها من القرآن، كما يسمى بسورة النورين والحفد والمابعرف شو اسمه، وما يسمى بآية زنا الشيخين والرضعات المشبعات وأن صلاة العصر عي الصلاة الوسطى، وغير ذلك من التخابيص المفتراة، هي جميعا ليست قرآنا. ذلك أن من أهم شروط القرآن أن ينقل بالتواتر، وكل ما نقل بدرجة أقل من التواتر إنما هو إفك مفترى على كتاب الله.

والتواتر زميلنا العزيز هو ما رواه جمع غفير يؤمن تواطؤهم على الكذب والخطأ عن مثلهم من أول السند إلى آخره، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما منتهاه إلى الحس. وهو أعلى درجات الضبط ويستحيل فيه الخطأ في الرواية.
والسبب في شرط التواتر، هو تحريم الله تعالى علينا أن نتخذ في عقيدتنا أمرا ظنيا، والقرآن الكريم هو أحد أركان العقيدة الستة، لذا ينبغي أن يكون منقولا بالتواتر، حتى يصرف الظن أو غلبة الظن عن ثبوته.

وقد نقل القرآن الكريم إلينا بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بروايات متعددة للقراءة، وسميت هذه الروايات بأسماء أئمة المقرئين من تابعي التابعين في زمن التدوين، رغم أنها منقولة عن التابعين عن الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه الروايات أو القراءات كاها قد قرا بها الحبيب المصطفى صلوات الله سلامه عليه وآله. وكلها قد أقرأه إياها أمين الوحي جبريل عليه السلام.

أما عن جمع كتاب الله، فقد نزل فيما نزل من كتاب الله مبكرا بمكة قوله تعالى
(إن علينا جمعه وقرآنه* فإذا قرأناه فاتبع قرآنه*)
فتكفل الله تعالى منذ البدء بأنه هو الذي سيجمه كتابه، ولم يكلف بذلك لا أبا بكر ولا عثمان رضوان الله تعالى عليهما.
وكان في ما نزل من كتاب الله مبكرا، وهي السورة الخامسة تنزيلا، سورة فاتحة الكتاب. ولا تسمى سورة بهذا الإسم مالم يوجد كتاب لتكون فاتحته.

وثم حين هاجر الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة، وتمكن هناك مندولته، وخلا من التعذيب والطغيان القرشي الذي كان في مكة، اتخذ صلوات الله وسلامه عليه وآله كتبة له، منهم من أفرد للوحي، ومنهم من كان كاتبا لشؤون أخر.
وقد ثبت لدينا وجود أربهة من الكتبة من الأنصار، على رأسهم زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، كانوا ملازمين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يكتبون بين يديه كتاب الله تعالى، ويلتزمون في ذلك الإملاء الذي سمي فيما بعد بالرسم العثماتي، والذي هو مغاير للاملاء العربي وقتها. ويضعون الآية مكان ما أمروا في السورة التي أمروا. وقد كانوا يراجعون ما ينزل من كتاب الله كل عام في رمضان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبحضور أمين الوحي جبريل عليه السلام. إلا العام الذي قبض فيه الحبيب فروجع معه القرآن مرتين.
هذا من ناحية الرسم والكتاب، أما من ناحية التلاوة والقراءة، فقد روى جيل الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أن القرآن الكريم بهذا الرسم قد كتب بين يدي الحبيب المصطفى، وقد قرأه الحبيب بالطرق المحفوظة لدينا اليوم، ونقل عنهم هذا التواتر التابعون، ونقل تابعوا التابعين عن التابعين عن الصحابة، وعنهم نقل المقرؤون، وهكذا حتى وصلتنا القراءات المعروفة اليوم بالقراءات المتواترة.

وما مات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى والقرآن مجموع عند أربعة منكتبة الوحي، وعن هذه النسخ انتشر كتاب الله في الأمصار في العهود المتأخرة.