أهلا بعودتك يا صديقي واعتذر لتأخري ،

يا سيدي كلامك صحيح بس قديم شوي وحكمته ظروف مختلفة .. والطبيعة نفسها تتغير ..

أنا أتكلم عادة من الأخير ، والأخير هنا أني أفكر دائما بسوريا الأسد ( وهذه ليست نكتة ) .. أنا و ( ياللي من جيلي ) في الواقع تربية ( سورية الأسد ) سورية النظام الذي حول أنظار الجميع إلى الصراع العربي - الصهيوني ومحاربة الامبريالية بعيدا عن الصراع الطائفي ( و الوضع الاقتصادي الذي جعل الناس تفكر بقوت اليوم وتأكل هم الخبز ) يضاف إلى ذلك كأمثلة قليلة أن وجود علويين في السلطة منح أبناءهم ثقة واطمئنانا وفي المقابل فالسنة أغلبية ومبسوطين على عددهم ( والقضاء على الأخوان المسلمين كسر شوكتهم ) .. والمسيحيون يعلمون أن سورية مهد المسيحية والكنائس تنتشر إلى جانب المساجد في كل المدن السورية ، وأغلبهم يعيش في رخاء مادي نسبيا .

مع ذلك ، أنا أعزو التعايش السلمي بين خلايا النسيج السوري إلى طبيعة الإنسان نفسه واستعداده للعنف أو الدفع بالتي هي أحسن والطبيعة الودية التي ترحب بالغرباء شو ما كانوا ... لم نكن نفوت عيد نيروز أو حفلة لرأس السنة وكنا نراعي الجار المسيحي قبل المسلم ، فالأخ (بتمون عليه ) أما الجار فتحب أن تترك لديه انطباعا مشرفا عن ديانتك أو أصلك.. وهذه كانت روح الجميع، و لم أصادف من ( السنة ) من يقول تجنبوا فلان لأنه علوي أو فلانة لأنها اسماعيلية مثلا ، بل على العكس كنا نتعمد الاختلاط بالآخرين ومعرفتهم عن قرب،. طبعا تظل هناك عواقب اجتماعية لوجود فرق كثيرة في مكان ضيق ، فالزواج في سورية مثلا معقد لو فكر أحدهم بتجاوز الدين أو الطائفة أو العرق .. لكن لم أسمع عن أحد ما من أقلية دينية اعترض على قوانين الدولة أو قام باستفزاز جيرانه ليقول ها أنا ذا ، هذا أمر لا يخفى على العقلاء المتوازنين .. الاستفزاز بالمخالفة الفجة تثير الآخرين ولو كانوا أقرب المقربين والحلول المعاصرة يجب أن تبتعد كل البعد عن الاستمرار في الانقسام والتفرقة بين الناس على الأقل بين أبناء البلد الواحد فهذا لا يناسب الحياة الحديثة التي يجب أن يكون أعظم اهتمام للإنسان فيها هو إنقاذ هذا الكوكب الجميل المسكين من أذى الإنسان نفسه ، من الحروب والفقر والتخلف و الصراعات التي تسود أماكن كثيرة ، وذلك بالتقريب بين الناس بكل طريقة لا بابتداع المزيد من العقائد الغيبية ولا بتمييز هذه الجماعة عن تلك ولن يفيد أي فرقة الحديث بأن أفكارها أكثر إنسانية من غيرها فهذا لن يزيدها إلا تعصبا وانعزالا ، وإذا كانت هذه ( سنة الكون ) كما يقول الزميل الحكيم ، فالعلمانية هي الحل لأن الأديان لن تختفي لا بالعنف ولا بالسلم وهنا على الدولة ألا تجعل لأي فرقة دينية الحق في اضطهاد فرقة أخرى حتى لو كانت غالبة عددا كما أنها لا تتيح للأقليات فرصة استفزاز الأغلبية . وهكذا سيلتفت الجميع إلى تنمية المجتمع وتطويره وزيادة الإنتاج على كافة الأصعدة بدلا عن تصعيد الفرقة والتمييز وفي الوقت نفسه يبقى للناس مساحة خاصة حرة يعيشون فيها الروحانيات ويمارسون العبادات بعيدا عن المخالفة لمجرد الاستفزاز ولن تجد من يثير الشغب أو يعترض في دولة تحاسب الجميع بعدل ومساواة .. أما الشخص العنيف فهو عنيف بالفطرة وما رداؤه الديني إلا جدارا يخفي قبحه وراءه ..

لكن غواية الطائفية في سورية تظل في الحسبان ، وربما غذاها العبث الأمريكي بالمنطقة باحتلال العراق، فهم يعلمون أن إضرام نار الفتنة الطائفية لهو أمضى من كل أسلحتهم المحرمة وعدتهم العسكرية .




وأعود مرة أخيرة إلى الحوار الحاد مع الزميل الرائي ، الذي أعتقد أنه تحول إلى حوار شخصي دون قصد مني أو منه ، كما أن مكان الحوار لم يكن لائقا بالحدث .. هو يظن أن أي مسلم هو شخص تكفيري ولا أعذره في هذه ( فهو ابن مسلمين طيبين ) والناس يختلفون ضمن الدين الواحد والطائفة والعرق والجنس ( والتعميم لا يأتي بنتيجة دقيقة ) ، وأنا أيضا كنت فيما يبدو أخاطبه شخصيا من منطلق أن من يعارض فكرة وجود الله ويرى في الأديان خرابا فسيبدو موقفه غير مبرر وهو يبشر بانتشار دين وغلبته للأديان الأخرى.. ( و ربما كان عشمي فيه أن يقول لا للأديان كافة ونعم للإنسان فقط ..)

وأعاتبه عتب الأصدقاء وأقول أن انفعاله جعله ينسى أن وراء معرف اليمامة إنسانا مسالما جدا وليس ( شيخا وهابيا ) ، وأؤكد له بأن حرب الطوائف أو حرب النجوم لو قامت من حولي فسأكون أول من يهرب أو يختبئ هذا إذا لم أمت رعبا .

وبالأخير يا طارق يسلموا كتير لاهتمامك ..

عزيز وغالي .. (f)