{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 1 صوت - 5 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أفكار في القمة .
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #44
أفكار في القمة .
التناقض المعرفي .

...................
;إن الإنسان حيوان عاقل ، وهو إن لم يستخدم عقله بشكل واع منهجي ، فإنه يفعل ذلك بشكل غريزي و على طريقة الهواة.
أ‌. م . بوشنسكي – الفلسفة المعاصرة في أوروبا .
أعرض في هذه المداخلة نظرية هامة تتميز بقدرتها التفسيرية العالية ،و قد سبق أن طرحتها في شريط بعنوان التناقض المعرفي .. العلم و الشيطان .
اضغط هنا
و لكني هنا سأعرضها مركزة.
مقدمــــة.
ظلت نظرية التناقض المعرفي Cognitive Dissonance لليون فيستنجر Festinger ، بالغة الأهمية منذ إعلانها عام 1957 إلى الآن خاصة في مجال علم النفس الاجتماعي Social Psychology ، إن هذه النظرية و تطبيقاتها أتاحت لنا النظر عميقا داخل مجالات عدة كانت خافية علينا و صعبة الفهم و التفسير ، من تلك المجالات مثلا المحددات التي تحكم الأفكار والمعتقدات فلا تخرج عنها ، أو ما يطلق عليها نعوم تشوماسكي " حدود الأفكار التي لا يمكن التفكير خارجها " ، وأيضا تتيح لنا النظرية فهم ردود الأفعال الجماعية تجاه الأفكار التي لا تحظى بالقبول النفسي من الجماهير العريضة .. لماذا ينفر العرب مثلآ من فكرة المواطنة العلمانية رغم أنها مقررة في دساتيرهم غالبا ، و أيضا كيف تسعى المجتمعات لتغيير أفكارها لتلائم سلوكها و ليس العكس .
طبقا لنظرية التناقض المعرفي ؛ فإن الإنسان يعاني من التناقض عندما يكون عليه المفاضلة بين معتقدين أو إجراءين لا يمكن التوفيق بينهما ، وتزداد تلك المعاناة كلما كان البديلان يحظيان بنفس الجاذبية في نفس الإنسان ، ومن الملاحظ في هذا المجال أنه عند حدوث إختلافات بين القناعات العقلية و السلوك الواقعي فإن الإتجاهات العقلية هي التي تتغير غالبا طبقا لمقتضيات السلوك .
التغلب على التناقض.
إننا عند التعامل مع عناصر المعرفة cognitions المتاحة نطرح أولا سؤالا لا شعوريا هو .. هل هذه العناصر ذات علاقة بعضها البعض أم لا ؟ ،و إذا كانت ذات علاقة فهل تلك العناصر متناغمة أم متعارضة؟ . في حالة اكتشافنا لوجود تعارض بين معارفنا المختلفة مثل تلك النظريات التي تفسر نشوء الكون و أصل الإنسان ، فإن ذلك يؤدي إلى قلق نفسي ،وهذا يدفع الإنسان إلى الإحساس بضرورة تقليل هذا التناقض ، و تحاشي المعلومات التي تزيده ، وفقا لنظرية التناقض المعرفي فالإنسان يميل إلى البحث عن التوافق بين معتقداته المختلفة ، و بالتالي فعندما تكون هناك تناقضات تفسد الإنسجام بينها ، يندفع الإنسان إلى تغيير بعض معتقداته و إتجاهاته و أحيانا سلوكه لتحقيق التوافق المنشود ، وهناك ثلاث أساليب يلجأ إليها الإنسان لتحقيق هذا التوافق سواء بشكل متعمد أو لا شعوريا و النوع الأخير هو الغالب ، وهذه الأساليب هي :
1 - تقليل أهمية المعتقدات التي تتناقض مع معتقداتنا الأصلية .
reduce the importance of the dissonant beliefs
2- إضافة المزيد من المعتقدات المتوافقة مما يفوق وزن المعتقدات المتناقضة .
add more consonant beliefs that outweigh the dissonant beliefs,
3- تعديل المعتقدات المتناقضة حتى تصبح غير متناقضة .
change the dissonant beliefs so that they are no longer inconsistent.
لتفسير ذلك يمكن أن نضرب مثلا بسيطا بالمدخن ، فالمدخن يعلم أن التدخين يعرضه لأمراض بعضها خطير ،و هذه المعرفة تتناقض مع حقيقة أنه يدخن بالفعل ، و كي يتغلب المدخن على هذا التناقض سيكون أمامه مسارين ، فيمكنه متحليا بالإرادة و المثابرة أن يقلع عن التدخين ، و لكن هناك مسار آخر للتغلب على ذلك التناقض بأن يلجأ المدخن إلى تقليل أهمية المعلومات التي تربط التدخين بأمراض القلب و السرطان مثلآ ، فهو يتشكك في الإحصائيات التي تؤكد هذه العلاقة و يراها غير حاسمة (إلغاء المعتقدات المتناقضة ) ، كذلك يمكنه أن يبالغ في تقدير اللذة التي يشعر بها في التدخين و أن التدخين يزيل توتره و يساعده على التركيز كما يساهم في تخفيض الوزن (إضافة المزيد من المعتقدات المتوافقة ) ، كما يقنع نفسه أن مخاطر التدخين لا تقارن بمخاطر حوادث السيارات ،و لأن تجنب الطرق مستحيل فالتدخين أيضا ضرورة وكلاهما متلازمات عصرية (تقليل أهمية المعتقدات المتناقضة) .
ومن الجدير بالملاحظة أن الإنسان في هذه الحالة ( التناقض المعرفي ) يميل طبيعيا إلى تعديل اتجاهاته صوب المعتقدات التي تتناقض أقل ما يمكن مع معتقداته الأصلية ، حتى لو كانت لا تمتلك جاذبية كبيرة ، بمعنى أنه في حالة ظهور نظريات جديدة في مجال ما ، فإن الإنسان عادة يميل إلى تبنى النظريات و المفاهيم التي لا تختلف كثيرا عن معتقداته الأصلية بدلآ أن يختار الأفكار الأكثر حداثة و بالتالي الأشد بريقا و لكنها ستكون متناقضة بشكل أكبر مع معارفه السابقة ، فمثلآ عندما يكتشف المصري أن الحسين بن علي دفن في كربلاء بينما دفنت رأسه المقطوعة في دمشق ، فهذه المعلومة تتناقض مع وجود ضريح يزار للحسين في القاهرة ، و لهذا سيفضل هذا الإنسان نظرية تتحدث عن نقل رأس الحسين في نفس مكان ضريحه الحالي في القاهرة ، بدلآ من التسليم بأن ضريحه في مصر رمزي و لكنه خاو لا يحتوى على أي من جثمانه ، و هذه النتيجة تبدوا متناقضة مع النظريات السلوكية الأخرى التي ترى أن الإنسان يتجه إلى تغيير معتقداته صوب المعتقدات الأكثر جاذبية .
تطبيقات .
من أهم مميزات نظرية التناقض المعرفي عموميتها ،و بالتالي قابليتها للتطبيق في مجالات متعددة ، و بهذه العمومية ظلت النظرية فعالة و مؤثرة في العلوم الإجتماعية حتى اليوم ، هذا لا يعني أنها لم تواجه بالنقد المعتاد الذي تواجهه كل النظريات العلمية ،و لكن هذا النقد أدى إلى تطوير النظرية حتى أصبحت القاعدة التي بني عليها كثير من النماذج التطبيقية ، فمن الجدير بالملاحظة أن النظرية لم تترك بحالتها العامة ، و لكنها كانت الأساس لصياغة عدد من النماذج القياسية ( البراديم . paradigm ) التي تستخدم لفهم و تفسير ظواهر معرفية و سلوكية في مجالات و أنشطة متعددة ، ومن أهم نماذج تطبيق النظرية التي خضعت للتجارب الميدانية قضايا هامة مثل :
1- صدمة عدم تحقق المعتقدات الأساسية : و هذا التناقض واضح للغاية في ثقافتنا الإسلامية رغم أن الصدمة المفترضة تكون دون التوقعات نتيجة حالة من التبلد المعرفي ، هناك زخم من حالات صارخة تعبر عن الظاهرة مثل تناقض صورة الكون في المعتقدات التراثية مع صورته التي تتكشف لنا من منظور العلوم الحديثة ، وهناك أيضا التناقض بين الواقع المتخلف و التعالي الأجوف على الآخرين و عقائدهم .
2- أيضا تستخدم النظرية في فهم ما يحدث عندما يتخذ الأفراد و الجماعات قرارات هامة ، مثال لذلك الإنتقال الفجائي من النظم الإشتراكية و الشمولية إلى نظم ديمقراطية ليبرالية ، في هذه الحالة سوف تتضخم أهمية المعتقدات التي تتناقض مع خياراتنا، و تنكمش المعتقدات المتوافقة مع تلك الخيارات، و ذلك لصالح المعتقدات القديمة ،وهذا يفسر الحنين إلى الشمولية القديمة بين الشعوب العربية التي حققت قدرا من الإنفتاح مثل العراق و مصر .
3- التعامل مع الجهود المبذولة في أنشطة حيوية و تقدير جدواها .
4- تفسير ما يحدث للأفراد و الجماعات التي تقوم بأنشطة مناقضة لمعتقداتها و إتجاهتها الأصلية ، و يمكننا ان نلاحظ ذلك في مجتمعنا أيضا ، فالتخبط سيصبح متجذرا في الممارسات الديمقراطية في المجتمعات الأصولية التي لا تؤمن بالحريات الشخصية ، و ذلك عندما تجبر هذه المجتمعات على تبني النسق الغربي الليبرالي ، فالغربي مثلا لن يفهم كيف يتخلى المصري طوعا عن حريته السياسية و يجيرها لصالح مرشد الإخوان أو أمير الجماعة الإسلامية أو آباء الكنيسة القبطية ، و لكن هذا النموذج سيلقى ضوءا عميقا في صميم تلك الممارسات الغير عقلانية .
خلال هذا الشريط سأعرض النموذج القياسي لعدم تحقق المعتقد ، تاركا النماذج الأخرى كي يدرسها من يريد التوسع في فهم النظرية .
]النموذج القياسي ( البراديم ) لعدم تحقق المعتقد . belief-disconfirmation paradigm

يبرز التناقض بشكل كبير و ملموس في حالات بعينها ربما يكون أهمها ذلك الذي يحدث عندما يتعرض المؤمنون بعقيدة ما لمعلومات حاسمة تناقض معتقداتهم الأساسية ، في هذه الحالة سيكون من المنطقي أن يتخلى أولئك الناس عن معتقداتهم و بالتالي سيختفي التناقض و الإحساس بالتوتر والقلق الناتج عنه ،و لكن هذا لا يحدث عادة لأسباب متعددة ربما أهمها الحاجة إلى التوافق مع الجموع منخفضة الثقافة ، عندئذ سيؤدي التمسك بالمعتقد الأصلي إلى سوء فهم أو سوء تفسير عفوي أو متعمد لكل المعلومات الجديدة و المتناقضة مع تلك المعتقدات الموروثة والأثيرة لدى الإنسان ، و لن يكون نادرا أن يرفض الإنسان المصدوم في معتقده كل الحقائق المناقضة لهذا المعتقد مهما كانت صدقيتها بل و ربما ينكرها كلية ، و غالبا ما يصاحب ذلك كله طلب العون من أولئك الذين يتوافقون معه في معتقداته ، كذلك يحاول أولئك المصدمون إغراء الآخرين على إعتناق تلك المعتقدات التي تكشف زيفها أو حتى إجبارهم على ذلك !.
في الخمسينات من القرن الماضي كانت هناك تجربة شهيرة تابعها عدد من كبار علماء الإجتماع منهم فيستنجر صاحب النظرية و آخرون ، هذه التجربة تناولت متابعة أعضاء طائفة دينية في أمريكا تؤمن بنبوءة لإمرأة مشعوذة تقول بأن هناك فيضان قادم سيغمر أمريكا بسبب ذنوبها و في توقيت حددته ، بطبيعة الحال إنقضى التوقيت ولم يحدث شيء ، لاحظ العلماء أن أفراد الطائفة الذين كانوا منفردين استسلموا للحقيقة و تخلوا عن أفكارهم السابقة ،و لكن من كانوا مجتمعين رفضوا التسليم بالحقيقة ،و نشروا نبوءة جديدة لنفس السيدة المشعوذة تفيد أن الرب قد أجل عقابه بسبب وجود تلك الجماعة حسنة النية ،متزامنا مع تلك الدراسة لاحظ المراقبون أن الجماعة التي كانت تبشر proselytize بعقيدتها بشكل معتدل قبل عدم تحققها ، إندمجت في نشاط تبشيري محموم بعد ذلك عكس أي توقعات .
ربما كانت واقعة صلب السيد المسيح واحدة من أهم حوادث التاريخ و أشدها تأثيرا ،و على نفس المستوى كانت الواقعة من أبرز نماذج التناقض المعرفي في التاريخ كله ، كان التعذيب الوحشي و الألم الصاعق و الإحساس بالضياع السياسي ، مضافا إليه ما شعر به يسوع من الكراهية و العنف و الضعة التي يرسخ فيها البشر ، كل هذا إضافة إلى نبل يسوع و جلال مقاصده ، كان عاملا حاسما لتحول واقعة الصلب إلى زلزال عصف بالمشاعر الجياشة للبشرية كلها ، من جانب آخر سنجد أن تلك الواقعة تتناقض مع ما استقر من معتقدات منتسبي الأديان السامية الكبرى الثلاث . فاليهود الذين أدركوا ضعتهم و ضياعهم أمام طوفان المؤمنين بيسوع الناصري كمسيح منتظر ، لجأوا لكافة الحيل كي يتخلصوا من الجريمة ، فهم يشككون في كون يسوع الناصري هو نفسه المسيح الموعود ، متخذين من واقعة صلبه ذاتها دليلا على كذبه ، فهم يعتقدون أنه لو كان يسوع الناصري مسيحا ما قتل ، وتلك هي الحيلة الثانية وهي إضافة المزيد من المعتقدات المتوافقة ( الكذب و الهرطقة ) مما يفوق وزن المعتقدات المتناقضة ( قتل رجل أصبح إلها معبودا )، في المقابل رفض المسيحيون الأوائل فكرة صلب المسيح وموته كنهاية لمعبودهم الناصري ، وهكذا ظهرت نبوءة المسيح بعودته التي لم تتحقق ، فعندما نجح بطرس في إقناع يسوع الناصري أنه المسيح المنتظر ،و أن حتى الموت لن يقهره و أنه سيعود ليحكم العالم إلى الأبد ، كل ذلك مع عبادة أتباعه له، أدى إلى اقتناع يسوع برأي بطرس ، فأطلق نبوءته الشهيرة بأنه سيعود بينما سيكون هناك بعض معاصري صلبه أحياء ، و عندما مر 1000 عام دون ظهور المسيح ، انتظر الناس ال 1000 الثانية ،وهم الآن ينتظرون ال 1000 الثالثة بلا ملل ، و كلما مر الزمن بدون عودة المسيح زادت الثقة في عودته ، فهذا التناقض جزء من معضلة الإيمان و العقل البشري ، في المقابل كانت واقعة الصلب تحديا كبيرا لنظرية إنتصار الأنبياء في الإسلام الذي يعترف بيسوع كنبي و رسول ، كانت هزيمة المسيح و قتله مصلوبا الإستثناء الوحيد في القاعدة ، و واضح أنه سيكون هناك تناقض لا يمكن تجسيره بين الإنتصار الحتمي للأنبياء و هزيمة المسيح حتى رغم إنتصار رسالته ، وهنا يظهر الحل الثالث وهو تعديل المعتقدات المتناقضة حتى تصبح غير متناقضة ،و لهذا يقترح الإسلام حلا بديلا بل و يصر عليه كيقين و هو أنه رغم أن الصلب تم بالفعل و شاهده الناس ، و لكن لم يكن المسيح هو المصلوب بل شبه إلى القوم فقط أنهم صلبوه ، فهنا تدخل الله بقدرته و رفع المسيح إليه ، فالرب الذي أتى بالمسيح خلال المعجزة أنهى حياته بمعجزة أخرى !.
ملائكة و شياطين و كائنات أخرى.
و هناك عدة أساليب يلجأ إليها الإنسان لمواجهة هذا التناقض كما ذكرنا ، فهناك تقليل قيمة و عدد عناصر المعرفة التي تناقض الاعتقاد الأصلي أو المبدئي ، فالأساس المعرفي في الشرق الإسلامي هو الثقافة النصية التي تتبنى نظرية الخلق الخاص ،وتؤكد على وجود كائنات غير مادية مثل الملائكة و الشياطين و الجان ،و بالتالي فسوف نميل إلى تقليل أهمية المعرفة التي تناقض ذلك رغم صدقيتها ، ومنها العلوم الطبيعية التي لا تعترف بغير ما يقع تحت القياس ، و بالتالي ترفض التعامل مع مفردات لا يمكن تحديدها أو تعريفها بشكل موضوعي بعيدا عن ذات المتحدث مثل الملائكة و الشياطين ، هناك أيضا علوم الانثروبولوجيا التي تعالج بدقة نشوء الفكر الخرافي و الطوطمي ،وهي بالتالي تشرح بشكل منطقي و مقارن نشوء أفكار غيبية مثل الشياطين و الملائكة ، و هناك الميثولوجيا التي تتناول الأساطير و ارتباطها بالتعبير عن الفكر الجمعي للشعوب المنتجة لها ، كل تلك العلوم تتناقض مع أفكارنا التي نستقيها من المجتمع و النصوص الدينية مشكلة لنا تناقضات معرفية حادة ، لهذا سيكون هناك ممانعة جماعية لقبول تلك العلوم رغم صدقيتها العالية و أنها الأساس الذي تقوم عليه الحضارة المادية المعاصرة ، و ليس غريبا أن نسمع من الجماهير المذعورة عن محدودية و تناقض العلم و أن العلوم الإجتماعية و السيكولوجية مجرد أفكار لا دليل على صحتها بل مجرد وسوسة من الشياطين أنفسهم ! .
أسلوب آخر لمواجهة التناقض المعرفي هو زيادة عدد وأهمية المعارف التي تؤكد المعتقد الأصلي كأن نروي القصص و الأحداث ( الواقعية ) التي تؤكد وجود الأرواح و الجان ، و ليس غريبا بالتالي أن تكون الكتب التي تتحدث عن الجن و العفاريت هي أكثر الكتب شيوعا في مصر ، وهناك حيلة لا شعورية أخرى هي أن نربط تلك المعارف الخرافية بما نعتقد أنه المقدس المطلق الذي يعفينا من النقاش و الجدل ، مثل الزميل الذي يقول أن الإيمان بالجن هو إيمان بالله !.
أيضا هناك الحيلة اللاشعورية الثالثة و هي أن نغير المعارف الجديدة أو نحورها بحيث تصبح غير متناقضة مع معتقداتنا الأصلية ، وهذا ما يحاوله من يتحدث عن المعجزات العلمية و الكونية في الكتب السماوية ، فهو يقول مثلا أن الملائكة هم العلم النافع و أن الشياطين هم العلم الضار مثل إنتاج القنابل الذرية !.وهذه الحيل الترقيعية تشيع أكثر بين المهنيين و الجامعيين من أنصاف المثقفين .
حسنا نحن أمام مجموعة من المعتقدات أو عناصر المعرفة بعضها لابد من تغيره ، هنا سنكون أمام عناصر معرفية أكثر مقاومة للتغيير من غيرها ، فالعناصر التي يؤدي تغييرها أو إلغائها إلى معاناة أكبر أو التي ستكون مرتبطة بغيرها من عناصر المعرفة الضرورية للإنسان مثل الدين ستكون أكثر ثباتا و أعصى على التغيير . حسنا لو طبقنا هذا المبدأ على نظرية التطور أو قضية وجود الملائكة و الشياطين ، سنجد أن الأمر يختلف من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى ؛ مبدئيا أود أن أقول أن الأمر كله ذاتي و لا يتوقف على محاجات عقلية ، و هو يتوقف بالأساس على إدراك الإنسان لنفسه self – perception ، فكل منا يريد أن يرى نفسه متحضرا منتميا للقيم التقدمية ،و أيضا إنسانا صالحا متوافقا مع الله و أوامره !، ولكن لو تعارضت الصورتان فهناك الأسبقيات ، فالإنسان الدينيhomo religious ( أي الإنسان ككائن يحيا حياة دينية ) سيتمسك بفكرة الخلق الخاص ووجود الملائكة و الشياطين التي يراها جزءا من دينه و بها – و بنظائرها – سيرضي الله و يدخل الجنة ، في حين أن الإنسان العلمي سيرفض مثل تلك المعتقدات تحت شعار قدسية الأمانة العلمية التي هي بالنسبة له دينه الخاص . المشكلة للأسف أكثر تعقيدا فلا يوجد في الواقع الإنسان الديني الخالص ولا العلمي الخالص ، فنحن جميعا مزيج منهما بدرجات متفاوتة ، و بمقدار اقترابنا من أحدهما نحدد موقفنا من نظريات مثل التطور أو معتقدات مثل وجود الجن و الشياطين و الملائكة و غيرها من المعارف الغيبية .
رفض نظرية التطور .

نعرف جميعا أن نظرية التطور أحدثت إنقلابا كاملآ في نظرتنا للعالم الذي نعيش فيه ، حتى أن فلاسفة المعرفة يقسمون الفكر إلى التطوري و ماقبل التطوري ، جائت نظرية التطور بمثابة أضخم صفعة وجهت لأساطير التوراة (نظرية الخلق الخاص) ، ومن المعروف أن التوراة نسخت أسطورة الخلق من الحضارة البابلية ، كما فعلت مع غيرها من الأساطير المصرية و البابلية و كثير من الأساطير التي كانت شائعة بين شعوب الشرق الأوسط القديمة ، ومن المعروف أيضا أن نظرية التطور كأي نظرية علمية لا تصدر في حالتها النهائية مرة واحدة ، و لكنها دائمة التطور على ضوء المعطيات العلمية الحديثة ، وتلك هي طبيعة المعرفة العلمية . هذا لا ينفي بأن ما يجري عليها من تعديلات و ما يوجه لها من نقد يكون في إطار ما حققته من نجاح وما قدمته للبشرية من نتائج ، أي أن كل ذلك دليل صحتها العامة ، في المقابل لم يكن ممكنا أن يتخلى الناس عن معتقداتهم بدون مقاومة ، حتى وصل الأمر أن بعض القساوسة الورعين أعلنوا أن الله وضع تلك الحفريات خصيصا في طريق داروين كي يختبر إيمانه ،و قد فشل داروين في الإختبار تماما ، ربما تبدوا هذه الأقوال نوعا من البلاهة المفرطة ، و لكن هناك بعض الأصوليين الأكثر حصافة يثيرون إعتراضات أكثر منطقية ولو شكليا ، فيقول أحد المؤمنين بنظرية الخلق ، لو وضعنا قردا أمام كي بورد لملايين السنين ، هل يمكنه أن يكتب قصيدة لشيكسبير ؟، في عالمنا الشرقي لم يكن متصورا أن يقبل أحد تلك النظرية العلمية ، و هكذا وجدنا بعض المدعين من فهلوية العلم أمثال مصطفى محمود و زغلول النجار يترجمون الإعتراضات التي وجهت لنظرية التطور من مصادرها الأجنبية و يعيدون إنتاجها في محاولة للإيحاء بسقوط النظرية و كذبها ، بل لم نعدم ( كاتبا ) يتحدث عن أن نظرية التطور مجرد مؤامرة يهودية ضد الأديان السماوية !، نحن هنا أيضا أمام حيل واضحة لتجاوز التناقض المعرفي بين نظرية التطور و المعتقدات التراثية حول الخلق الخاص ، الأسلوب الأول هو (تقليل أهمية المعتقدات المناقضة) بتضخيم الإعتراضات التي يثيرها بعض العلماء ضد نظرية التطور ، و ترتيب نتائجا خاطئة على تلك الإعتراضات ، فنجد من يتحدث بثقة عن (سقوط نظرية التطور النجسة !) ، هناك أيضا اليلة الثانية وهي (إضافة المزيد من المعتقدات المتوافقة ) مثل صاحب نظرية القرد و التي اقتبسها مصطفى محمود كما هي دون ان يذكر مصدرها ، و لكن ما يثير التعجب بالفعل أن هناك من يلجأ للحيلة الثالثة (تعديل المعتقدات المتناقضة حتى تصبح غير متناقضة ) فيقر أصحاب هذا الإتجاه بنظرية التطور لأنها تخطت مرحلة النظرية لتكون أساسا لتطبيقات تكنولوجية عديدة ، و لكنهم يستثنون الإنسان من العملية التطورية ! .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 09-06-2009, 01:39 PM بواسطة بهجت.)
04-10-2009, 12:16 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-14-2009, 02:02 PM,
RE: أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 09-06-2009, 01:06 PM,
RE: أفكار في القمة . - بواسطة special - 09-06-2009, 07:57 PM,
RE: أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 09-08-2009, 02:27 PM,
RE: أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 09-09-2009, 02:05 PM,
RE: أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-06-2010, 05:37 PM,
RE: أفكار في القمة . - بواسطة هاله - 03-07-2010, 10:19 PM,
RE: أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-08-2010, 02:09 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة Serpico - 03-14-2009, 03:31 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة يجعله عامر - 03-14-2009, 04:18 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة AhmedTarek - 03-14-2009, 04:41 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة ugarit - 03-14-2009, 05:22 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهاء - 03-14-2009, 08:03 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة 4025 - 03-14-2009, 09:57 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة طنطاوي - 03-14-2009, 10:16 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة الحكيم الرائى - 03-14-2009, 11:05 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة explorerq - 03-15-2009, 02:01 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة ماجد الدومري - 03-15-2009, 05:07 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة Narina - 03-15-2009, 10:54 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-15-2009, 11:24 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-16-2009, 10:15 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بنى آدم - 03-16-2009, 09:30 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة special - 03-17-2009, 12:42 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-17-2009, 06:45 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة يجعله عامر - 03-19-2009, 04:57 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة عاشق الكلمه - 03-19-2009, 07:13 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة سهيل - 03-19-2009, 12:49 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة NADYA - 03-19-2009, 04:21 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة ابن نجد - 03-20-2009, 02:10 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-20-2009, 02:38 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة The Holy Man - 03-20-2009, 03:42 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-21-2009, 01:29 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة Narina - 03-21-2009, 01:38 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة fares - 03-22-2009, 02:10 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-22-2009, 05:26 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة حمزة الصمادي - 03-22-2009, 05:50 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة عاشق الكلمه - 03-22-2009, 05:51 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-22-2009, 09:06 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-23-2009, 08:45 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-25-2009, 01:08 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة حمزة الصمادي - 03-26-2009, 05:32 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-26-2009, 10:47 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-28-2009, 01:55 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 03-29-2009, 06:25 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-01-2009, 03:16 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-01-2009, 05:14 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-05-2009, 06:01 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-06-2009, 11:07 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة The Holy Man - 04-07-2009, 01:19 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-07-2009, 03:08 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-10-2009, 12:16 AM
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-13-2009, 07:49 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-21-2009, 04:10 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة يجعله عامر - 04-21-2009, 04:16 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 04-23-2009, 02:29 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة محارب النور - 04-25-2009, 09:16 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة The Holy Man - 04-26-2009, 03:49 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 05-01-2009, 12:43 AM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 05-02-2009, 05:32 PM,
أفكار في القمة . - بواسطة بهجت - 05-05-2009, 03:35 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  أفكار حرة 4025 14 4,607 11-17-2009, 11:19 AM
آخر رد: 4025
  القمة العربية وازمة " معمر القذافي". تمثال الحرية 10 2,929 04-01-2009, 02:19 PM
آخر رد: ماركيز
  لماذا أفشلت مصر والسعودية القمة rami111yousef 64 13,185 01-23-2009, 01:56 AM
آخر رد: rami111yousef
  مؤتمرات القمة... والواقع العربي لايبنتز 1 593 04-08-2008, 10:41 AM
آخر رد: لايبنتز
  ملاحظات أولية حول القمة العربية ابن سوريا 15 2,849 03-30-2008, 04:28 PM
آخر رد: أبو إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS