خطاب عيد الشرطة
فى هذا السياق لايمكن الفصل بين قضية التنظيم الإرهابى التابع لحزب الله، التى كشف عنها (أخيرا) النائب العام المصرى بعد أسابيع طويلة من التحقيقات غير المعلنة، وبين الغارتين اللتين تعرض لهما السودان فى نهاية يناير الماضى، وبين الهجمات التى تعرضت لها السفارات المصرية فى عديد من العواصم إبان حرب غزة، والتحريض المباشر لحسن نصرالله فى اليوم الثالث لانفجار أزمة غزة، والتهديد العلنى للرئيس المصرى بالاغتيال على لسان مجموعة إيرانية رصدت مليون دولار مكافأة لمن يقوم بذلك.. فى يناير الماضى، والحملات المكثفة والمتواصلة إعلاميا وسياسيا عبر قدر هائل من المنابر.. وبما فى ذلك من قوى عربية ومصرية. من جانبى، صحفيا، علمت بقضية التنظيم الإرهابى التابع لحزب الله فى حدود يوم 20 يناير الماضى، من مصدرين على الأقل، لكن مصادرى لم تكن راغبة فى الكشف عن تلك المعلومات فى حينها، لأسباب تخصها ويجب احترامها فى إطار تقاليد مهنية متبعة، غير أنى فى ضوء تلك المعلومات كنت قد بدأت فى التعرف على جوانب الصورة.. محاولا قراءة ما بين السطور فى تصريحات مختلفة لمسئولين وقيادات مصرية رأت فيما جرى من القوى العربية والإقليمية فى حرب غزة بأنه يستهدف مصر دون غيرها.. وأن القصد الأساسى هو إقصاء مصر من الساحة.. وتقويض دورها لعقدين على الأقل. وفى هذا السياق أتوقف أمام ما يلى من ملاحظات سجلتها فى حينه:
1- مجموعة خطابات الرئيس مبارك.. التى بدأت بكلمته فى مناسبة حلول العامين الهجرى والميلادى والمتزامنة مع اليوم الثانى لحرب غزة.. وصولا إلى خطابه فى القمة العربية الاقتصادية فى الكويت.. وفى أحدها وفى يوم 4 فبراير 2009 حللت ما قاله الرئيس تحت عنوان: (الرئيس يتحدث عن مؤامرة).. وفى ذلك الخطاب فى عيد الشرطة قال الرئيس بوضوح: (هل كانت مصر بدورها ومواقفها هى المستهدفة من البداية
).. وأضاف: (التساؤل تعززه المتابعة الدقيقة لتسلسل الأحداث قبل العدوان وخلاله وبعد توقفه).. وقال أيضا: هل كان الهدف النهائى هو ابتزاز مصر واستدراجها وتوريطها
2- فى ذات اليوم الذى تحدث فيه الرئيس أيضا عن استمرار خطر الإرهاب.. كان أن ألقى وزير الداخلية بكلمة توقفت فيها مليا أمام تلميح علقت عليه فى اليوم التالى متسائلا: (من يقصد العادلى.. وقد قال: (لامجال للتردد فى اتخاذ إجراءات صارمة فى مواجهة تلك البؤر والأنشطة ذات الخطورة الإجرامية، والتى لم تستوعب دروسا قاسية باعتقادها أن مناطق جبلية وصحراوية يمكن أن تصبح مأوى آمنا لنشاطها الإجرامى).
3- فى اليوم الرابع من الأزمة، تقريبا، وفى أنقرة، وفى ضوء الكلمة الأولى للرئيس، كان أن اعتبر وزير الخارجية أحمد أبوالغيط أن الحرب الدائرة هى حرب على مصر.. وهو الوصف الذى أصر عليه.. كتشخيص استراتيجى كرره فى مناسبات مختلفة فيما بعد.. وربما هى حرب لم تنته بعد. لقد كان واضحا من ملابسات ظاهرة، ومواقف معلنة، ومعلومات سرية من مختلف القنوات لدى المؤسسات المصرية، أن الموقف المعقد فى المنطقة يستهدف مصر باليقين الكامل، ولم يكن يمكن أن يمر على حصيف أو أى مسئول مصرى التحريض الذى تبناه حسن نصرالله فى خطاب علنى ضد مصر.. حين طالب ضباط الجيش بالتحرك.. ودعا المصريين إلى اقتحام معبر رفح.. بينما كانت الأجهزه المصرية مصرة على أن تتكتم ما لديها من مستمسكات مختلفة ومعلومات مؤكدة من بينها تنظيم حزب الله فى قلب مصر.. ولا أعتقد أنه آخر ما فى يد الدولة على سبيل التخمين.

تقارب الإخوان
قبيل التحريض العلنى عبر خطاب ألقاه الجبان حسن نصرالله - هذا توصيف وليس هجاء إذ كان يلقيه عن طريق شاشة دون أن يواجه جماهيرة المحتشدة - كان أن تعرضت السفارة المصرية فى بيروت فى اليوم التالى لرجم بالحجارة من عملاء لحزب الله كانوا يرفعون أعلامه، بينما تمنعهم من اقتحامها قوى الأمن وأسلاك شائكة.. ومن المدهش أن تغطية موضوعية ارتكبها مراسل قناة الجزيرة فى بيروت وقتها (عباس ناصر) لتلك الواقعة كانت من بين الأسباب التى أطاحت به فيما بعد. واقعة السفارة نفسها كانت قد تكررت من قبل فى طهران أمام بعثة رعاية المصالح المصرية أكثر من مرة، وفى دمشق، وفى الأردن، وفى بعض العواصم الأوروبية، ومن قبل قوى إما تابعة لإيران أو حركة حماس، أو ممالئة لهما.. خصوصا الإخوان المسلمين.. الذين شاركوا فى الحرب داخليا بأساليب مختلفة وخطاب منقول من كلام ملالى إيران وبما فى ذلك بعض تصريحات حسن نصر الله وخطبه وما قالته قيادات فى حماس.. ولم يكن غريبا فيما بعد أن تتفجر داخل الجماعة المحظورة تخريجات فقهية تدعو إلى التقارب مع الشيعة كما جاء على لسان مهدى عاكف ومن بعده على لسان يوسف ندا القيادى الإخوانى فى أوروبا.. وهو نوع من التشيع السياسى لا يختلف عن التشيع المذهبى الذى كان تنظيم حزب الله يتجه إليه فى مصر. لقد تبين فى التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة، أن ما قاله حسن نصر الله فى خطابه التحريضى إنما كان يمثل إشارة لخلايا التنظيم داخل مصر لكى تقوم بما كلفت به من مهام.. وقد قال بيان النائب العام تحديدا: (إن التحريات أكدت قيام الأمين العام لحزب الله اللبنانى بتكليف مسئول وحدة عمليات دول الطوق بالحزب بالإعداد لتنفيذ عمليات عدائية بالأراضى المصرية عقب انتهائه من إلقاء خطبته بمناسبة يوم عاشوراء والتى ستتضمن تحريض الشعب المصرى والقوات المسلحة المصرية على الخروج على النظام إلا أن ضبط المتهمين حال دون تنفيذ ذلك المخطط). ووفقا لما أظهرته التحقيقات، فإن نطاق عمليات التنظيم، كان يستهدف بالأساس قناة السويس.. حيث تم تأجير شقق على مجراها الملاحى لرصد سفن بعينها.. ورفع مخططات كروكيه للقرى والمدن الواقعة على الحدود المصرية وإرسالها إلى مسئولى العملية فى حزب الله تمهيدا بالطبع لتنفيذ عمليات إرهابية فيها.. ورصد المنشآت والقرى السياحية فى شمال وجنوب سيناء لهدف ليس بعيدا عن ذهن أحد. وليس من المدهش هنا أن تتلاقى أهداف حسن نصر الله زعيم عصابة حزب الله مع أهداف ليبرمان وزير خارجية إسرائيل المستجد.. حسن نصر الله كان يريد تخريبا فى قناة السويس وليبرمان يريد تخريبا فى السد العالى.. وكلاهما اتفق على استهداف سيناء.. اليهودى بالدعوة إلى احتلالها والشيعى بالتخطيط لتخريبها.. وكلاهما يعبر عن حالة حقد غير دفينة لبعض من أهم مقومات مصر ورموزها.
أوراق مصرية
أخيرا لا يمكن أن يكتمل هذا التحليل المطول بدون مجموعة من الملاحظات التى أحسب أنها تضع مزيدا من النقاط على كثير من الحروف:
1- التساؤل العابث المطروح من قبل المدافعين عن حزب الله فى مصر وخارجها هو.. لماذا لم تعلن مصر عن القبض على هذا التنظيم فى حينه.. وهو تساؤل ساذج وإن كان يستوجب تعليقا. فمن ناحية أمنية من حق الجهات المختصة أن تبقى أوراقها قيد الكتمان إلى أن تكتمل تحرياتها وتتأكد من أنها قد أسقطت جميع عناصر التنظيم واستحوذت على كل أبعاده وعلمت بكل مخططه.. خاصة أن أجهزة الأمن تتحسب دوما لما يعرف باسم الخلايا النائمة.. وقد كان ترتيب هذا التنظيم يقوم على تشكيل خلايا وفق هذا المنهج. ومن ناحية داخلية فإن من حق الدولة أن تختار توقيت الإعلان بحيث تكون رسالتها إلى الجمهور أنها تسيطر على الأمور تماما.. وألا يكون ذلك مصاحبا لمناخ من التوتر العام كان سائدا وقت عمليات حرب غزة.. وفى إطار الحفاظ على الاستقرار فى البلد. ومن ناحية ثالثة، سياسية، فإن توقيت الإعلان عن ذلك إبان حرب غزة كان سوف يدخل المنطقة فى جدل ضد المصلحة القومية التى كان يفترض أن يتوحد الجميع خلفها، رغم إدراكنا أن مصر كانت ولا تزال تتعرض لمؤامرة.. وكما قلت فى البداية فإن بعض المبررات تندرج تحت بند (مثاليات قومية).
2- أكتب هذا التحليل قبل أن أطلع على ما قاله حسن نصرالله مساء يوم الجمعة وبعد مثول هذا العدد للطبع، وليس من المستبعد أن يكون قد نفى الاتهامات، ووصف القضية بأنها ملفقة، وانتقد دور مصر، وحاول أن يداعب مشاعر المصريين محاولا كسب تعاطفهم من جديد.. ومن الادعاء بأن القضية مقصود بها التدخل لصالح تيار بعينه فى الانتخابات اللبنانية المقبلة على حساب حزب الله. وفى التعليق على هذه الافتراضات التى قرأت بوادرها فى أصداء مختلفة لحزب الله داخل وخارج مصر.. أشير إلى أن حزب الله قد ارتكب من الخطايا داخل لبنان ما يكفى ألا يحقق أى مكسب إضافى فى الانتخابات المقبلة.. ومصر ليست فى حاجة إلى هذا التدخل الذى فى نهاية الأمر يقول أنه قد تمكن من تجنيد نحو خمسين شخصا.. والأهم أنه هو- أى الجبان - الذى قاد إلى نفسه بخطابه التحريضى الأشهر.. والأكثر أهمية أن حزب الله كان قد تورط من قبل أشهر فى تدريب عناصر بحرينية فى سوريا.. وليست الواقعة ببعيدة عن الأذهان. أى انتخابات تلك التى يمكن أن تؤثر فيها مصر، إذا كان كل الناخبين اللبنانيين يذكرون جيدا ما تسبب فيه حسن نصر الله وعصابة حزبه فى لبنان خلال حرب يوليو 2006 وما تلى ذلك
وغنى عن القول أن حزب الله الذى سيكون قد قال زعيم عصابته أنه حركة مقاومة وما شابه، قد حفل سجله بمزيد من عمليات الإجرام المختلفة، وقد نشرت «روزاليوسف» قبل أسابيع عن تورط مباشر لعناصره فى تهريب المخدرات عبر دول أفريقية، ويمكن الرجوع فى هذا السياق أيضا إلى مقال كتبه ماثيو ليفت يوم 22مارس الماضى تحت عنوان (حزب الله جماعة إسلامية قائمة على تجارة المخدرات).. حيث توجد أدلة على تورطه فى مسار الإتجار الفاسد من البرازيل والأرجنتين وباراجواى عبر مسارات أفريقية إلى أوروبا.
3- فى كل الأحوال نحن أمام مخطط متراكم ومتنوع الاتجاهات والمقاصد والآليات يعود كله إلى إيران.. وأربابها.. ويندرج تحت هذا تهريب السلاح من السودان.. والإيعاز إلى حركة حماس بعدم تجديد الهدنة مما أدى إلى حرب غزة.. وصولا إلى تنظيم من هذا النوع المدمر.. وهى حقائق تلجم كل من يقول أنه يمكن فتح قنوات للحوار مع إيران أو التواصل معها.. باعتبارها دولة شقيقة إسلامية فى حين أنها دولة متآمرة تقصد تدمير مصر سياسيا وأمنيا.. وفى هذ السياق يوجد سجل حافل لإيران ضد الدول العربية يتكشف بالتوالى (عملية البحرين - عمليات التشيع فى المغرب - تحريض الشيعة فى السعودية - تهريب الأسلحة إلى السودان - قضية تجسس فى اليمن... إلخ).
4- هناك مشكلة لدى الإخوة الكتاب والمعلقين الذين يأخذون منحى معارضا ضد الدولة فى أى شىء.. حتى لو اقتضى ذلك أن يتعاطفوا مع خصوم البلد.. وهى أنهم لا يميزون فى خطابهم ما بين المصلحة القومية العربية التى تحرص عليها مصر تماما.. وبين المصلحة الوطنية المصرية والأمن القومى المصرى.. إن الأولى لا تبدأ إلا حين تتحقق الثانية.. وفى ذلك قال الرئيس مبارك وكرر (مصر أولا).. وقد قال وزير الخارجية أحمد أبوالغيط فى حوار لم يذع كاملا على قناة المحور قبل ما يزيد على أسبوع: (إننا مصريون أولا ولا يجب أن ننسى أن علينا الدفاع عن التراب والسيادة المصرية وتأمينها).أقول هذا بمناسبة ما ألمحه فى تغطيات وتعليقات بدأت تأخذ منحى غريبا بالأمس فى بعض الصحف، نقلا عن صحف ومصادر لها علاقة بحزب الله، وأشير فى ذلك بالأساس إلى تغطيات جرائد الشروق والمصرى اليوم والدستور.. فيما بدا أنه نقل عن جريدتى (الأخبار اللبنانية - الناطقة بلسان حزب الله - وجريدة القدس العربى). 5- لا أعتقد أن بقية حرب غزة قد اكتملت.. ولا أظن أن توابع زلزالها قد خفت.. بل إن هناك الكثير من التوالى.. وربما كان الكشف المنتظر يتعلق بخلاف مصر مع إحدى الدول.. فهل تكشف القاهرة ما لديها وما يجعلها تصر على موقفها من تلك الدولة.. العربية الشقيقة للأسف

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	الفرق بين إسرائيل وحماس بكل وضوح	فارس اللواء	56	4,461	08-08-2014, 11:36 AM آخر رد: ابن فلسطين
	كاهن كنيسة يافا "كفى لارهاب داعش وحماس"	برهان البرهان	9	601	08-04-2014, 12:09 AM آخر رد: خالد
	كيف تستخدم وسائط التواصل الاجتماعي للتلاعب بالرأي العام و...	رحمة العاملي	0	297	05-14-2014, 12:28 PM آخر رد: رحمة العاملي
	حوار شامل مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله	رحمة العاملي	4	519	04-09-2014, 03:15 PM آخر رد: observer
	جهل النائب العام المصرى بالقانون الدولى فى اعتقال أمير قطر	رضا البطاوى	6	1,220	10-02-2013, 09:32 PM آخر رد: فارس اللواء