مصر وحزب الله: مواجهة تقفز فوق الحدود
عماد مرمل
عندما تجتمع كل أزمات المنطقة في... سامي شهاب!
مصر وحزب الله: مواجهة تقفز فوق الحدود
عماد مرمل - السفير

أغلب الظن، ان الكثير من تراكمات الملفات الاقليمية المعقّدة سيلقى دفعة واحدة على عاتق الموقوف لدى السلطات المصرية، والمنتمي الى حزب الله، سامي شهاب الذي جعلته الاقدار السياسية يختزل في لحظة كل أزمات المنطقة، من التوتر الشديد بين حزب الله والقيادة المصرية الى العلاقة المستعصية بين دمشق وطهران من جهة والقاهرة من جهة أخرى.
وبهذا المعنى، أصبح واضحا ان الحجم الذي اتخذته قضية شهاب تعدت ما تحتمله في مضمونها «الجنائي» الحقيقي، لتكتسب أبعادا واسعة النطاق، بعدما جرى الاستثمار السياسي لعملية التوقيف حتى أقصى الحدود المتاحة، لاسيما إذا كان الصراع بين مصر وخصومها في المنطقة قد بلغ في حرارته درجة مرتفعة جدا، تجاوزت او تكاد الخطوط الحمر، وبالتالي فان القاهرة ما كانت لترفض بطبيعة الحال هدية وقوع شهاب بين يديها، مع ما يتيحه لها ذلك من تسجيل نقاط على «الفريق الآخر».
وبناء عليه، فان القاهرة التي شعرت في الاشهر السابقة بانها وُضعت في «موقع دفاعي» على خلفية موقفها من العدوان الاسرائيلي على غزة، وجدت في قضية «خلية» حزب الله الموقوفة فرصة ذهبية لالتقاط الانفاس وشن «هجوم مضاد» على أكثر من جبهة، مفترضة انها تستطيع ان تصيب بحجر واحد عصافير عدة تحلق في أجوائها الاقليمية.
ويمكن القول في هذا الاطار، ان تركيز القاهرة على مقاربة ملف توقيف شهاب ورفاقه من زاوية رفض المساس بالسيادة الوطنية والامن القومي، إنما نجح في ملامسة شريحة من المصريين وكسب تعاطفهم، خصوصا انه يبدو ان مبدأ استخدام الاراضي المصرية لنقل السلاح والافراد الى قطاع غزة قد وجد من يرفضه، ليس فقط داخل النظام وإنما خارجه ممن يعارضوه ايضا، استنادا الى أسباب قانونية وسيادية، يرى أنصارها ان الاولوية تبقى لها حتى لو كان الهدف من اختراق الحدود هو هدف نبيل يتصل بدعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة الحصار الجائر المفروض على غزة منذ سنوات.
ولو ان القيادة المصرية اكتفت بوضع القضية ضمن هذا الحد القانوني، لكانت قد كسبت من المصداقية أكثر مما حصدته عندما ذهبت بعيدا في الاستنتاجات والاتهامات التي حوّلت شهاب من همزة وصل بين غزة المحاصرة والعالم الخارجي الى مبشّر بالمذهب الشيعي ومحرّض على النظام، لا ينقصه سوى الاعلان عن البلاغ رقم واحد.
هنا، أدت المبالغة الى مفعول عكسي، وأتاحت لحزب الله، بقليل من الجهد والمنطق، ان يثبت ان لا مصلحة له ـ وليس فقط لا رغبة لديه ـ في فتح مواجهات جانبية مع الانظمة العربية تشغله عن الصراع المركزي او في نشر المذهب الشيعي وهو الذي يفعل الممكن والمستحيل لدعم حركة حماس السنية «الاصولية» التي يوجد بين قيادييها شخصيات معروفة بتشددها في المجال الفقهي، ولا يمكن المزاح معها في مسألة الترويج للتشيع، حتى لو كان «الوسيط» هو حزب الله الحليف.
وهناك من يدعو في هذا الاطار الى التمعن مليا في الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله، والذي تضمن لغة غير مألوفة كثيرا في ادبيات الحزب، لجهة تأكيد رفض العمل في أي ساحة خارج دائرة الصراع مع إسرائيل، أيا يكن العنوان البديل، وإشارته الى ضرورة عدم تحميل لبنان أكثر مما يحتمل، ما دفع النائب وليد جنبلاط الى ملاحظة شيء من إعادة التموضع في سلوك الحزب.
ولكن المفارقة التي يجدر التوقف عندها في سياق السجال الحاصل حاليا، ان الكثيرين في لبنان وخارجه، ممن يأخذون على حزب الله الآن انه تجاوز الاصول وانتهك السيادة المصرية من أجل إيصال المساعدة الى المقاومة الفلسطينية، هم أنفسهم انتقدوا الحزب خلال العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة بسبب اكتفائه بمؤازرة الفلسطينيين كلاميا وخطابيا في حين ان المنتظر منه، كما كانوا يقولون، دعما من نوع آخر قياسا الى حجمه ودوره. والمفارقة ان هؤلاء كانوا اول مطلقي النار على الحزب عندما جرى الكشف عن مساهمته الميدانية في نقل المعدات والاشخاص الى غزة عبر الحدود المصرية ـ الفلسطينية.
ويعتبر مقربون من حزب الله ان التدقيق في طبيعة عمل شهاب يُبين ان ما كان يقوم به لا يتعرض فعليا للسيادة الوطنية على الاراضي المصرية، لان جهده الامني لم يتعرض لأي هدف داخلي يتعلق بالنظام او غيره، بل كان منصبا على كيفية مساعدة غزة العالقة بين فكي كماشة، والحدود المصرية كانت مجرد ممر تقني لتأدية هذه المهمة الهادفة الى خدمة قضية عادلة ومشروعة، علما ان أصل المشكلة يعود الى كون معبر رفح مقفلا او مفتوحا «نصف فتحة»، ولو انه مشرّع امام الفلسطينيين من دون شروط، لما وجد حزب الله نفسه مضطرا الى مساعدتهم بهذه الطريقة، اما لماذا تهريب السلاح عبر الحدود المصرية تحديدا وليس عبر الحدود السورية او الاردنية او اللبنانية، فلأن قطاع غزة وبكل بساطة يقع جغرافيا بمحاذاة مصر.
وبما ان القيادة المصرية اندفعت نحو «تضخيم» ملف شهاب، فان ذلك يحرض حسب المقربين من الحزب، على افتراض الخلفيات الآتية:
التزام القاهرة بتنفيذ ما سبق ان تعهدت به خلال المؤتمر الدولي ـ الاوروبي في شرم الشيخ، من حيث مكافة تهريب السلاح الى غزة وتفكيك الخلايا التي تؤدي هذا الدور.
إمتصاص التأييد الشعبي للسيد نصر الله في الشارع المصري والذي بلغ أوجّه بعد حرب تموز، الامر الذي شكّل إحراجا للقيادة المصرية ولاستراتيجيتها السياسية القائمة على خيار التفاوض والسلام في مواجهة خيار المقاومة والممانعة.
محاولة قطع الطريق امام الانفتاح الغربي على حزب الله، بعدما قررت بريطانيا معاودة الاتصال به، وإيصال رسالة الى صانعي القرار في الاوساط الاوروبية والاميركية بان أي إنفتاح يجب ان يُضبط على إيقاع مصالح القاهرة التي تشعر بالضيق وهي تراقب تجاوزها من خلال التقارب الغربي مع سوريا وإيران وكسر الجليد مع حزب الله ولاحقا حركة حماس.
تحديد دفتر شروط للتفاوض مع طهران وحزب الله، على قاعدة المطالب المصرية.
يبقى، ان حزب الله وبرغم شراسة المواجهة الحالية بينه وبين النظام المصري، يعتقد ان نبض الشارع العربي التقط الحقيقة، وهذا الاهم بالنسبة اليه.

http://www.lebanonfiles.com/makalat_desc.php?id=2903