الأخ العزيز فستق:

معك حق هناك تناقضات في داخلي ولا أنكرها. هي صراعات في داخلي. وكل ما يجول بداخلي أكتبه. أفكار. لك مطلق الحرية أن تناقضها ولكن أتمنى أن تقرأ ما وراء هذه الأفكار من حسّ وقلب وتضع في الحسبان أني لست كمبيوتر أفكار تجريدية جامدة بل أبحث عن أفضل الحلول الممكنة. أقف أمام جميع النصوص وأضع علامات استفهام مثل التي تفضلت وذكرت في الاقتباس الأول. هنا أنت أمام إبراهيم المتسائل. ثم يأتيك إبراهيم آخر وقلبه ينبض بالشوق لميراثه وأهله وثقافته ويقول لنفسه: دعنا نتجاوز المأزق. دعنا نصطلح مع ماضينا ولا نفصمه عن حاضرنا. مما لا أتذبذب فيه هو أني مؤمن بالله كأي إنسان يعرف الله ويناجيه بصرف النظر عن اعتقاده. وعليه عندما أقف أمام نصوص تتعبني وينهكني التفكير فيها فجلّ ما يهمني هو البحث عن حلول تفتدي الأزمة بما أن هدف الدين براغماتي لا نصوص تجريدية جامدة؛ وعندها أبحث عن قراءة عملية تطبيقية.

عقلي يقول: كيف لمحمد أن يقوم بالتطهير العربي في جزيرة العرب لفلان وعلان وكيف يقوم موسى بقتل أبناء جلدته على أثر عبادة العجل الذهبي وكيف يأتي المسيح ونقرأ في الإنجيل إنه يقول في الدينونة الأخيرة هاتوا أعدائي واذبحوهم قدامي إلخ وفي الوقت ذاته أعلم أن الإسلام هو واقعنا واليهودية واقعنا والمسيحية واقعنا والدين هو للحاضر والهدف هو براغماتي بما أنه يقع في إطار الإيمان. ما حدث في الماضي قد حدث ونحن اليوم أبناء الحاضر. كيف نقرأ الحاضر؟ وما هي رؤانا للمستقبل؟ اعتبرني شخص له رؤية لمجتمعه ويحب مجتمعه ويريد أن يبنيه بالمعطيات الموجودة فيه. ماذا يفيدني مجابهة حقائق تجريدية وحياتي من الداخل كلها فراغ وقتام؟ بماذا تفيدني تجريدية الأفكار؟ قد لا تكون أنت مطبوع على الإيمان وطريقك العقل المحض ولكن غيرك مطبوع طبع كامل على الإيمان ولا يمكن أن يخطو خطوة واحدة في الحياة بدون هذا الإيمان. لماذا نصر على أن هناك طريق واحد مثلما يفعل غيرنا من أصحاب الرؤية الأحادية؟! لماذا لا نكبر نحن كذلك في عقولنا وأيضا في قلوبنا ونرى الأمر من وجوه عديدة؟ وهل كانت فلسفة الحكمة الخالدة Philosophia Perrenis متناقضة يضارب بعضها بعض؟!

اعتبرها رغبة مني في رؤية الوجود بعيون الكون وأني في هذا الكون وأن هذا الكون قد تصوّر في داخلي وأتوق له أن يتصور أكثر وأكثر. هذا ليس بوليد اللحظة بل كثيراً ما حققه فلاسفة العصور الوسطى وغيرهم.

وشكراً على السؤال والصراحة.