إعداد وترجمة أنديرا مطر

هل أصبحت المياه السلعة الأغلى ثمناً‮ ‬من النفط والغاز؟ وهل سيأخذ الذهب الأزرق في‮ ‬القرن الواحد والعشرين مكانة الذهب الأسود في‮ ‬القرن الماضي؟ والسؤال الأخطر ربما،‮ ‬هل تحولت المياه إلى سلاح إضافي‮ ‬في‮ ‬صراع الشرق الأوسط؟ سيّما وأن العديد من الخبراء والمطلعين على الشؤون السياسية،‮ ‬كما معظم الدراسات الحديثة،‮ ‬يؤكدون أن الصراعات في‮ ‬العالم والشرق الأوسط لن تقوم بعد اليوم لأسباب إيديولوجية أو سياسية وإنما ستكون المياه والسيطرة على مصادرها من أهم أسبابها‮.‬
جورج فرنسوا دريفوس،‮ ‬أستاذ الدراسات الأوروبية في‮ ‬جامعة باريس‮ (‬4‮) ‬والمدير الأسبق لمعهد الدراسات السياسية في‮ ‬ستراسبورغ،‮ ‬يتناول في‮ ‬هذه الدراسة أزمة المياه في‮ ‬المنطقة،‮ ‬محدداً‮ ‬الدول الغنية بالمياه،‮ ‬وتأثير هذا العامل في‮ ‬تحديد سياساتها وستراتيجياتها‮.‬
‮»‬عندما نفكر بالشرق الأوسط،‮ ‬نفكر بالنفط والغاز والهيدروكاربور وخطوط الأنابيب وننسى على الدوام مسألة المياه‮. ‬في‮ ‬حين أن المياه تشكل،‮ ‬بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط،‮ ‬ثروة ستراتيجية لا بد منها بالنسبة للسكان الذين‮ ‬يتزايد عددهم بإيقاع كبير وأيضاً‮ ‬بالنسبة لري‮ ‬الأراضي‮ ‬القاحلة والفقيرة‮ ‬غالباً‮. ‬صحيح أنها مشكلة عالمية ولكن في‮ ‬منطقة جافة كمنطقة الشرق الأوسط تصبح مشكلة خطيرة فعلاً‮«.‬

الشرق الأوسط

نقصد بالشرق الأوسط المنطقة الممتدة من اسطنبول إلى الحدود العراقية‮ - ‬الإيرانية من الشرق إلى الغرب،‮ ‬ومن البحر الأسود إلى قناة السويس من الشمال إلى الجنوب،‮ ‬أو بمعنى آخر الدول التالية‮: ‬تركيا،‮ ‬وعلى وجه الخصوص تركيا الشرقية والعراق وسورية ولبنان وإسرائيل والضفة الغربية والأردن‮. ‬مناخ هذه المنطقة متوسطي‮ ‬ومعتدل،‮ ‬تساقط المطر‮ ‬يتراوح بين‮ ‬600‮ ‬و700‮ ‬ملم سنوياً‮: ‬في‮ ‬المنطقة شبه الصحراوية كسورية بين دجلة والفرات،‮ ‬أو كالعراق،‮ ‬معدل المطر‮ ‬يتراوح من‮ ‬100‮ ‬إلى‮ ‬200ملم سنوياً‮. ‬في‮ ‬منطقة الجزيرة،‮ ‬أما في‮ ‬الشمال حول الموصل فيبلغ‮ ‬400‮ ‬ملم سنوياً‮ ‬في‮ ‬حين أن مناطق توروس الجبلية في‮ ‬تركيا وجبال الأنصارية في‮ ‬سورية وجبال لبنان والجولان والجليل الأعلى تتلقى ما بين‮ ‬1‮ ‬و‮ ‬3‮ ‬متر من المياه سنوياً‮ ‬والسهول الساحلية لا أقل من‮ ‬500‮ ‬ملم سنوياً‮. ‬الشح في‮ ‬نسبة المطر وخطورة الوضع بالنسبة للمناطق الصالحة للزراعة تم التعويض عنهما بمياه الأنهار التي‮ ‬تنبع من المناطق الجبلية‮.‬

أزمة المياه في‮ ‬تركيا

تركيا هي‮ ‬خزان المياه الحقيقي‮ ‬في‮ ‬الشرق الأوسط‮. ‬إذ تمتلك ثروات مائية هائلة بوجود سلسلة جبال طوروس التي‮ ‬يبلغ‮ ‬طولها‮ ‬1000‮ ‬كيلو متر وتغطيها الثلوج الكثيفة طيلة فصل الشتاء؛ إضافة إلى وجود أنهار كبيرة تقع أحواضها بالكامل داخل الحدود التركية في‮ ‬منطقة الأناضول‮. ‬وهي‮ ‬منبع نهرَيْ‮ ‬دجلة والفرات اللذين‮ ‬يرويان تركيا بجنوبها وجنوب شرقها وكذلك سورية والعراق أيضا‮. ‬لسنوات طويلة،‮ ‬ومنذ بدايات العصور الوسطى لم‮ ‬يُعمل على تطوير هذه الأنهار،‮ ‬لا في‮ ‬أيام الامبراطورية العثمانية ولا مع بزوغ‮ ‬الجمهورية التركية‮. ‬وفجأة أضحت هذه المنطقة أساسية وتقرر بناء السدود عليها وبدأ العمل على ترويض الأنهار عبر سدود ستلعب دوراً‮ ‬ثلاثي‮ ‬الأبعاد‮: ‬
‮- ‬التغذية بالطاقة الكهربائية‮ ‬غير الملوثة‮.‬
‮- ‬الري‮: ‬25٪‮ ‬من الأراضي‮ ‬الصالحة للزراعة‮ .‬
‮- ‬تنظيم تدفق الانهار‮.‬
يشار إلى أنه في‮ ‬سياق الحديث عن إرشاد وتخطيط المياه في‮ ‬تركيا نتناسى تبعاته الدولية‮. ‬فمقابل قدرة تركيا على التحكم بمياه نهر الفرات تتراجع الواردات المائية لسورية والعراق من جراء انخفاض منسوب النهر‮ ‬،‮ ‬ما سيتسبب بمشاكل كبيرة للزراعات في‮ ‬هاتين الدولتين في‮ ‬المستقبل‮.‬
تستند سياسة تركيا المائية على مشروع الأناضول الضخم GAP ‮ (‬مشروع إحياء منطقة جنوب شرق الأناضول‮) ‬ويتكون المشروع من‮ ‬22‮ ‬سداً‮ ‬ضخماً‮ ‬اهمها سد أتاتورك،‮ ‬ومشروع تخزيني‮ ‬ومحطات طاقة كهربائية على مساحة تبلغ‮ ‬حوالى‮ ‬75000‮ ‬كيلومتر مربّع‮. ‬وعند اكتمال هذا المشروع ستتمكن تركيا من التحكم بحوالى‮ ‬80٪‮ ‬من مياه نهر الفرات‮.‬
كل ذلك نتج عنه حالة نزاعية‮ ‬،‮ ‬لدرجة أنه بمجرد الشروع في‮ ‬بناء سد على الفرات في‮ ‬السبعينات،‮ ‬لاح في‮ ‬الأفق نزاع بين تركيا وبعض الدول العربية،‮ ‬ذللته وساطة المملكة العربية السعودية عبر إيجاد تسوية مقبولة نسبياً‮ ‬من جميع الأطراف‮.‬
غني‮ ‬عن القول إن الأزمة العراقية وعزلة سورية الديبلوماسية تشجعان المخططات التركية في‮ ‬ظل الظروف الراهنة‮.‬
وتتخذ هذه المشكلة أبعاداً‮ ‬خطيرة بسبب النمو السكاني‮ ‬في‮ ‬هذه البلدان،‮ ‬بحيث سيرتفع عدد السكان في‮ ‬سورية من‮ ‬20‮ ‬إلى‮ ‬28‮ ‬مليون نسمة وفي‮ ‬العراق من‮ ‬29‮ ‬إلى‮ ‬36‮ ‬مليون بحلول العام‮ ‬2025‮ ‬وستزيد احتياجات الزراعة إلى المياه بنحو‮ ‬30٪‮.‬
لكن مشكلة المياه الأهم تكمن بين المتوسط وحوض نهر الأردن في‮ ‬المنطقة الفلسطينية،‮ ‬من دون أن نغفل مثلث دمشق‮ - ‬بيروت‮ - ‬تل أبيب،‮ ‬علماً‮ ‬أنه من أحد أسباب النزاع السوري‮ ‬اللبناني‮ ‬أيضاً‮. ‬صحيح أن سورية،‮ ‬قبل خريف‮ ‬2008‮ ‬لم تعترف بلبنان كدولة مستقلة‮ »‬تلك الدولة المصطنعة التي‮ ‬أقامتها فرنسا بين‮ ‬1920‮ ‬و‮ ‬1922‮« ‬إلا أن أطماع سورية بلبنان لها أسباب اقتصادية‮. ‬إذ أن منطقة اللاذقية لا تقدم الخدمات المرفئية التي‮ ‬تقدمها بيروت‮. ‬يضاف إلى ذلك مشكلة المياه‮. ‬فلبنان هو خزان المياه،‮ ‬الذي‮ ‬سيعوض استخدامه خسائر سورية بعد احتلال إسرائيل للجولان‮.‬

إسرائيل والمياه

أدرك قادة الحركة الصهيونية منذ وقت مبكر أهمية المياه لإنشاء دولتهم في‮ ‬فلسطين وبعد مجموعة من الدراسات توصلوا إلى نتيجة مهمة وهي‮ ‬أن مياه نهر الأردن لا تكفي‮ ‬حاجات إسرائيل من المياه على المدى البعيد‮. ‬لذا كانت مشكلة المياه دائماً‮ ‬مصدر قلق للصهاينة،‮ ‬ثمّ‮ ‬للإسرائيليين‮. ‬ومنذ‮ ‬1919‮ ‬تطالب المنظمة الصهيونية العالمية بدولة عبرية قائمة على معايير تاريخية ودينية وكذلك مائية وتطالب بوادي‮ ‬نهر الليطاني‮ ‬والجولان ووادي‮ ‬اليرموك والضفة اليمنى لنهر الأردن‮.‬
بالتأكيد تلعب المياه دوراً،‮ ‬يتم تجاهله إلى حد كبير،‮ ‬في‮ ‬القضية الفلسطينية‮. ‬حيث أن حاجة الزراعات الإسرائيلية إلى المياه هي‮ ‬أكبر بكثير من حاجة الزراعات العربية وتشير الأرقام إلى الاستهلاك المفرط لقطاع الزراعة الإسرائيلي‮ ‬لحوالى‮ ‬65٪‮ ‬من احتياطي‮ ‬البلد المائي‮ ‬على الرغم من أن القطاع الزراعي‮ ‬لا‮ ‬يمثل سوى‮ ‬3٪‮ ‬من إجمالي‮ ‬الناتج الداخلي‮ ‬مقارنة مع‮ ‬33٪‮ ‬بالنسبة للفلسطينيين‮.‬
منذ العام‮ ‬1948‮ ‬شكلت المياه عاملاً‮ ‬رئيساً‮ ‬في‮ ‬الصراعات بين إسرائيل والعرب وفي‮ ‬كل مرة كان الصراع‮ ‬يأخذ شكل مشروعات ومشروعات مضادة،‮ ‬علماً‮ ‬أنه في‮ ‬عام‮ ‬1953‮ ‬اقترح اريك جونسون،‮ ‬أحد مستشاري‮ ‬الرئيس الأميركي‮ ‬أيزنهاور،‮ ‬خطة لتقاسم المياه في‮ ‬المنطقة على الشكل التالي‮:‬
‮(‬ألف متر مكعب من المياه سنوياً‮) ‬
إسرائيل‮: ‬466
الأردن‮: ‬480
لبنان‮: ‬35
سورية‮: ‬132
لكن عبد الناصر رفض مشروع جونسون باعتباره سيكون اعترافاً‮ ‬بالأمر الواقع بدولة إسرائيل‮.‬
ومنذ ذلك الحين،‮ ‬سعى العرب للسيطرة على كل منابع المياه‮. ‬لكن الطائرات الإسرائيلية مهدت لحرب الأيام الستة بغارات استهدفت تدمير المنشآت العربية على المجرى الأعلى لنهر الأردن،‮ ‬وسدِّ‮ ‬خالد بن الوليد على نهر اليرموك،‮ ‬بعدما كان السوريون والأردنيون أنجزوا القسم الأول منه وأدت الحرب إلى وضع الجولان تحت الاحتلال،‮ ‬لم‮ ‬يعد لسورية منفذ إلى نهر الأردن وأمنت إسرائيل سيطرتها على الضفة الغربية‮. ‬
‮ ‬منذ احتلال عام‮ ‬1967‮ ‬سيطرت إسرائيل بالكامل على مصادر المياه في‮ ‬الضفة الغربية وقطاع‮ ‬غزة‮. ‬وتعتبر إسرائيل المخزون المائي‮ ‬في‮ ‬الضفة الغربية خزاناً‮ ‬ستراتيجياً‮ ‬لا‮ ‬يمكن الاستغناء عنه‮. ‬
في‮ ‬الواقع نحن أبعد ما نكون عن عملية تقاسم للمياه اذ أن الوضع‮ ‬يتسم بالخصوصية نظراً‮ ‬لعملية الاحتلال على الرغم من أن هذا الاحتلال تحكمه قوانين ومعاهدات دولية إلا أنها لا تتخذ أبعادها إلا بقدر ما تعترف به إسرائيل‮. ‬

خزانات المياه

تحتوي‮ ‬منطقة الشرق الأوسط على ثلاث خزانات للمياه هي‮ : ‬تركيا،‮ ‬لبنان والجولان‮. ‬وهي‮ ‬تمثل عناصر رئيسة في‮ ‬سياسة الشرق الأوسط في‮ ‬الوقت الحاضر‮.‬
فخزان المياه التركي‮ ‬تستخدمه تركيا كوسيلة ضغط على سورية والعراق‮. ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬اليوم،‮ ‬هناك الأزمة الكردية،‮ ‬وخزان المياه هذا هو وسيلة لنزع فتيل إقامة دولة كردية‮.‬
أما خزان المياه اللبناني‮ ‬فيثير مشكلات كبيرة حيث‮ ‬يشكل إحدى أسس العلاقات بين لبنان وسورية في‮ ‬الوقت الحالي‮.‬
أخيراً،‮ ‬هناك المشكلة الفلسطينية‮: ‬لا‮ ‬يتمتع الجولان بأي‮ ‬أهمية ستراتيجية بالنسبة للإسرائيليين والجيش الإسرائيلي‮ ‬لكن أهميته تكمن في‮ ‬ثروته المائية‮. ‬إضافة إلى مشكلة المياه الجوفية في‮ ‬الضفة الغربية التي‮ ‬تريد إسرائيل السيطرة عليها‮.‬

المياه الجوفية والمشكلة الفلسطينية

يوجد في‮ ‬المنطقة الفلسطينية طبقتان كبيرتان للمياه الجوفية،‮ ‬تمتد إحداهما على القسم الأكبر من الضفة الغربية‮. ‬يذهب إلى شمال إسرائيل‮ ‬35٪‮ ‬والسهل الساحلي‮ ‬30٪‮ ‬ويبقى فقط‮ ‬35٪‮ ‬تذهب نحو شرق الضفة ونهر الأردن‮. ‬من الضروري‮ ‬إذن لإسرائيل أن تسيطر على استخدامها‮. ‬علينا أن نضع هذا دائماً‮ ‬نصب أعيننا لا سيما عندما ندرس تطور وضع المياه العذبة المكررة‮: ‬‮(‬انظر الجدول‮) :‬
في‮ ‬بداية القرن العشرين،‮ ‬بلغ‮ ‬استهلاك إسرائيل للفرد‮ ‬357‮ ‬متراً‮ ‬مكعباً‮ ‬مقابل‮ ‬160‮ ‬للفلسطينيين‮. ‬في‮ ‬الوقت الحالي‮ ‬تؤمن المياه المكررة والمياه الجوفية نوعاً‮ ‬من التوازن‮. ‬لكن ما الذي‮ ‬سيحصل بعد عشرين عاماً‮ ‬عندما سيتجاوز عدد السكان‮ (‬7‮ ‬ملايين في‮ ‬2005‮) ‬الـ10‮ ‬ملايين‮. ‬وبالتالي‮ ‬ما هي‮ ‬خطط إسرائيل للتغذية بالمياه؟
إحدى هذه الخطط هي‮ ‬استيراد المياه من تركيا بواسطة حاويات‮ - ‬صهاريج‮ (‬300‮ ‬مليون متر مكعب‮).‬
الحل الآخر قد‮ ‬يكون بناء معامل لتحلية مياه البحر لكن هذا الحل‮ ‬يتطلب طاقة كبيرة لعمليات من هذا النوع،‮ ‬فإسرائيل ليست أبو ظبي‮ ‬ولا تمتلك الكثير من موارد الطاقة‮.‬
الحل الأخير هو بناء قناة البحر الأحمر‮ - ‬البحر الميت أو ما اصطلح على تسميتها قناة البحرين والذي‮ ‬يثير بدوره بعض المشكلات المعقدة‮: ‬من سيدفع وكيف لبناء هذه القناة الهادفة لإنتاج الطاقة الكهرمائية؟ وبكل الأحوال،‮ ‬يقتضي‮ ‬ذلك قيام اتفاق دولي‮ ‬بين إسرائيل والأردن ومصر والدولة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية‮. ‬وهذا لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحدث إلا بوجود سلام دائم في‮ ‬الشرق الأوسط‮: ‬فهل تكون هذه القناة عاملاً‮ ‬في‮ ‬عودة حقيقية إلى السلام؟
المحرر العربي.
‮

:Asmurf:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	سيارة تعمل بالهواء / الماء	الفكر الحر	1	1,409	05-23-2012, 09:43 AM آخر رد: الفكر الحر
	ومن الماء كل شئ حي	طريف سردست	4	1,946	03-27-2007, 01:47 PM آخر رد: نبيل حاجي نائف
	الماء الذهب الأزرق	Relative	1	979	05-03-2006, 03:54 PM آخر رد: Relative