حزب الله بين سوريا وإيران
يتميز الوضع اللبناني السياسي والاجتماعي والطائفي بأنه وضع معقد للغاية ... وطبيعة تعقيده متأتية من أنه بلد صغير يقع في عين العاصفة عاصفة الصراع الإقليمي العربي الاسرائيلي الممثل حالياً بالسوري الإسرائيلي كون العرب استقالوا من الصراع شكلاً ومضمونا ... فبينما سوريا استقالت في الشكل من هذا الصراع وبقيت مضموناً نتيجة الظروف والاعتبارات الدولية التي تغيرت وفرضت عليها الازدواجية في الطرح ... حرب ظاهرة إعلامية باتجاه السلام ... وحرب إرادات خفية غير مباشرة مع إسرائيل تخوضها يومياً ... وربما المواطن العربي العادي لا يعلم مدى الثمن الذي تدفعه سوريا والمواطن السوري في هذه المواجهة يومياً ... وهذا الثمن حصار اقتصادي من قبل الولايات المتحدة قليلون يذكرونه وحصار تقني وعسكري ... إلخ
المهم لقد بقي لبنان عبر عشرات السنين الماضية ملتقى الصراعات الإقليمية والتفاهمات بحكم أنه بلد مفتوح على الجميع نتيجة توازناته الداخلية الطائفية الدقيقة ولو عدنا إلى التاريخ اللبناني الحديث لرأينا بوضوح الامتدادات الإقليمية على الساحة اللبنانية ... ولكن ما يعنيني فعلاً هو ما يسمى بالامتداد الإيراني في لبنان الممثل في حزب الله ....
أقرأ يومياً عشرات المقالات والتعليقات التي تتحدث عن هذا الموضوع وتحاول تحليله محاولة التستر برداء المنطق مدافعة كانت أم مهاجمة لحزب الله ... لكن لم أجد أحداً يعترف بالحقيقة المرة ولو لمرة ، وليسأل أحدكم السؤال التالي وليجيبنا بالحقيقة الساطعة .... وأي طائفة في لبنان ليس لها ارتباطات إقليمية أو دولية .... ؟
والسؤال المطروح لماذا نحرم على حزب الله ارتباطه الإقليمي بإيران... ونغمض عيننا عن الحقيقة الساطعة والفاضحة أن غيره مرتبط بمن هو أسوأ من الإيرانيين ....
إن أي محاولة لتصوير أن حزب الله عميل لإيران... هي محاولة من الفشل بمكان ... فهل باقي الأحزاب والقوى اللبنانية استقلالية .... لننتهي من هذه الأسطوانة المشروخة وللأبد ...
فقبل أن ننهي ارتباط السنة بقيادة بيت الحريري بالسعودية ومن خلفها أمريكا وقبل أن ننهي ارتباط الموارنة بفرنسا تاريخياً وبعضهم بإسرائيل ... وقبل أن ننهي ارتباط آخرين وآخرين بدول إقليمية ودولية لا يحق لنا المطالبة بإنهاء ارتباط حزب الله بإيران... وهذا الطرح سوف يكون من السخافة بمكان ....
وكل ما يجعل حزب الله مختلفاً عن الآخرين أنه يصرح وبوضح أنه على علاقات إقليمية واضحة مع سوريا وإيران والآخرين لا يتكلمون ولا يصرحون عن طبيعة علاقاتهم ... ولبعض الجاهلين بالطبيعة اللبنانية .. سنسأل سؤال بسيط آخر إذا عادت الحرب الأهلية ... أي طائفة ستعجز عن استجلاب السلاح والدعم ....؟!
إن لبنان كان وسيبقى ساحة مفتوحة للصراع العربي الإسرائيلي بسبب طبيعته ... حجمه وتوازناته وغياب الدولة فيه إلى آخره ... طبعاً سنجد من يقول ولماذا لم ندعم 14 شباط أو آذار في بناء الدولة ... وسيكون جوابنا بسيط للغاية وهل تبنى الدولة بأمراء الحرب والطوائف ... ؟!
لا يغرنكم ظهور حسن نصر الله بعمامة سوداء (ربما لونها هو ما يستفز العرب ذوي الغالبية السنية ) على الشاشات ... وأعلموا تماماً أن السياسيين اللبنانيين الآخرين هم رجال دين غير معممين ولا متقلنسين ( لا أعرف إذا كان اللفظ صحيح) ...!!
إن 7 أيار أظهر مجموعة حقائق لم يقرأها أو يستقرأها أحد نتيجة الحول المقصود أو التكويني الذي يتمتع به أصحاب الأقلام المأجورة والمستكتبة ....
إن الفراغ الذي تركه خروج سوريا من الساحة اللبنانية عام 2005 ... والذي عمل عليه العرب قبل إسرائيل .., أظهر بأن هذا الفراغ يجب أن يشغله أحد إن عاجلاً أو آجلاً ... فكانت حرب تموز عام 2006 التي يقرأها بعض المسطحين والسخفاء بأنها حرب استرجاع جثتي الجنديين الأسيرتين لدى حزب الله ... مع أن الجميع بات يعرف أن الحرب كانت قادمة في ظرف شهور محدودة وهذا ما قالته إسرائيل نفسها ... وكل الحرب كانت خطوة تكميلية لإكمال الفراغ على مستوى الداخل اللبناني كي يتسلمه أتباع أمريكا ومن خلفها السعودية وإسرائيل ولتأسيس تفاهم أمريكي سعودي إسرائيلي جديد بدلاً من السوري الأمريكي السعودي الذي كان موجوداً ... وكانت المفاجأة الأولى التي قدمت حزب الله على أنه حزب لن يقهر أمام إسرائيل لاعتبارات كثيرة إذا ما استثنينا (التدخل الإلهي كما أحب حسن نصر الله أن يسوقه لجمهوره ) .
لقد مهدت حرب تموز مع ما ترافق معها من فشل إسرائيلي سعودي في هزيمة حزب الله إلى مجموعة تراكمات كانت ستؤدي إلى نتيجة منطقية واحدة ... إما عودة الحرب الأهلية مدعومة من السعودية وإسرائيل وإما السماح لحزب الله كونه الوحيد القادر أن يملئ الفراغ الذي نتج عن انسحاب سوريا .. وكان القرار برسالة بسيطة موجهة للقوى الداخلية وللقوى الإقليمية والدولية .. فليمسك حزب الله بزمام الوضع اللبناني ريثما يتم ترتيب الوضع الإقليمي من جديد ...
البعض من المنظرين وربما نتيجة جهله نسي أو غفل عن أن حزب الله لم يشارك في الحكومات اللبنانية المتعاقبة إلا بعد خروج سوريا ... وهذا يدل على إرادة واضحة لشغل الفراغ سياسياً ... ومن يقرأ هذا المشهد يعلم إن عاجلا أو آجلاً بأن الحزب سيضطر لشغل الفراغ عسكرياً ....
ما هي مجموعة التحولات التي حدثت في المنطة بعد 7 أيار ؟
على الصعيد الداخلي يكاد هناك متغير وحيد وأوحد هو الأهم والباقي هو تفاصيل ... وهو خروج وليد جنبلاط من معادلة الصراع والتوازنات والوقوف على مسافة من قوى 14 الشهر ... وهذا تم بعد أن عرف وأدرك تماماً زعيم المختارة أنه لن يبقى زعيماً حتى للمختارة وليس للدروز في لبنان إن دخل في مواجهة مذلة مع حزب الله، وتجرع بمرارة حقيقة حاجته لسوريا في ذلك اليوم وتأكد إلى غير رجعة أن السوريين الذين كانوا يحمونه دائماً وأبداً في الحرب الأهلية اللبنانية غير مهتمين بحمايته وأنه مضطر للتسليم وهذا ما حدث فعلاً ... فضلاً عن أن كل حلفائه السابقين غير موجودين معه ... اليسار اللبناني والسوريين القوميين وأمل إلخ .. ووجد عن يمينه وشماله إما أطفال مثل سعد الحريري وإما أقزام مثل جعجع والجميل وكانت المشكلة الأهم لجنبلاط في 7 أيار كيف سيستطيع أن يستنهض همم مقاتلي الدروز ضد من كانوا حلفاء الأمس ليتحالف مع اليمين اللبناني من كانوا أعداء الأمس ومن لا يعرف عن ماذا أتكلم ليقرأ عن الحرب الأهلية اللبنانية ...
والسؤال وقتها كان هل سيشعل حرب درزية درزية من أجل هؤلاء ...؟!
قد يستغرب القارئ أن جل حديثي بخصوص 7 أيار يتلخص في الساحة الدرزية ... وهذا صحيح لأن الساحة السنية كانت محسومة وكذلك المارونية وبقي وقتها الدرزية وما هي خياراتها ... رغم أن الدروز طائفة صغيرة الحجم في لبنان إلى أنهم كانوا على الدوام مؤثرين على سير الأحداث في الساحة اللبنانية فمن منا لا يعرف كمال جنبلاط وتحالف القوى الوطنية اللبنانية ...
على الصعيد الإقليمي ... نستطيع أن نلخص عنوان لـــ 7 أيار 2008 بالهزيمة السعودية بعد أن كانت الهزيمة الاسرائيلية في تموز 2006 ...
لتأتي الأحداث بعدها بتغيير أمريكي وتغيير للخيارات الأمريكية في المنطقة وربما محاولة العودة لتكريس التفاهم الأمريكي السوري السابق بعد أن عرف الجميع قيمته ....
واليوم السؤال المطروح على التحالف السعودي المصري (وأنا مجازاً أسميه تحالف فالدور الأكبر للسعودية ولا دور حقيقي لمصر في المنطقة إلا في تسويق الحلول وقد خسرته مؤخراً ) ... ألم تكونوا أنتم من دعم خروج سوريا من لبنان ... ألم تكونوا أنتم من حاصر سوريا في لبنان وغير لبنان ... ألم تكونوا أنتم من كرس الفراغ في لبنان ... فهل بعد ذلك تتباكون وتشتكون على أن حزب الله ومن خلفه إيران شغلوا هذا الفراغ ....
وعلى كل حال حزب الله ليس حزب متهور سياسياً فهو يعرف حجمه تماماً في المعادلات الإقليمية وهو يعرف وغيره لا يعرف أن هناك حدوداً لا يستطيع تجاوزها ... ولكن ماذا نفعل بأبواق السعوديين المسلطة عليه كحزب وعلينا كجماهير عربية ليل نهار ...؟!
إن حرب 2006 قد وضحت أمور كثيرة قرأها حزب الله ولم يقرأها العرب ... أهمها كان على الإطلاق أن لا عمق استراتيجي للحزب إلا سوريا وفقدانه لهذا العمق يعني الهزيمة المحتمة في أي معركة مع إسرائيل فنزوح جزء كبير من اللبنانيين إلى سوريا خفف الضغط النفسي على الحزب فقد كان يعرف أن سوريا هي الوحيدة التي تحتمل هذا النزوح مهما طال وكان يدرك لو أن الداخل اللبناني تأفف فسيتجه بالجميع إلى سوريا ريثما تنتهي المعركة ... وطبعاً لن نأتي على ذكر الإمداد والدعم اللوجستي
التفصيل الثاني الذي لم ينتبه إليه الكثيرين هو أن سوريا في الأيام الأخيرة لعدوان تموز كادت أن تتورط فعلاً في حرب مع إسرائيل بعد أن حاولت إسرائيل خرق ما تبقى من تفاهم الخطوط الحمراء وكادت الحرب المحلية أن تتحول إلى حرب إقليمية... وهنا ظهر جلياً أن وحدة الدم كانت وستبقى مع السوريين الذين لم يتراجعوا عن دعم الحزب مع أن بوادر الحرب قد لاحت في الأفق ...
إن حزب الله وقيادته المتجسدة بحسن نصر الله لن يميل لأي خيار إيراني منفرد في المنطقة طالما سوريا موجودة وقوية للأسباب التي ذكرتها سابقاً ... وعلى السعوديين ومن خلفهم المصريين أن يستنتجوا كما استنتجت أوروبا قبلهم أن أي إضعاف لسوريا هو فتح المنطقة على مصراعيها للآخرين والمنطقة لا ينقصها آخرين ...!!
في النهاية قد يعتقد البعض أن 7 أيار كان له تأثيره على المصالحات العربية وهنا أقول على الجميع أن يدرك أن مسار المصالحات العربية قد أملته ظروف كثيرة ليس منها 7 أيار فالسعوديين لديهم صفة الحقد السياسي التي لم ولن يتخلوا عنها (إقرأوا تاريخ المنطقة) ... وإن أهم سبب لمسار المصالحة السعودية السورية هو تغير سياسة البيت الأبيض ... راجعوا تاريخ العلاقات السورية السعودية سوف تجدون أن في كل مرة كانت علاقات سوريا وأمريكا متوترة كانت العلاقات السورية السعودية ليست على ما يرام ... لقد كان حافظ الأسد يرى أن علاقاته مع السعودية هي الترمومتر لعلاقاته مع واشنطن وأن أي تحرك سعودي دافعه الحقيقي ومحركه الأساسي هو واشنطن وأعتقد أن الأسد الابن ورث هذه الخبرة وكثير غيرها من الخبرات كما ورث الحكم ....
ملاحظة : إن كل ذكر للسعوديين أو المصريين أو السوريين أو الإيرانيين أو أحزاب أو شخصيات سياسية يعنى بها الأنظمة الحاكمة والقيادات نفسها وليست الشعوب والجماهير ...
كلمة أخيرة :
لو كان لدي الوقت الكافي لكنت دعمت كل ما قلته بالشواهد ولكني اعتمدت على ثقافة من يقرأ هذا الموضوع ليفهم ما أعنيه وما أردت الوصول إليه ،وأعتذر لأنني اقتطعت وقت الموضوع من وقتي الضيق أصلاً ...
شكراً للجميع